للأسف الشديد جاءت بداية التطبيق العملى لقانون منح التزام المرافق العامة المعروف شعبيا باسم «قانون تأجير المستشفيات الحكومية» مخيبة لآمال الكثير من المتفائلين به والمدافعين عنه، وعززت مواقف المشككين فيه والمحذرين من مخاطره على استمرار توافر الخدمات الصحية للمواطنين.
فعندما أعلن مجلس الوزراء فى 19 مارس 2024 موافقته المبدئية على الترخيص للمعهد الفرنسى (جوستاف روسى) بالانتفاع واستغلال وتشغيل مستشفى مركز أورام دار السلام (هرمل)، قال فى بيان إن ذلك يأتى «فى إطار توجه الدولة نحو رفع مستوى تقديم الخدمات الصحية بكافة المنشآت الطبية، وعلى الأخص المستشفيات الحكومية».
وفى 6 فبراير الماضى وخلال مراسم توقيع اتفاقية منح شركة «إليفات برايفت إكويتى» بالشراكة مع المعهد الفرنسى حق استغلال وتشغيل مركز أورام دار السلام وفقا لقانون الالتزام، قال الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، إن هذا التعاون المُثمر يعكس التزام الدولة المصرية بتقديم خدمات صحية ذات جودة عالية لجميع المواطنين.
لكن ما حدث فى الأسبوع قبل الماضى ومع تسليم المستشفى للمعهد الفرنسى وشركة الاستثمار، فوجئ المواطنون الذين يتلقون جرعات العلاج الكيماوى على نفقة الدولة فيه بوقف تقديم الجلسات لهم بدعوى أن قرارات العلاج على نفقة الدولة الصادرة لهم صادرة لصالح مركز أورام دار السلام (هرمل) ويجب العودة إلى المجالس الطبية المتخصصة لتغيير اسم جهة العلاج ليصبح معهد جوستاف روسى – مصر أو شيئا من هذا القبيل. كما أبلغتهم إدارة المستشفى بأنها هى التى ستتولى العودة إلى المجالس الطبية لتعديل خطابات العلاج على نفقة الدولة، دون تحديد مواعيد لإنجاز هذه المهمة الأمر الذى أثار قلق المرضى وأسرهم.
ومر أكثر من أسبوعين ولم يتلق المرضى أى رسائل تشير إلى تعديل القرارات وفتح الباب أمام استئناف حصولهم على العلاج، دون مراعاة لظروف مرضى هذا المرض اللعين النفسية وقلق ذويهم من آثار اضطراب مواعيد الجلسات.
المأساة أن الحكومة كانت تستطيع أن تجعل من تجربة منح التزام مستشفى مركز دار السلام إلى القطاع الخاص رسالة طمأنة للمواطنين بأن هذا القانون سيفيدهم ولن يؤثر على الخدمات التى يحصلون عليها لو أنها حددت فترة انتقالية لاستنفاد قرارات العلاج على نفقة الدولة القائمة فى المركز بعد انتقال الولاية عليه إلى معهد جوستاف، فيستمر تقديم العلاج للمواطنين وتتولى الجهات الحكومية التعامل مع الجوانب الإدارية التى لا تهم المرضى من قريب أو بعيد.
لكن ما حدث جاء مخيبا للآمال، خاصة مع تقليص أعداد المرضى الذين استقبلهم المركز خلال الفترة الماضية تمهيدا لتسليمه للمعهد الفرنسى ثم نقل عدد كبير من المرضى منه إلى مستشفيات علاج الأورام الحكومية الأخرى، وأخيرا بوقف تقديم العلاج للمرضى الحاصلين على قرارات علاج على نفقة الدولة.
ورغم أن عقد الالتزام الموقع بين الدولة وشركة إليفات برايفت إكويتى يخصص 70% من إجمالى الأسرَّة الطبية فى المستشفى لخدمة مرضى نفقة الدولة والتأمين الصحى، على أن تتكفل وزارة الصحة بتحمل تكاليف علاجهم، فإن نقل عدد من المرضى من مركز أورام دار السلام إلى المستشفيات الحكومية ووضع عراقيل أمام استمرار تقديم الخدمة للحاصلين على قرارات علاج على نفقة الدولة يفتح الباب أمام التشكيك فى مدى الالتزام بما أعلنته الحكومة من عدم تضرر المواطنين من هذه الإجراءات. لذلك على وزارة الصحة ومن ورائها مجلس الوزراء ضرورة التحرك لضمان نجاح تجربة منح التزام تشغيل وإدارة المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص بحيث لا يكون أول القصيدة شكوكا وقلقا.