مصر مع الشمال.. إثيوبيا مع الجنوب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر مع الشمال.. إثيوبيا مع الجنوب

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2011 - 8:56 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2011 - 8:56 ص
مر قرار مجلس الأمن الدولى الذى صدر يوم 27 يونيه الماضى، والقاضى بإرسال ما يقرب من 4200 جندى إثيوبى لحفظ السلام فى منطقة أبيى الحدودية بين جنوب وشمال السودان، دون أن يلفت انتباه الكثيرين فى مصر رغم خطورته الكبيرة.

ففى وسط انشغال مصر، الدولة والشعب، بمناقشات ومعارك تفاصيل بناء أسس حياة سياسية مصرية داخلية جديدة تكون عمادا للديمقراطية الناشئة بعد نجاح ثورة 25 يناير، قدمت السفيرة سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مشروع قرار يقضى بإرسال قوات إثيوبية لحفظ السلام فى السودان، وحظى القرار بإجماع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر.

وجاءت هذه الخطوة بعد اضطرابات عنيفة جرت فى بداية الشهر الماضى فى منطقة جنوب كردفان بين قوات موالية للشمال وقوات موالية للجنوب، وتم اتهام قوة حفظ السلام المصرية الموجودة فى هذه المناطق بمحاباة الشماليين، وعدم تدخلها لحماية آلاف المدنيين الفارين من القتال ممن لجأوا لمعسكرات الأمم المتحدة، طبقا لعدد من التقارير الصحفية الغربية.

ويوجد لمصر ما يقرب من 4120 جنديا ضمن القوات الدولية لحفظ السلام فى السودان، يوجد منهم 2565 جنديا فى إقليم دارفور، إضافة إلى 1552 جنديا فى مناطق حدودية بين شمال وجنوب السودان.

وترى صحيفة الإندبندنت البريطانية أنه تم إرسال الجنود الإثيوبيين للمنطقة الحدودية بين الشمال والجنوب لتحقق توازن مع قوات حفظ السلام المصرية المتهمة بالمحاباة للشمال، ويتوقع أن تحابى القوات الإثيوبية الجنوبيين فى أى صراع مستقبلى. ولم تجئ الخطوة الأمريكية بالمبادرة لنشر قوات إثيوبية فى السودان بمثابة مفاجأة للمطلعين على تفاصيل صراع القوة والنفوذ فى هذه المنطقة من العالم.

وتعكس هذه التطورات مفاجأة حقيقية تتمثل فى استمرار فشل تعامل مصر مع ملفات السودان الشمالى والسودان الجنوبى. الافتقار إلى الخيال، أو حتى إدراك الواقع، لدى صانعى سياسة مصر بطبيعة وهوية أهم دول جوارها، لا يوجد له ما يبرره.

لقد كانت مصر دوما ضد تقسيم السودان، ولم تعترف مصر أبدا أن الانفصال قادم لا محال. وسمحت مصر لنفسها أن تشارك كضيف فى مراسم عقد اتفاق السلام الشامل الذى وقع عام 2005، ويعرف باتفاق نيفاشا، الذى أنهى أكثر من عقدين من الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، ووضع الأساس لاستفتاء الانفصال بين الجنوبيين الذى جرى فى التاسع من يناير هذا العام.

لقد حاولت مصر، وفشلت، فى إقناع حكومة رئيس السودان الشمالى حسن البشير بعد توقيع اتفاقية السلام الشاملة عام 2005 بجعل خيار الوحدة جذابا للجنوبيين، إلا أن نظام البشير لم يقم بذلك.

ولم يرد صانعو السياسة الخارجية فى مصر أن يقتنعوا بأن سلوك الشماليين يحول دون تحقيق رغبتها فى بقاء السودان موحدا. ورغم قيام مصر بتنفيذ عدة مشروعات للبنية الأساسية فى الجنوب، إلا أن الشك وعدم الثقة فى نوايا مصر، يمثل عائقا لدى الجنوبيين، ولن يتم التغلب عليه قريبا.

وفى الوقت نفسه، لم يعد سرا استمرار اختلاف وجهات نظر مصر وإثيوبيا حول توزيع حصص مياه نهر النيل خاصة فى ظل توافر المزيد من التقارير التى ترسم صورة سوداء لمصادر المياه بصفة عامة فى أفريقيا.

وتوقع تقرير صدر مؤخرا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن قضية المياه سوف تكون أحد أكبر مصادر الصراع المستقبلى فى القارة الإفريقية خلال الـ25 سنة لقادمة. ويتوقع ليستر براون مؤسس ومدير معهد سياسة الأرض الأمريكى حدوث حروب من أجل المياه ولاسيما بين الدول التى تشترك فى الأنهار والبحيرات التى تكون المصدر الرئيس للمياه لتلك الدول. وفى هذا الصدد يتوقع ليستر براون أن تكون هناك حروب بين دول حوض نهر النيل (مصر والسودان وإثيوبيا) بسبب المياه، أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم.

كما يتوقع أن يزيد الطلب على المياه فى تلك المنطقة خلال الـ 40 سنة القادمة نظرا لزيادة عدد السكان بدول حوض نهر النيل، فعلى سبيل المثال يبلغ التعداد السكانى فى مصر وإثيوبيا ما يزيد على 80 مليونا لكل منهما، ويتوقع أن يصل إلى 121 مليون نسمة فى مصر بحلول عام 2050. وفى إثيوبيا يتوقع أن يزيد عدد السكان إلى 183 مليون بحلول نفس العام، كما ينتظر تضاعف عدد سكان السودان (شماله مع جنوبه) ليصل إلى 80 مليون نسمة.

ويزيد من معضلة مصر المائية ميل دولة جنوب السودان الجديدة لدعم إستراتيجية إثيوبيا الخاصة بمياه النيل، ويتوقع أن تسفر الأيام المقبلة عن اتفاقية بين الجنوب وإثيوبيا بشأن تدفق الطاقة الكهربية الرخيصة للجنوب مقابل استمرار إمدادات النفط منه إلى إثيوبيا.

على مصر أن تدرك وتستعد لزيادة فى الطلب على المياه، ليس فقط من إثيوبيا، بل أيضا من جمهورية جنوب السودان. وعلينا أن نتذكر أن 55% فقط من سكانه لديهم مصدر مياه شرب نظيفة، كما أن 38% من السكان يعيشون على بعد 30 دقيقة مشيا من مصدر لمياه الشرب.

تزايد الطلب السودانى الجنوبى والإثيوبى على مياه النيل سوف يقلل بالضرورة من ضمان حصول مصر على حصتها الحالية فى المستقبل. وعلى صانعى السياسة فى مصر إدراك حقيقة مهمة وهى أنه لا يمكن لأى طرف حسم خلافات حصص تقسيم مياه نهر النيل عن طريق استخدام القوة المسلحة، لذا لا بديل عن طريق التفاوض لتحقيق كسب لكل الأطراف.

كما لا يجب أن نسمح بتقسيم النفوذ والمنافسة بين القاهرة وأديس أبابا، مما يؤدى لمخاصمة مصرية مع السودان الجنوبى. على صانعى السياسة الخارجية أن يتجنبوا أن تكون علاقاتهم بالسودانيين عاملا يضيف لاضطراب علاقات مصر بإثيوبيا، كما لا يجب أن ننسى أنه ستكون هناك علاقات قوية بين جنوب السودان وإسرائيل.

عمليا علينا الاعتراف بالجنوب وتقديم أى دعم مادى أو معنوى لكى نقنع الجنوبيين أن مصر وللمرة الأولى تحترم دولتهم الناشئة بدلا من أن نجعل جنوب السودان دولة محظورة علينا فى المستقبل.
مبروك للجنوبيين دولتهم الجديدة.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات