روى الكاتب الإسرائيلى كوبى نيف فى مقال عنوانه «ما هى الصهيونية الحقيقية؟» بصحيفة هاآرتس العبرية قصة تهجير قرية النعانى، وهى قرية تقع على السهل الساحلى فى فلسطين المحتلة، تحديدًا بالقرب من كيبوتس نعان الذى أقيم عام ١٩٣٠. كانت القصة تُروى فى المدارس الإسرائيلية للطلبة أن الأرض فكت رهانها، أى تم شراؤها من العرب من قِبل اليهود، ولكن هذه الرواية مضللة، لأنه فى الواقع مع إعلان قيام الدولة اليهودية فى ١٤ مايو تمت محاصرة القرية من قِبل قوة تتبع لواء «جفعاتى»، وانتهى الحصار العنيف باستسلام أهالى القرية وتسليم بنادقهم البدائية بعد سقوط الكثير من الشهداء.
فى نفس التوقيت كان الفيلق العربى الأردنى قد استطاع أن يستعيد مستوطنة جِزِر وقضى على ٣٠ من المدافعين عنها، لذا توجه بعض أعيان كيبوتس نعان لسكان قرية النعانى وطلبوا منهم إخلاء القرية بشكل مؤقت، لأن الأرجون وليحى، وهما منظمتان مسلحتان صهيونيتان، ينوون مهاجمة القرية لينتقموا للمذبحة التى حدثت فى مستوطنة جِزِر، لذا حفاظًا على سلامة أهل القرية وجب إخلاؤهم منها لمدة أسبوعين حتى تستقر الأمور. وكانت هذه الحجة كاذبة تمامًا، حيث كانت معلومة خاطئة أرادوا بها تضليل سكان قرية النعانى ليخرجوا منها، وبالفعل خرج سكان القرية ولم ينتهِ الأسبوعان حتى يومنا هذا.
ولم يقتصر التهجير بتلك الطريقة الوحشية أولًا ثم الكذب على السكان لاحقًا على قرية النعانى فقط، بل سرد الكاتب قصص تهجير إيكريت وبيرعام، وهما قريتان تقعان فى شمال البلاد بالقرب من الحدود اللبنانية. أخبرهما الجيش الصهيونى فى أواخر ١٩٤٨ أن على الأهالى إخلاء القرية لمدة أسبوعين فقط لأسباب أمنية، فاستجاب أهل القريتين على أساس أنهم عائدون، ومرت ثلاث سنوات دون رجعة، فتوجهوا لرفع دعوى فى المحكمة العليا الإسرائيلية، التى بموجبها أصدرت حكمًا بأحقيتهم فى العودة، ورد الجيش على الحكم بإصدار أمر طرد بأثر رجعى من سنة 1948، ودمر كل بيوت قرية إيكريت وأزال ملامحها. فلم ييأس أهل القرية ورفعوا دعوى أخرى، ولكن قوبلت بالرفض، وفى عام ١٩٥٣ شن الطيران الإسرائيلى هجمات على قرية بيرعام ودمرها تمامًا.
ويقول الكاتب إنه يذكر هذه التفاصيل ليبين أن الصهيونية لم تغير أساليبها منذ قديم الأزل؛ حيث تمارس نفس الأساليب من وحشية وعنف وطرد للفلسطينيين من أرضهم وهدم بيوتهم حتى لا يبقى أى أثر لهم.
على أى حال نحن لسنا بحاجة الآن إلى استرجاع مقتطفات من التاريخ وسرد قصص هنا وهناك لنثبت شيئًا، لأن الأمر أبسط من هذا كله، فبإمكاننا متابعة القنوات الإخبارية لنشهد على نكبة ثانية.
كوبى نيف
صحيفة هاآرتس
مراجعة وتحرير: رقية محمد السيسي
النص الأصلي