تستهوينى كثيرا الأدوار الإنسانية التى كانت تسند إلى محمود المليجى وسط مجموعة كبيرة جدا من أدوار الشر التى كان فيها يتقبل جميع أنواع المهانات التمثيلية بالضرب وكسر العظام والمعارك الساذجة.
أقول ذلك بأن هناك فى السينما العالمية ممثلين يلعبون دوما أدوار الشر، لكن حكاية المعارك والضرب والصفع وإسقاط الخصم على الأرض أمر يحدث فى أغلب هذه النجوم الكبار، «لورانس أويلفيه»، هربرت لوم، وأدوارد ربورنسن، فهم يقومون بأدوار رجال العصابات المتأنقين ولم يلمسهم أحد بلكمة واحدة، أما محمود المليجى ما ناله تمثليا من ضرب وإهانة فى فيلم أبوحديد لنيازى مصطفى الذى كان يتلذذ بأن يقوم المليجى بهذه الشخصيات دون أى اعتراض، هل ترتبط المعارك بإيقاع الممثل بضرب المليجى فوق الأرض وجرح وجهة لدرجة الدم الكثير، هذه مناظر كثيرة رأيناها فى أفلام جسدها أشرار السينما المصرية على رأسهم المليجى وتوفيق الدقن، ولذا فإن الأفلام التى يكون فيها المليجى بدور الإنسان الطيب غالبا ما يكون وقورا وبالغة الأناقة وقلب إنسانى بالغ الاتساع مثل أفلام «من أجل امرأة»، «المتهم»، «حكاية حب»، «حب من السماء»، «الأرض»، «العصفور»، التى تحب مشاهدتها للمليجى فيلم «المتهم» إخراج كمال عطية، وتأليف سيد بدير، وأيضا فيلم «نحن بشر» وفى هذا الفيلم على سبيل المثال هو رجل يلعب قمارا يوجه ما يكسبه إلى عمل الخير المتفانى بعد مات ابنه الوحيد والشخصية التى جسدها فى المتهم هى لطبيب يلعب القمار ويريد التخلص هذه المعيبة فيضطر إلى الاحتكاك بمجموعة من الخارجين عن القانون ويدبر له أحدهم جريمة قتل تدفع به إلى السجن، هو أذن متهم بريء والفاعل مجرم متأصل يعرف كيف يرتكب الجريمة ويلبس مبرراتها لغيره، ويضطر الطبيب إلى الهرب بحثا عن المجرم الحقيقى ويقابل فتاة بسيطة فلاحة تعانى من جشع زوج أمها وتساعد الطبيب الهارب حتى يستعيد حريته.
الموضوع مليء بالتفاصيل البوليسية التى تدور فى أجواء مظلمة كلما مرت الأحداث تعقدت أكثر وأكثر وانفلت المجرم ولكن العاشقة «شريفة ماهر» تساعده على التخفى فى ركن من القرية حتى ينجح أبوها المحامى فى إثبات براءته.
يجب الوقوف عند كمال عطية باعتباره مخرجا رأينا له أربعة وعشرين فيلما على مدى ثلاثين عاما كان يكتب الحوار والأغنية والسيناريو لكن هناك تفاوت ملحوظ بين أفلامه ومنها على سبيل المثال «رسالة إلى الله» 1960 و«قنديل أم هاشم» 1968، الشوارع الخلفية 1974 أما غير ذلك فإن أفلاما لم تحظ بقبول ملحوظ من الكتابات النقدية مما يثير التساؤل: لماذا يتفاوت عطاء الفنان من فيلم إلى آخر لأنه شخص مختلف تماما وأنا هنا لا أدافع عن فيلم المتهم وأرى أنه فيلم جيد ولكنى من عشاق متابعة الأدوار الطيبة لمحمود المليجى، ولعل أبرزها على الإطلاق فيلمه الإيمان 1951.
إذًا لو قارنا بين الإثنين من نفس الجيل تقريبا هما كمال عطية وصلاح أبو سيف فسنجد أن الأخير كان حريصا على الاختيار، اختيار كل من يعمل فى الفيلم ويشارك فى كتابة السيناريو أما كمال عطية ترك مساحة فى نهاية السبعينيات وتفرغ لتأليف سيرة حياته مع السينما وحكى الكثير من الأسرار التى عاشها مع أبناء جيله المقربين مثل كمال الشيخ وصلاح أبو سيف وعز الدين ذو الفقار.
المتهم شارك فى بطولته أيضا محمود اسماعيل وحسين رياض ورياض القصبجى مع الوجه النسائى الوحيد شريفة ماهر وهى ممثلة تم الاستعانة بها فى الخمسينيات لتغنى وترقص واتسمت بجمال ملحوظ لكنها مثل غيرها لم تقفز إلى النجومية مثلما حدث لكثير من بنات الخمسينيات.