أضرار وفوائد قرارات ترامب الجمركية - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأربعاء 16 أبريل 2025 12:26 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أضرار وفوائد قرارات ترامب الجمركية

نشر فى : الإثنين 14 أبريل 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 14 أبريل 2025 - 6:40 م

أعلن الرئيس دونالد ترامب يوم ٢ أبريل فرض رسوم جمركية على صادرات أغلب دول وساحات العالم إلى الولايات المتحدة، واعتبر ذات التاريخ «يوم الاستقلال» الاقتصادى الأمريكى، وهو تعبير استخدم فى الماضى فى وصف تحرر الدول من الاستعمار، وبرر قراراته بأن أوضاع غير سوية أضرت بالولايات المتحدة على مدى خمسين عامًا، أى منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى، وهو تاريخ غريب، لأنه يتزامن مع قرارات اقتصادية مهمة للرئيس نيكسون فى أغسطس عام ١٩٧١ بإلغاء الاعتماد على احتياطى الذهب، والتخلى عن تثبيت سعر العملات، وجعل الدولار الأمريكى ضمنيًا العملة الرئيسية فى النظام التجارى الدولى، مع فرض ١٠٪؜ جمارك على الواردات الأمريكية من الخارج، لتمويل الميزانية بالاقتراض والضغط على البنك المركزى للاحتفاظ بالفوائد على مستويات منخفضة.

 


تناول المحلل الأمريكى المرموق فريد زكريا صاحب الأصول الهندية، قرارات وحجج ومبررات ترامب تفصيليًا فى أحد مقالاته، مفندًا أغلب الحجج ومؤكدًا صحة وعنفوان الاقتصاد الأمريكى خلال الفترة المشار إليها، باعتباره ينمو بمعدلات أسرع من غيره، مع وصول حجمه إلى ضعف الاقتصاد الأوروبى، الذى كان متساويًا معه منذ أقل من عشرين عامًا، وتفوق متوسط مرتبات الفرد الأمريكى بنسبة ٤٠٪؜ عن الوضع فى الدول الصناعية، وتجاوز متوسط الدخل القومى لتعداد السكان بنسبة ١٥٠٪؜ عن الوضع فى اليابان، ونوه بأن الدخل القومى لولاية المسيسيبى، أفقر الولايات الأمريكية، يتفوق على الناتج القومى لبريطانيا، وفرنسا، واليابان.
ورفض زكريا ادعاء ترامب بأن هناك انحسارًا حادًا فى مكانة أمريكا الاقتصادية، وهى الدولة الأكثر تقدمًا فى المجالات المحركة للاقتصاد الحديث، مثل التكنولوجيا والخدمات، والبرمجة ومشتقاتها، والفنون والقانون وخدمات المؤسسات المالية والبنوك، والتى تشكل ٧٥٪؜ من الاقتصاد الأمريكى، وتحظى فيها بفائض تجارى ضخم مع الدول الأخرى.
كما أشار فى المقال إلى خطورة اتخاذ الولايات المتحدة لقرارات اقتصادية غير منطقية، أو أن تتمادى فى توجهاتها الانعزالية الحمائية، والمترسخة بالفعل فى نظامها الاقتصادى، حيث تتجاوز الإجراءات الحمائية الأمريكية ما تقوم به ٦٨ دولة أخرى، وحذر من أنه إذا ازدادت تلك الإجراءات، ستدفع الآخرين إلى توجيه التجارة نحو أسواق أخرى على حساب الولايات المتحدة، وبخاصة مع دول مثل الصين لاتساع أسواقها.
هناك شبه إجماع دولى على أن القرارات الأمريكية ستخلق سلسلة من ردود الفعل السريعة وغير الإيجابية، حيث فرضت الصين أشد منافسيها جمارك موازية، والحلفاء فى أوروبا يجهزون رد فعلهم، ودعى الرئيس الفرنسى ماكرون إلى عدم الاستثمار فى الولايات المتحدة، وأعرب مسئولو البنك الدولى عن خشيتهم أن تؤدى الحروب التجارية المتوقعة إلى انكماش الاقتصاد العالمى، والذى يشكل الاقتصاد الأمريكى ٢٥٪؜ منه، بل أعرب محافظ البنك المركزى الأمريكى ذاته عن خشيته من ارتفاع التضخم وتداعيات زيادة الجمارك على النمو الاقتصادى العالمى.
هذا وحذر زكريا بأن استخدام القوة والنفوذ الأمريكى بشكل متنمر ومتقلب سيضر الجميع، بما فى ذلك الولايات المتحدة، لأنه يدفع الآخرين إلى خلق فرص ومجالات وساحات بديلة، ويضعفها اقتصاديا، ويفتح الباب على مصراعيه لأصحاب النفوذ والفساد، ويجعل أمريكا غير مؤثرة فى التوجهات الاقتصادية والسياسية الدولية الجديدة.
أتفق مع كثير مما طرحه زكريا، وأشدد على أن التنمر الاقتصادى أو السياسى، مثله مثل التنمر الاجتماعى، يجعل الطرف الأقوى يتفوق فى أول الأمر على المدى القصير، إلا أن الحاجة والضرورة تدفع المتنمر عليهم إلى إيجاد سبل وخيارات أخرى على المدى المتوسط وطويل الأجل، والتوجه نحو البدائل حتى مع ارتفاع التكلفة على المدى القصير، والنتيجة ستكون أن ترامب يخلق منافسين له، ويدفع الآخرين إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة.
وأعتقد أن القرارات الأمريكية الأخيرة لا تستند إلى قواعد اقتصادية سليمة، بل يغيب عنها الدقة والصواب، لأنها شملت فرض جمارك على جزر صغيرة أحدهما غير مسكون فى الأساس، وأن أقل نسبة من الجمارك، وهى ١٠٪؜ فرضت على الجميع، بما فيهم من يقع الميزان التجارى معه فى صالح الولايات المتحدة، وإغفال صادراتها من الخدمات يتعارض مع الأسس الاقتصادية المتعارف عليها، والغرض الأساسى كان تجميع الجباية بأى أسلوب، وليس تشجيع المساواة فى ممارسات الدول داخل منظومة اقتصاد السوق، بدلًا من واختيار أفضل وأرخص المواقع الاقتصادية للتصنيع فى سلسلة التوريد، مثلما كان سابقًا.
لا يختلف أحد أنه فى ظل القرارات الحمائية الجديدة المنظومة الاقتصادية الأمريكية والدولية ستواجه تحديات على المدى القصير وقد نكون الآن فى بداية مرحلة إعادة هيكلة جوهرية، ويعتقد المجتمع الدولى عامة أن الساحة الاقتصادية ستمر بمرحلة اضطراب وتذبذب ممتدة، حتى إذا تراجع ترامب عن بعض اقتراحاته خلال مفاوضات والخطوات المتبادلة، فى حين يعتقد ترامب أن الإجراءات الجديدة ستخلق فرص عمل أمريكية، وقد يتحقق ذلك فى بعض المجالات بنسب معينة، إلا أن البطالة الأمريكية على مستويات دنيا لا تتجاوز ٣٪، ولا تشكل مشكلة حقيقية.
والخلاصة أنه ستكون للتنمر الاقتصادى تكلفة ملموسة على الاقتصاد الأمريكى، الذى انتعش عبر السنين مع ازدهار الاقتصاد العالمى، وقد يشهد قدرًا من الانكماش مع ظهور بدائل تسويقية أخرى.
ودول عديدة أخرى ستعيد توجيه اقتصاداتها وسلعها نحو أهداف أخرى، وستزداد التكلفة والضغوط والتحديات على المدى القصير مع سعيها نحو تنوع أسواقها وأهدافها، إلا أننى أرى أن هذه التحديات قد تكون لها عوائد مفيدة أيضًا على المدى المتوسط والأطول، لأن سعى الكثير من دول العالم لتأمين أسواق متعددة وبديلة للسوق الأمريكية الكبيرة سيفرض عليها تحسين الأداء والكفاءة، وسيجعلها أقل اعتمادًا على أسواق منفردة، مثل السوق الأمريكى رغم أهميته، وقد تكون لهذه التغيرات وإعادة ترتيب الأسواق مردود إيجابى على المنظومة الاقتصادية العالمية، وكذلك السياسية على المدى الطويل.

 

وزير الخارجية السابق
نقلا عن إندبندنت عربية

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات