قبل أن يغادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إسرائيل يوم الاثنين الماضى، فى طريقه إلى جولة أوروبية تشمل كلا من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أوعز إلى رئيس هيئة الأمن القومى فى ديوان رئاسة الحكومة، مئير بن شبات، فى اتخاذ إجراءات تهدف إلى تدفيع السلطة الفلسطينية ثمن الحرائق التى أشعلها فلسطينيون عن طريق إطلاق بالونات وطائرات ورقية حارقة من القطاع، من خلال حسم قيمة التعويضات، التى تنوى الحكومة دفعها للمستوطنات المحاذية لقطاع غزة بسبب أضرار تلك الحرائق، من أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.
ووفقا للتجربة السابقة فإن كل المحاولات الرامية إلى فرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين فى المناطق (المحتلة) باءت بالفشل، ولم تسفر عن أى نتيجة فيما يتعلق بضمان الأمن والهدوء. وفى أثناء ذلك من المتوقع أن تستمر تظاهرات الفلسطينيين فى منطقة الحدود مع قطاع غزة (مسيرات العودة). ويمكن القول إن حركة «حماس» وسائر الفصائل الفلسطينية فى القطاع لا تعير تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان الذى تعهّد أمس الأول بإغلاق الحساب معها أدنى اهتمام.
فى ضوء ذلك يجوز لعشرات آلاف الإسرائيليين، الذين يعيشون فى المنطقة الجنوبية المحاذية للقطاع، مطالبة الحكومة بإيجاد حل أو تقديم جواب للواقع الذى يعيشونه ولا يمكن تحمله. ومثل هذا الحل أو الجواب يجب أن يكون عمليا وينطوى على بارقة أمل للجانبين، وألاّ يتم الاكتفاء بتهديد قادة «حماس» بالقتل، أو بتقويض سلطتهم فى القطاع.
حتى الآن لا تمتلك الحكومة الإسرائيلية خطة أو أفقًا يمكن أن يشير إلى نقطة خروج من هذا الواقع القاسى. وحبذا لو يحذو نتنياهو حذو رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، الذى اعتاد أن يقول إنه عندما تواجه مشكلتين فى الوقت عينه فليس أمامك سوى أن تعمل أولا على مواجهة المشكلة الأكثر إلحاحا التى تتطلب حلا فوريا، ثم تتفرغ للمشكلة الثانية الأقل إلحاحا. وكان شارون يستعين بمشورة الحاخام كرليتس، أحد كبار المرجعيات الدينية اليهودية فى القرن الفائت.
لو كان نتنياهو يحذو حذو شارون، لما كان يسافر إلى أوروبا الآن، وبدلا من ذلك كان يشمّر عن ساعديه ويعالج جذور المشكلة التى يضعها قطاع غزة أمام كل إسرائيلى. كما أنه كان سيكف عن استعمال الذريعة المتداولة بهذا الشأن فى الخطاب السياسى الإسرائيلى، وفحواها أنه لا يجوز الانشغال عن المخاطر الماثلة أمام إسرائيل فى الجبهة الشمالية.
حان الوقت كى نقول لرئيس الحكومة والمجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية ــ الأمنية: كفّوا عن الانشغال بإيران، واتركوا هذه المسألة للأمريكيين وزعماء العالم. فليست إيران هى مَنْ يقف وراء غضب ملايين الفلسطينيين فى القطاع، والمواجهة الإسرائيلية ــ الفلسطينية الحالية تستلزم تسوية بهذا القدر أو ذاك.
لكن يبدو أن نتنياهو لا يأبه لمثل هذه الأقوال. فقد صرّح أمس الأول بأن جولته الأوروبية تهدف إلى طرح موضوعين مع زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، هما إيران وإيران. ومثل هذا التصريح جيد للدعاية، لكنه غير عملى قطّ لإطفاء الحرائق المندلعة فى الحقول المحاذية لقطاع غزة.
شمعون شيفر
محلل سياسى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية