ضحيت غرامى - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 12 أبريل 2025 9:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ضحيت غرامى

نشر فى : الجمعة 11 أبريل 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أبريل 2025 - 7:30 م

 

لكل حقبة مفرداتها اللغوية التى ينطق بها الناس فى واقع الحياة، وينعكس ذلك أيضًا على الأعمال الفنية التى يشاهدها الناس، ولا شك أن هذا الأمر مصدر جدل حاليًا بمناسبة اللغة التى تحدث بها بعض المصريين فى مسلسلات رمضان، وهذا الأمر ليس محل حديثنا اليوم، ولكننى توقفت عند عناوين أفلام السينما المصرية فى الأربعينيات والخمسينيات، وهى الفترة الأكثر رومانسية فى حياتنا، إذ لاحظت أن هناك استخدامًا متكررًا وملحًا لتعبير «غرام»، وهى كلمة لم تعد تستعمل كثيرًا فى العقود التالية، وأذكر من هذه العناوين: «غرام وانتقام»، و«قصة غرام»، و«شهداء الغرام»، و«غرام الشيوخ»، ثم فى أوائل الخمسينيات: «ليلة غرام»، و«وداعا يا غرامى»، و«ورد الغرام»، و«رحلة غرامية»، و«مكتب الغرام»، و«موعد غرام»، و«ضحيت غرامى»، هذا الفيلم الأخير من إخراج إبراهيم عمارة الذى شارك كتابة السيناريو مع المؤلف يوسف جوهر، الذى كان يعمل محاميًا، وقامت ببطولته مارى كوينى مع ابنها نادر جلال، وأيضًا عماد حمدى ومحمود المليجى، ونجمة إبراهيم، أى أن هذه الكلمة شديدة الجاذبية، ربما عن كلمات أخرى تعبر عن المشاعر الصادقة بين الجنسين مثل كلمة: «حب»، و«الهوى»، و«العشق»، ورغم أن الكلمة ظلت موجودة إلا أنها بدت غريبة زمنًا وراء آخر، واستخدمت منذ ربع قرن من خلال أغنية «يا دنيا يا غرامى» لمحمد عبدالوهاب، وهى أيضًا أغنية قديمة تنتمى إلى زمن بعيد.

«ضحيت غرامى» هو عنوان يوحى بالأمرين معًا، التضحية المرتبطة بالغرام، أو الولع الشديد، وعليه فإنها مقرونة بالتسامح مقابل الخيانة، العفو حين المقدرة، ويبدو ذلك فى مواقف أبطال الفيلم، وكما سنرى فإن الغرام هو أعلى درجة من درجات الحب، يفضل استخدامه بين الطبقات الراقية والمثقفة، ولا يستخدمه أبناء الطبقات الأدنى، وفى الفيلم فإن عادل محامى يتصرف بالنبل الشديد رغم وقوعه فى غرام سامية، لقد تعارفا بعد حادث تصادم مزدوج قادهما إلى مستشفى الدكتور رفعت حمدى الصديق الحميم للمحامى، وفى أثناء فترة العلاج فإن عادل يقع فى حب الفتاة، ولكنه يكتم عواطفه بداخله، خاصة بعد أن يعلم أن صديقه الطبيب قد طلب سامية للزواج، وهذا أول علامة للسمو والتضحية، الغريب أنه بينما تسير الحياة الزوجية فى إيقاعها السليم، فإن المحامى يظل بلا زواج كأنه ينتظر ما سوف يفرضه الفيلم من حوادث متشابكة، فبعد عشر سنوات من الحياة الزوجية وبعد إنجاب طفل فإن الطبيب يتعرف على راقصة تجسدها تحية كاريوكا، وكم جسدت كاريوكا مثل هذه الشخصية، الراقصة التى توقع رجال متزوجين مقتدرين فى حبائلها وتسعى إلى اقتناص الرجل، وإبعاده عن أسرته كى يظل بين براثلها، بالفعل فإن الطبيب يقع فى غرامها ويعيش معها حتى يتنبه إلى أنه ظلم أسرته، فيسعى إلى فصل العلاقة، وهنا تتكشف حقائق أن هناك رسائل عاطفية متبادلة بين الطبيب والراقصة، وأن عليه أن يسترد تلك الخطابات حتى يكون فى الجانب الصحيح حفاظًا على عدم إفساد العلاقة مع امرأته، بما يعنى أن الأمر كله بالنسبة للعاشق هو نزوة عابرة وسوف تمر، لكن الراقصات فى أغلب السينما المصرية يتحدثن بلغة الجسد والشر وهنا تدس الراقصة بالسم للرجل عندما يهددها، وتذهب إلى زوجته، وما تلبث الحقائق أن تتداخل فيتم إتهام الزوجة التى ذهبت إلى بيت الراقصة أنها هى التى قتلت زوجها بدافع الغيرة، وهنا تتقدم شخصية المحامى إلى الصدارة ويقوم بدور مهم للدفاع عن حبيبته القديمة وكشف حقيقة أن القاتلة هى الراقصة ديدى، سوف نلاحظ أن تلك التوليفة الأخيرة قد تكررت مرارًا فى أفلام تالية، من أبرزها ما قام به عماد حمدى أيضًا كمحامٍ فى الدفاع عن زوجته البريئة فى فيلم «جريمة حب» إخراج عاطف سالم 1958 وتأليف أمين يوسف غراب، أى أن السينما تأكل من أطباق بعضها البعض، وإذا عدنا إلى مصطلح الغرام أو الحب النبيل عند أصحاب المكانة الاجتماعية الأسمى فإن المحامى فى هذا الفيلم يدافع عن حبيبته البريئة ويدين الراقصة، ويفوز فى النهاية بسامية بعد أن ضحى لسنوات من أجل سعادة صديقه الطبيب والزوجة سامية.

التعليقات