سيل العناوين فى الصحف التى تثنى على الموساد وعلى الشاباك والجيش الإسرائيلى، يجعل إسرائيل تبدو عشية رأس السنة 5778 أشبه بدولة ثكنة تقريبا. مساء يوم الثلاثاء الماضى، وفى الوقت الذى تحدثت وكالات الأنباء عن هجوم آخر لسلاح الجو فى سوريا، أُغرق مستهلكو وسائط الإعلام الإسرائيلية بتفاصيل زاهية عن نشاطات الجيش ما وراء الحدود، كأن أحدا ما أراد أن يقدم وزنا مضادا لإنجازات أذرع الأمن الأُخرى. هذه المعلومات، المهمة بحد ذاتها، عن هجمات ضد مواقع إيرانية وعمليات ضد داعش، أبقت فى الظل معلومات مهمة أُخرى قدمها الجيش فى تلك الساعات. الجيش ينوى القيام بخطوة إضافية تبعده عن النموذج التقليدى لجيش الشعب، ويوصى بتمييز أكبر فى مسارات الخدمة العسكرية.
يظهر الحافز لتغيير السياسة للعيان فى القرارات الأخيرة بشأن تقصير الخدمة النظامية للذكور. لقد سبق أن جرى تقصير الخدمة النظامية للذكور أربعة أشهر، فأصبحت سنتين وثمانية أشهر (تخدم النساء سنتين). وفى مارس المقبل، من المقرر أن تستمع الحكومة إلى رأى وزير الدفاع ورئيس الأركان بشأن تقصير مدة الخدمة شهرين إضافيين للذكور، بدءا من سنة 2020. فى الجيش الإسرائيلى يرون فى ذلك خطرا، لكن أيضا فرصة.
هيئة الأركان العامة ستوصى بتقصير آخر حتى لو كان ينطوى على تغيّر عميق فى نموذج جيش الشعب. فى مقر وزارة الدفاع لا يجرءون بعد على الحديث بصوت عال عن الانتقال إلى الجيش المهنى، على الرغم من أن 67 % فقط من الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية يتجندون اليوم فى الجيش. لكن النية هى السماح لمسارات خدمة أطول فى مناصب مهنية، منذ بدء التجنّد للخدمة فى الجيش، وإلى جانب ذلك توفير تنوع أكثر فى طول الخدمة فى أدوار أقل حيوية.
البداية الأولى لذلك ظهرت فى الخطة التى بادر إلى طرحها رئيس الأركان، غادى أيزنكوت، التى يوقّع فيها مقاتلون اتفاقا على الخدمة مدة ثمانى سنوات. بينها سنتان فى الدراسة الأكاديمية الجامعية، وخمس فى وحدات خاصة (سييرت ميتكال، وحدة كوماندوس فى سلاح الجو، الكوماندوز البحرى، وحدة الإنقاذ بهيتس 669، وحدة عوكتس للكلاب العسكرية). ومع تطبيق التقصير الأول للخدمة، وافقت وزارة المال، فى الوقت عينه، على توظيف الآلاف فى ملاك الخدمة النظامية لفترة قصيرة، لمدة تتراوح بين بضعة أشهر وحتى سنة للمقاتلين فى لواء الكوماندوز وفى مناصب قيادية صغيرة فى بقية الوحدات النظامية.
النية هى توسيع هذه الخطة بشكل بارز. وسيُطلب من قادة الفرق فى منظومة سلاح المشاة، وقادة الدبابات والمسعفين والموظفين الآخرين، أن يوقّعوا مسبقا لفترة خدمة نظامية قصيرة. فى مقابل ذلك، من المنتظر أن تقصَّر أكثر الخدمة فى وظائف إدارية، لتصبح أقل من سنتين وأربعة أشهر. باختصار الفكرة هى: الدولة ستكافئ الذين يخدمون فى وظائف مهمة، كى يستغلوا المعرفة التى اكتسبوها. وفى الوقت عينه، ستحرر من الخدمة فى وقت أبكر من الجنود الذين ترى أن فائدتهم أقل، كى يستطيعوا المضى قدما بدراساتهم الجامعية وعملهم فى السوق.
يريد الجيش هنا أن يأخذ على عاتقه مجازفة محسوبة، انطلاقا من الافتراض أن الشبان المتعلمين سيوافقون على توقيع اتفاق على سنوات خدمة إضافية فى وظيفة مهمة وذات شأن، حتى لو لم تكن مرتبطة بترقية عسكرية أو بخدمة مهمة فى إحدى وحدات النخبة.
عاموس هرئيل
محلل عسكرى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية