كانت الاحتفالات مبكرة جدًا؛ فبعد يومين على الهجوم الجوى الإسرائيلى على قطر، يُعزَّز الاعتقاد أن العملية لم تحقق أهدافها المعلنة. فالحكومة القطرية و«حماس» لا تزالان تلتزمان الصمت بشأن نتائج الضربة، لكن فى هذه المرحلة، يبدو كأن عدد قادة التنظيم الذين أصيبوا فى القصف الإسرائيلى أقل كثيرًا مما كان يُعتقد فى البداية. وأكثر من ذلك: تبين أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر تنفيذ الضربة، على الرغم من معارضة كبار مسئولى المنظومة الأمنية، فى معظمهم، وعلى الرغم من التحذيرات الشديدة التى أطلقوها بشأن تأثيرها السلبى المحتمل فى صفقة الأسرى.
كلما طالت الحرب الإقليمية وتشابكت، كلما تعرضت إسرائيل لمزيد من المخاطر فى عمليات الاغتيال. قبل نحو أسبوعين، قصف سلاح الجو صنعاء فى محاولة لاغتيال وزراء الحكومة الحوثية فى اليمن. واستهدف فريق المفاوضات التابع لـ«حماس» فى قطر، فى أثناء اجتماع كان مخصصًا لوضع استراتيجية بشأن صفقة الأسرى. إن الضربات ليست أطول مدى فحسب، بل إن أهدافها باتت أكثر طموحًا.
حتى وقت قريب، وُصفت سلسلة الاغتيالات بأنها نجاحات متصاعدة، لكن الضربة السابقة فى اليمن حققت نتائج جزئية فقط (إذ قُتل رئيس الوزراء وعدد من الوزراء، بينما نجا كبار القادة الأمنيين الحوثيين)، أمّا العملية فى قطر، فقد تنتهى بفشل.
إن الخطر الأكبر يتعلق بأرواح الأسرى وسلامتهم. يمكن التغاضى عن الإدانات الدولية للعملية الإسرائيلية فى قطر، لكن ألا تخشى إسرائيل أن تستغل «حماس» الحادثة للتشديد على الأسرى فى الأنفاق، أو حتى التهديد بقتلهم؟ من الأفضل أن يقال بوضوح إن «حماية حياة الأسرى لم تعد أولوية قصوى لدى رئيس الوزراء منذ زمن. وما يوجّه قراراته هو البقاء فى الحكم بأى ثمن، وطريقة تحقيق ذلك، فى نظره، حرب طويلة بقدر الإمكان».
حتى الآن، يمنحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مزيدًا من الوقت فى غزة، لكنه يضغط عليه بألّا يطيل أمد الحرب أكثر مما يجب. هناك تقديرات تفيد بأن ترامب سيطالبه بإنهاء القتال بحلول نهاية العام، ولهذا السبب، يصرّ نتنياهو على توسيع العملية البرية فى مدينة غزة. أمّا بشأن الضربة فى قطر، فطالب نتنياهو بتنفيذها قبل بدء التحرك البرى المكثف فى القطاع.
إن درجة دعم ترامب للخطوة الإسرائيلية مرتبط باستمرار علاقاته الجيدة بنتنياهو، لكن السؤال الذى لم يتضح بعد هو: ما الذى جرى بين القدس وواشنطن فى الساعات، وربما فى الأسابيع، التى سبقت الضربة. لقد هدّد رئيس الأركان إيال زمير بضرب قادة «حماس» فى الخارج فى تصريح له فى نهاية أغسطس الماضى. من المرجح أن تكون إسرائيل لمّحت للولايات المتحدة بنيّتها العمل فى قطر تحديدًا، لكن قناة «الأخبار 12» أفادت بأن الأمريكيين أدركوا أن الضربة فى طريقها إلى التنفيذ، فقط عندما رصدت أنظمة الدفاع الجوى التابعة للقيادة المركزية «سنتكوم» الطائرات الإسرائيلية وهى تحلّق فوق المنطقة، وهى أنظمة تحمى القاعدة الأمريكية الضخمة فى قطر، عندها فقط، قيل إن إسرائيل شرحت ما تنوى فعله. فهل يمكن أن يكون البيت الأبيض كان على عِلم مسبق، لكنه لم يبلّغ القادة الميدانيين؟ فقائد «سنتكوم» الجديد زار إسرائيل قبل أيام قليلة فقط، والتقى كبار قادة الجيش.
هنا يبرز إمكان أن يكون ترامب تعمّد إضفاء ضبابية على الملابسات ليحتفظ لنفسه بهامش إنكار ــ فيفصل الأمريكيين عن تبعات الضربة، وبشكل خاص إذا أضرّت العملية الإسرائيلية بقطر من دون أن تحقق هدفها الرئيسى: قتل كبار قادة «حماس». ومن المعروف أن الرئيس لا يحب أن يرتبط اسمه بأى فشل.
لكن إذا لم يكن هناك تنسيق كامل، ولم يبلَّغ الأمريكيون فى الوقت المناسب، فإن فى ذلك بذور أزمة بينه وبين نتنياهو. وهذا الخبر ليس سيئًا بالضرورة؛ فمنذ وقت طويل، ربما بات ترامب هو الوحيد القادر على إنهاء الحرب، إلّا أن هذا الأمر مرهون بممارسة ضغط أمريكى مباشر على نتنياهو، وهو ما لم يتجرأ ترامب على فعله حتى الآن.
عاموس هرئيل
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية