القاهرة والفيلم.. الصعود إلى الهاوية - محمود قاسم - بوابة الشروق
الجمعة 15 أغسطس 2025 10:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

القاهرة والفيلم.. الصعود إلى الهاوية

نشر فى : الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:35 م

طالما هناك حروب بين الأمم ولد التجسس، وفى القرن العشرين كانت الحروب تتحرك عبر كل الأوطان بمسميات مختلفة، وفيها نشطت حالات نقل المعرفة العلمية والسياسية والصناعية لأنها جميعا من أساسيات الحرب، وكان الكُتاب الإنجليز هم أبرع من كتبوا فى هذا النوع من الرواية، باعتبار أن إنجلترا شاركت فى أغلب حروب القرن، وتأسست وكالة الاستخبارات البريطانية وأيضا وكالة الاستخبارات الأمريكية، وشارك العرب فى هذه الحروب، خاصة فى صراعهم مع إسرائيل. ومنذ العشرينيات وجد العرب أنفسهم مشاركين فى حروب أغلبها محلى، وعندما تأسس الموساد تعلموا كيف يكون التجسس من بريطانيا، وكتب العديد من الإنجليز روايات حول الحروب الإسرائيلية العربية، وطبعا لاستمرار هذه الحروب قامت أجهزة الاستخبارات بدفع بعض الكُتاب المصريين لتحويل أشهر قصص الجاسوسية إلى روايات تحولت إلى أفلام ودراما تليفزيونية وإذاعية، وفى السينما لدينا تجارب مبكرة من أشهرها فيلم «وطنى وحبى» إخراج حسين صدقى عام١٩٦٠، وفى منتصف السبعينيات، وبعد انتصار أكتوبر تم فتح بعض الملفات عن الجواسيس الذين لهم علاقة بالتاريخ الحديث، وفى البداية تحولت قصة الجاسوسة هبة سليم إلى نص إذاعى كتبه صالح مرسى بعد أن اختارته الاستخبارات المصرية، عام ١٩٧٥ بعنوان «الصعود إلى الهاوية» وعقب نجاح الفيلم قام مرسى بكتابه سيناريو أول فيلم مهم وحقيقى فى مجال الجاسوسية أخرجه كمال الشيخ عام١٩٧٨، أُسندت بطولته إلى مديحة كامل ومحمود يس وجميل راتب، وبعد نجاح الفيلم ظهرت مجموعة أفلام أخرى كتبها إبراهيم مسعود الذى كان يعمل فى الجهاز، وذاعت شهرة روايات التجسس عقب تحويلها إلى مسلسلات مثل «رأفت الهجان» و«جمعة الشوان»، أى إن كل هذه الأعمال مأخوذة من الواقع تؤكد مهارات المصريين فى شأن الاستخبارات.

يؤكد تاريخ الرواية أن الجاسوسية مستوحاة من القصص البوليسية، وهى نوع أدبى كما اعتبره النقاد وليس أدبًا، ومن أبرز كتابها إيان فليمنج صاحب روايات جيمس بوند، وهو جاسوس كان يعمل فى الجهاز البريطانى، وبالنسبة لكمال الشيخ فهو أبرز المخرجين الذين اهتموا بالرواية البوليسية حيث التوتر والترقب والبحث داخل المجهول، وهكذا رأينا فيلمه «الصعود إلى الهاوية» يخرج من جعبة العمل البوليسى، ولكن لأن صالح مرسى هو فى الأصل أديب فإنه اهتم بأنسنة الحكاية، فالطالبة المصرية عبلة كامل هى فتاة من أسرة متوسطة تعلمت فى المدارس الفرنسية، وتتمنى السفر إلى باريس للدراسة فى جامعة السربون، وطبعا لظروفها الاجتماعية وانفصال أمها عن أبيها المدرس فإنها تبدو منقوصة  الإحساس الوطنى ولديها مشاعر بالتذمر، ولأنها بالغة الجمال فإن أحد الضباط يغرم بها ويتقدم لخطبتها ولكنها تؤجل الارتباط به حتى تحصل على الليسانس، وفى باريس تتداخل فى أعماق المجتمع وتتعرف على امرأة تعمل فى الأجهزة السرية، كما تتعرف على رجل مولود فى مصر وهاجر إلى فرنسا، وهو يعمل فى الموساد، يجد فيها لقمة سائغة كى يحولها إلى جاسوسة تجلب له المعلومات من صديقها المصرى الذى يعمل فى إحدى قواعد الصواريخ المهمة، كما تتوغل الفتاة فى المجتمع السياسى والدبلوماسى، ويحكى السيناريو عن علاقة مثلية بين عبلة وإحدى زميلاتها، حيث إن عالم التجسس يمكنه أن يضم كل الغرائب والأمور غير المألوفة من أجل الحصول على المعلومة التى تفيد أحد الأطراف ضد الآخر، وفى هذا النص يقدم لنا صالح مرسى  كل حيثيات العمل فى التجسس، فعلى غير المألوف ليس هناك إطلاق رصاص أو جرائم دامية، بل نحن أمام ذكاء بشرى يتصارع مع ذكاء آخر، والمنتصر هو الأكثر ذكاء، حيث تصل أخبار عبلة إلى الجهاز المصرى، وتكون خطة القبض عليها متقنة للغاية، فهى فى بلد أجنبى من الصعب القبض عليها هناك، لذا يسافر اثنان من الضباط لمراقبتها ومتابعتها، ثم استجلابها إلى القاهرة، رغم الحصانة المحاطة بها، وهناك فى النص الأدبى مشاهد غير موجودة فى الفيلم، حيث سافرت الجاسوسة إلى إسرائيل وتم تكريمها هناك فهى تعمل لصالحهم، ويحاول الضابط المصرى التقرب إليها ويخطط لها أن تذهب إلى تونس لمقابلة أبيها الذى يعمل هناك وهو فى حالة مرضية حرجة، وفى مطار تونس يتم اصطحاب عبلة إلى طائرة خاصة يوجد بها ضباط المخابرات الذين يرجعون بها إلى القاهرة، ويكون المشهد النهائى للفيلم وعبلة تنظر إلى العاصمة من أعلى وتسمع أحد الضباط وهو يقول لها العبارة الأبدية (هى دى مصر يا عبلة).

التعليقات