بيان «مجموعة السبع».. صفقة مخزية بدلالات خطرة - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الإثنين 17 مارس 2025 10:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

بيان «مجموعة السبع».. صفقة مخزية بدلالات خطرة

نشر فى : الإثنين 17 مارس 2025 - 5:35 م | آخر تحديث : الإثنين 17 مارس 2025 - 5:36 م

 اجتمع فى مدينة شارلفوا بين الـ 12 والـ 14 من مارس الجارى وزراء خارجية «مجموعة السبع»، كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وممثل الاتحاد الأوروبى، وأصدروا بيانًا تناول الوضع فى أوكرانيا والسلام الإقليمى والاستقرار فى الشرق الأوسط، والتعاون ودعم الأمن والقدرة على الصمود فى منطقة الهند والمحيط الهادئ، والاستقرار فى هايتى وفنزويلا، ودعم السلام فى السودان والكونغو الديمقراطية، وتقوية وتشديد العقوبات والتصدى إلى الحرب الهجينة.

اختارت المجموعة هذه القضايا وفضلت التركيز عليها دون غيرها، وفقا لأولوياتها، وهذا حق أصيل شئنا أم أبينا، كما اعتدنا أن تعكس صياغات بيانات هذه الاجتماعات تفاهمات ومواءمات الحاضرين، وتنتهى فى كثير من الأحيان بما لا يرضى أصحاب القضايا مباشرة، أو لا يتسق بدقة مع التوافق المستقر دوليا، من دون أن يقدم مواقف تتعارض تماما مع مواقفها فى المحافل الدولية.

لن أستفيض فى تناول مختلف مواضيع البيان، إذ أفضل التركيز أولاً وأخيرًا على ما يتعلق بمنطقتنا لما تضمّنه هذا الجزء من دلالات بالغة الخطورة وصفقات مخزية.

يتحدث عنوان الجزء الخاص بالشرق الأوسط عن «السلام الإقليمى والاستقرار فى الشرق الأوسط»، من دون إشارة إلى القضية الفلسطينية والنزاع العربى ــ الإسرائيلى، وهو ما يعكس الإطار العام للبحث وبخاصة أن فقرات هذا الجزء حددت أن إيران هى المصدر الرئيس لعدم الاستقرار الإقليمى، من دون الإشارة إلى خطورة استمرار الاحتلال الإسرائيلى.

وجاء البيان غير متوازن، فعندما تناول النزاع الفلسطينى ــ الإسرائيلى بدأ بالإفراج عن المختطفين من دون الإشارة إلى المحتجزين الفلسطينيين، ثم يؤكد تأييد المجموعة استئناف المساعدات الإنسانية، ويعيد ويسترسل بحق إسرائيل فى الدفاع عن النفس وفقا للقانون الدولى، ولم يطالبها بالانسحاب من غزة ويدين «حماس» لأسباب مختلفة، من دون أية إشارات إلى لجوء إسرائيل لاستهداف المدنيين والمرافق الطبية وغيرها، فى مخالفة صريحة لـ «اتفاق جنيف» والقانون الدولى الإنسانى.

وأشار البيان إلى استعداد دول المجموعة للتفاعل مع الأطراف العربية حول اقتراحاتهم الخاصة بإعادة تعمير غزة وتحديد منهجية لإقامة سلام فلسطينى ــ إسرائيلى دائم، وهو تنويه إيجابى ولكنه خالٍ من تأييد حقيقى للطرح العربى أو حتى لتأكيد أن دول هذه المجموعة تسهم أو تدعم عملية إعادة البناء، وإذا كنا قد اعتدنا أن تصدر البيانات الجماعية بنصوص أضعف من بيانات الدولة منفردة، فمن غير المنطقى أن تتعارض هذه النصوص مع المواقف الأصيلة لتلك الدول، أو أن تعكس المواءمات والتوازنات صفقات صارخة ومخزية بين موضوع وآخر، على حساب مضمون القضايا والحقوق المشروعة للشعوب.

والمقصود بالتحديد هنا هو أن البيان لم يعط القضية الفلسطينية الأولوية المطلوبة، وأبرز المفاهيم والاهتمامات الإسرائيلية ومنطلقاتها على حساب الرؤية الفلسطينية، وتجنب الإشارة إلى التجاوزات الإسرائيلية مركزًا فقط على ممارسات «حماس»، وفضلاً عن كل ذلك اكتفى البيان بالإشارة إلى «التطلعات السياسية للأطراف» وإلى «أفق سياسى» للفلسطينيين، ولم يستخدم الصياغات المعتادة والتى جرى إقرارها دوليًا بالنسبة إلى حل النزاع العربى ــ الإسرائيلى ومن أهمها «حل الدولتين»، وهو نص استخدم فى كثير من البيانات الأوروبية، وشمله أيضًا قرار مجلس الأمن المقدم من الولايات المتحدة فى الـ 25 من مارس 2024، علمًا أن الصياغة الأدق والأكثر عدالة هى إقامة دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والنص المستخدم يعد تراجعًا حتى عن موقف «مجموعة السبع» لعام 2024، إذ نص على «التأييد الكامل لحل الدولتين، تعيش فيه دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، بسلام وأمن وحدود معترف بها تطبيقًا لقرارات الأمم المتحدة».

ولم يستخدم البيان تعبير «دولة فلسطينية» حتى فى الإشارة إلى الطموحات والتطلعات الفلسطينية، كما لم يشير إلى «حل الدولتين» المستخدم فى كثير من البيانات الإقليمية بما فيها الأوروبية، ولجأ إلى صياغة خبيثة فى تراجع جوهرى وخطر ألا وهو أن يكون للفلسطينيين «أفق سياسى»، وهو ما يشكل تراجعًا كاملاً عن مفهوم الحرية، وبعيدًا كل البعد من مفهوم الدولة ذات السيادة.

وسبق أن حدد مسئولون إسرائيليون منذ الاتفاق الإطارى الصادر بالتوازى مع اتفاق السلام المصرى ــ الإسرائيلى أن الأفق السياسى المقبول منهم للفلسطينيين هو «حكم ذاتى محدود»، والتباين المصرى ــ الإسرائيلى كان أن القاهرة رأت الحكم الذاتى خطوة مرحلية نحو دولة مستقلة، وتوافقت أمريكا حينذاك مع هذا الموقف، فى حين رأته إسرائيل نهاية طريق وليس خطوة أول.

ومع تطور الأمور مع «مؤتمر مدريد» و«أوسلو» والاتفاقات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، بات واضحا أن الطموحات الفلسطينية هى دولة مستقلة مع إمكان الاتفاق على ترتيبات أمنية خاصة لمنع التراشق المفاجئ عبر الحدود، وترنحت إسرائيل بين الاقتراب من الموقف الفلسطينى والابتعاد منه، وفقًا للظروف الإقليمية وتشكيلة الحكومات الإسرائيلية، إلى أن وصلنا الآن إلى المطالبة صراحة بترحيل الفلسطينيين وضم الضفة الغربية لنهر الأردن ومناطق أخرى لإقامة إسرائيل الكبرى، مع عدم إعطاء من بقى من الفلسطينيين أى حقوق سياسية، ولذا يعتبر استخدام عبارة «أفق سياسى» تراجعًا كبيرًا من مختلف أعضاء «مجموعة السبع»، بما فيهم الولايات المتحدة، ولها دلالات جد خطرة لأنه مؤشر على توجه نحو تقليص الحقوق الفلسطينية ومشروعية تطلعها للدولة مع توافر دعم ومساندة دولية ثابتة لتحقيق هذا الهدف، إذ استخدمت هذه العبارة بصورة فجة مع تأكيد البيان على حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، على رغم أن أعضاء المجموعة كافة سبق وأن انتقدوا استخدامها العنف المبالغ فيه.

ومع تحفظى الشديد على ما تضمنه البيان فى شأن الفلسطينيين فلم أفاجأ أن تطرح هذه الأفكار لأنها جزء من حملة ممنهجة لتقليص كل عناصر الدولة الفلسطينية المحتملة، الشعب بالتهجير والأرض بالضم، والخطوة القريبة المقبلة هى الضفة الغربية، مع تغيير أسس حل النزاع بعيدًا كل البعد من فكرة الدولة الفلسطينية، وما فوجئت به وأسفت له هو قبول فرنسا وغيرها هذه الصياغات، على رغم أنها إحدى الدول المتبنية للمبادرة السعودية المشكورة لعقد مؤتمر فى بداية الصيف بنيويورك لاتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية.

وليس من الإجحاف القول إن الموقف الغريب لفرنسا والآخرين جاء فى سياق صفقة رسمية أو ضمنية مع الولايات المتحدة على حساب الفلسطينيين، بغية تأمين صياغات قوية مدعومة فى بيان «مجموعة السبع» حول أوكرانيا، وهو موقف يتطلب تقويمه سريعا بإعلان هذه الدول، وبخاصة فرنسا، اعترافها الصريح بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.

نقلا عن إندبندنت عربية

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات