الانتخابات الرئاسية: مايو ٢٠١٢
تغريدة يوم الأربعاء ٢٣ مايو: «استراحة للانتخابات.. وبعدين نكمل الثورة».
تستطيع أن تقول إن أكثر من نصف الناخبين قاطعوا الانتخابات. رأى الناخبون ــ الذين خرج ٨٠٪ منهم فى مارس ٢٠١١ متفائلين منتظمين ليدلوا بأصواتهم فى استفتاء «الدستور أولا» ــ كيف استعمل المجلس العسكرى ذلك الإجراء الديمقراطى لإحكام قبضته وتقسيم الناس. وفى انتخابات مجلس الشعب ثابر ٥٤٪ وخرجوا إلى الصناديق، ثم قضوا أربعة أشهر فى خيبة أمل متنامية وهم يرقبون البرلمان يختلف ويتشاجر ويتباطأ. الكتلة الثورية التى رفضت أن تشارك فى الانتخابات بعد قتل المتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود انضم إليها كثيرون بعد قتال شارع مجلس الوزراء وبورسعيد وشارع منصور والعباسية الثانية.
شارك فى الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ٤٣٪ فقط من مجموع الناخبين.
ولما انسحب محمد البرادعى، وفشلنا فى إقناع حمدين صباحى وعبدالمنعم أبو الفتوح بالتحالف، قرر تيار ثورى ــ بإرشاد من أحمد سيف ــ ترشيح المحامى الشاب، خالد على، رئيسا، ليس أملا فى الفوز ولكن تدريبا على النزول، فتحققت مساحة صغيرة من العمل الثورى حول هذا المرشح، المرشح الوحيد الذى وُلِد فعلا من رحم الثورة. وحصل خالد على ــ فى النهاية ــ على ١٣٠,٠٠٠ صوت فقط، لكنه وفر محورا مهما لمجموعة ثورية راديكالية ومجدِدة، استطاعت ــ فى سياق العمل على حملته الانتخابية ــ أن تُكَوِن شبكة من الخبراء والمهنيين قاموا بوضع برنامج اقتصادى واجتماعى مفصل للبلاد. هذا البرنامج هو القاعدة التى يبنى عليها اليسار التقدمى مواقفه فى النقاشات الوطنية التى نصر على الاستمرار فيها.
ثلاثة من المرشحين الخمسة الأساسيين كانت خلفياتهم وإيديولوجياتهم واضحة تماما: محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسى عموما. أحمد شفيق مرشح فلول نظام حسنى مبارك، واعتبره الناس مرشح المجلس العسكرى. حمدين صباحى يميل إليه اليسار القديم والناصريون وبعض التقدميين. الاثنان المتبقيان أقل وضوحا: عبدالمنعم أبو الفتوح من القيادات المؤسسة للإخوان المسلمين لكنه اختلف معهم أخيرا، توجهاته فى الاقتصاد والعلاقات الدولية تبدو يسارية الاتجاه مقارنة بتوجهاتهم. أما عمرو موسى فكان من رجال الدولة فى النظام القديم، لكنه كان على خلاف معه، وكان حريصا على أن يُظهر المساندة العلنية للثورة، وإن كانت مساندة تتجه نحو الإصلاح «المعقول» وليس الثورة الشاملة.
القوات المسلحة وفلول مبارك والإسلاميون يتحكمون فى أموال وشبكات مصالح وتنظيمات لا يحلم بها الآخرون، ومع ذلك فقد جاءت نتيجة الدورة الأولى للانتخابات:
محمد مرسى: ٥,٧٦٤,٩٥٠ صوتا، أى ٢٤,٧٨٪
أحمد شفيق: ٥,٥٠٥,٣٢٧ صوتا، أى ٢٣,٦٦٪
حمدين صباحى: ٤,٨٢٠,٢٧٣ صوتا، أى ٢٠,٧٢٪
عبدالمنعم أبو الفتوح: ٤,٠٦٥,٢٣٩ صوتا، أى ١٧,٤٧٪
عمرو موسى: ٢,٥٨٨,٨٥٠ صوتا، أى ١١,١٣٪
وكانت لحظة بالغة القسوة تُرجِم فيها فشلنا فى تنسيق جبهة رئاسية أقرب إلى الثورة تضم حمدين صباحى وعبدالمنعم أبو الفتوح إلى خسارة التسعة ملايين صوت الذين حصلا عليهما، وأصبح سباق الإعادة فى الانتخابات المصرية الأولى بعد الثورة سباقا بين الإخوان المسلمين وفلول نظام حسنى مبارك.
عاصفة من النشاط السياسى تتحرك حول أحمد شفيق، هو يقيم الاحتفالات ويلقى الخطابات الرئاسية. قدم حمدين صباحى بلاغا يقول فيه إن تسعمائة ألف من الأصوات التى حسبت لشفيق كانت أصواتا مزورة. حاول مرسى التقرب من الأحزاب والتحالفات العاملة خارج إطار الإسلام السياسى، وقدم لهم وعودا وتعهدات بأن يكون رئيسا لكل المصريين وليس للإخوان فقط.
وقبل الإعادة بساعات، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوما بقانون جديد يعطى أفراد القوات المسلحة حق الضبطية القضائية على المدنيين، أى حق إلقاء القبض على أى مواطن. وفى نفس الوقت قررت المحكمة الدستورية النظر فى البلاغ المقدم لها منذ أربعة أشهر والذى يطعن فى دستورية انتخابات مجلس الشعب بدعوى أنها لم تأت مطابقة لما نص عليه الإعلان الدستورى للمجلس العسكرى. نظرت فيه وأعلنت البرلمان القائم برلمانا غير دستورى.
وهكذا واجه الثوار ــ من خارج التيار الإسلامى ــ صندوق الاقتراع مرة جديدة وأمامهم خيارات كارثية: إما أن تعطى صوتك لمحمد مرسى، أو تبطل استمارتك. وإن أبطلت الاستمارة ــ أو قاطعت الانتخابات كاملة ــ وفاز بها أحمد شفيق كيف ستعيش مع نفسك؟ بعد كل ما قمنا به، بعد استشهاد الأصدقاء، بعد العيون التى فقئت وأجزاء الجسد التى بترت ــ وأيضا بعد الحريات والمكاسب والروح الجديدة إلى صارت لنا ــ نسمح للنظام القديم أن يعود؟ وإن انتخبنا مرسى ــ إن رضينا بأن نخون شهداء محمد محمود وشارع مجلس الوزراء ــ إن تناسينا الكردونات البشرية حول مجلس الشعب واحتكار لجانه، إن تسامحنا مع الهذيان الذى سمعناه فى اجتماعات الجمعية التأسيسية للدستور ــ سننتخب حزبا أقيم على أسس دينية ويتسم بالمحافظة الشديدة اقتصاديا وسياسيا؟ ولكن ــ من جهة أخرى ــ الإسلاميون كانوا دائما جزءا من التيار الطالب للتغيير، وقد أثبت شبابهم أن بمقدورهم أن يكونوا منفتحين، أن يقتنعوا بالجديد، وأن عندهم ما يجب علينا أن نسمعه. ومسار التاريخ يدل على أن البلاد لابد وأن تمر فى مرحلة الإسلام السياسى إن عاجلا أو آجلا، فربما استطعنا هنا أن ننتج نموذجا مختلفا لهذا الإسلام السياسى ــ نموذجا مصريا. ومرسى لن يسمح بأن يُقتل الناس فى الشوارع ــ أكيد لن يسمح، بينما أحمد شفيق يأتى لكى يَقتل الناس فى الشوارع، لكى ينتهى كل «لعب العيال» هذا وتعود البلاد إلى مسارها القديم، بواجهة من شخصيات جديدة تجد قبولا أكبر عند القوات المسلحة.
أما عن الحريات فالأغلب أننا لن نجد فرقا كبيرا بين العسكر والإسلاميين.
الخمسة عشر مليون ناخب الذين انتخبوا البرلمان الإخوانى/السلفى انكمشوا فى الانتخابات الرئاسية فلم ينتخب محمد مرسى منهم سوى خمسة ملايين. ليس من المستبعد إذا حين يأتى وقت الانتخابات مرة أخرى أن يخسروها ونكسبها نحن، القوى المدنية. نقول: على الأقل تحت حكم الإخوان ستكون هناك انتخابات ــ ثم نراجع أنفسنا: هل سيسمح حكم الإخوان بتداول السلطة؟ على العموم، بالتأكيد لن يسمح الحكم العسكرى تحت أحمد شفيق بتداول السلطة. وإن جاء هذا الحكم سيصبح كل يوم من أيام الشهور الخمسة عشر الماضية، كل ما حدث كل يوم، كل المعانى التى امتلأ بها كل يوم ــ سيصبح لا قيمة له. لا، بل سيكون الأمر أسوأ من هذا: ستكون مصر قد ذهبت إلى الانتخابات فانتخبت ديكتاتورية عسكرية فاسدة.
وقفت وراء الساتر والقلم فى يدى. كانت نيتى أن أكتب «الثورة مستمرة» بعرض الاستمارة، لكننى وضعت علامتى أمام اسم محمد مرسى وعدت إلى بيتى مهمومة محبطة.
نزل نحو ثلاثة ملايين ناخب جديد إلى انتخابات الإعادة. نحو مليون ناخب لم يطيقوا الخيار الموجود أمامهم وأبطلوا استماراتهم. فاز محمد مرسى بـ ١٣,٢٣٠,١٣١ صوتا (٥١,٧٣٪)، وفاز أحمد شفيق بـ ١٢,٣٤٧,٣٨٠ (٤٨,٢٧٪) صوتا، وغادر إلى الإمارات.
وكان من الواضح أن الأصوات الجديدة ــ السبعة ملايين ونصف المليون التى أضيفت إلى ناخبى مرسى، والستة ملايين وثمانمائة ألف التى أضيفت إلى حصيلة أحمد شفيق ــ كانت لناخبين لا يصوتون رغبة فى أيٍ من الرجلين أو سياساتهما وإنما كرها لأحدهما أو خوفا من سياساته. وفى النهاية كان عدد الناخبين الكارهين للمجلس العسكرى وللنظام القديم أكبر.
*****