نتائج وتداعيات اعتداء إسرائيل على إيران - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الخميس 19 يونيو 2025 10:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

نتائج وتداعيات اعتداء إسرائيل على إيران

نشر فى : الأربعاء 18 يونيو 2025 - 8:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 يونيو 2025 - 8:35 م

جاء الاعتداء الإسرائيلى على إيران فى سياق هدف رئيس وزراء إسرائيل المعلن وعزمه تغيير طبيعة الشرق الاوسط، باستخدام أو التهديد بالعنف عبر المنطقة بأكملها، والنتائج العسكرية والأمنية والسياسية والأحداث الجارية غير مكتملة وتحتاج إلى تقييم دقيق فى نهايتها.
وتتلخص أهم الأهداف الإسرائيلية المعلنة والمتصورة من تصرفاتها الأخيرة فى إيران، فى القضاء على البرنامج النووى، وتحجيم القدرات العسكرية الإيرانية، مع تأكيد قدرات إسرائيل العسكرية والسياسية المتفوقة والمتميزة فى المنطقة، وتثبيت حقها السياسى فى استخدام القوة بشكل استباقى تحت ذريعة الدفاع عن النفس، مع إعادة هيبة أجهزة المخابرات الإسرائيلية إقليميا ودوليا، وتغيير النظام الإيرانى وبث الانشقاقات داخله، هل يستخلص من تطور الأحداث حتى الآن نجاح إسرائيل فى تحقيق أهدافها؟
نجحت البرمجة الإعلامية الإسرائيلية فى الأيام الأولى بدرجة كبيرة فى إبراز قدرات إسرائيل الاستخبارية والعسكرية، بسرعة الإعلان عن قتل الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية، واستهداف مواقع إيرانية مهمة، مع التحكم فى المعلومات الصادرة عن الخسائر الإنسانية والمادية الإسرائيلية.
وقتلت إسرائيل أكثر من عشرين شخصية إيرانية قيادية مهمة سياسيا وعسكريا ومن المتخصصين فى المجال النووى، واستهدفت أكثر من مائة موقع استراتيجى، بينها مراكز تحكم عسكرية ونووية ومولدات طاقة ومعسكرات، فى ظل إمكانيات عسكرية عالية ومتفوقة ودعم أمنى غربى، ونجحت بالتأثير على القدرات الإيرانية عامة دون تحمل خسائر عسكرية كبيرة أثناء العمليات داخل الحدود الإيرانية، ومع هذا واصلت إيران القصف الصاروخى داخل إسرائيل وحققت بعض الخسائر التى جعلت سكان إسرائيل يشعرون أنهم فى حرب حقيقية، وعليه لم تحسم الامور.
وليس من الواضح حتى الآن مدى تأثر البرنامج النووى الإيرانى بالعدوان الإسرائيلى، وطبيعة الخسائر فى مرفقى نطنز وفوردو، لأن القضاء على البرنامج النووى الإيرانى يتطلب حجب المواد النووية المطلوبة لتغذية التسليح النووى، وتدمير الأجهزة اللازمة لصناعة تلك الأسلحة، والقضاء على المعرفة الإيرانية الضرورية لتحويل المواد إلى أسلحة نووية، وكلها أمور لا يوجد دليل مادى على حدوثها، لذا فلم يتحقق هذا الهدف الاسرائيلى حتى الآن.
وكان ملفتا أن إيران استطاعت إعادة تشكيل هيئاتها سريعا، والاستمرار فى إطلاق المئات من الصواريخ ضد إسرائيل، رغم خضوعها لنظام العقوبات الغربية منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو مؤشر أن إسرائيل حملت إيران خسائر جمة، إنما لم تقض على القدرات العسكرية الإيرانية غير النووية كلية حتى الآن.
واستباحت إسرائيل لنفسها مرة أخرى خرق كل قواعد القانون الدولى العام والإنسانى، باستخدام القوة من جانب واحد وبشكل استباقى، مخالفة للفقرة ٤ من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، والتى لا تجيز استخدام القوة بهذه الصورة، فضلا عن استهدافها مرافق نووية دولية فى مخالفة فادحة للمادة ٥٦ من البروتوكول الإضافى لاتفاقية جنيف، التى تحظر استهداف المرافق النووية، علما أن أغلب الدول الغربية أطراف فيها، ومع هذا يعلنون تأييدهم لحق اسرائيل فى الدفاع عن النفس، مما يخل ويضعف من مصداقية كل القوانين الدولية.
ولعل أكبر النجاحات الإسرائيلية هى إعادة قدر كبير من الهيبة لمنظومة ومؤسسات المخابرات العسكرية الإسرائيلية، مع توغلها الشديد فى إيران وإتاحة معلومات بالغة الدقة والأهمية، مما ترك انطباعات واسعة على المستويين الدولى والإقليمى، وذلك بعد قتل إسماعيل هنية وهو بين جدران الإقامة وسط الحرس الثورى، وهو دليل واضح بوجود نقاط ضعف عديدة فى المكون السياسى والمؤسسى الإيرانى، علما أننا شهدنا أيضا توغلا مخابراتيا إيرانيا فى إسرائيل إنما على مستويات أقل.
سكوت المدافع
من الطبيعى والمنطقى إجراء الأنظمة والمجتمعات مراجعة للأوضاع، بعد تقدير حجم ونوعية الخسائر وتداعياتها بعمق، خاصة وأنه بات واضحا أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن فى تغيير النظام الإيرانى، وهو أحد الأهداف التى أبرزها رئيس الوزراء نتنياهو.
ولم تتضح بعد التوجهات القادمة فى سياسات إيران نحو المزيد من المرونة بعد تكبد خسائر كبيرة، أو على النقيض من ذلك نحو التشدد، تحت ضغط الذين يرون أن الأزمة الحالية سببها التراخى والأخطاء من التيارات الإيرانية المعتدلة الداعية إلى الانفتاح والتفاوض مع الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فقد تقرر العودة إلى المشاورات المكثفة مع وكالة الطاقة الذرية والمفاوضات مع الولايات المتحدة، أو تتجه نحو التصعيد بتجميد تنفيذ إجراءات التفتيش الخاصة بالبروتوكول الإضافى للضمانات الدولية وتعليق عضويتها فى معاهدة عدم الانتشار النووى، ومجموعة من الخيارات الأخرى.
ويتوقع أن تشمل المراجعة السياسية والعسكرية إسرائيل أيضا، بل وأن تمتد إلى دول وساحات أخرى، بعد انتهاء الجميع من مراجعة الأحداث ونتائجها وتصرفات الجانبين الإيرانى والإسرائيلى، وردود الفعل الضعيفة والمتباينة من المجتمع الدولى، والاحتياط من المفاجآت والتوترات أصبح حاجة ملحة فى ضوء عسكرة الأحداث وانكماش الدبلوماسية.
أتابع كل هذه الأحداث وأتذكر المبادرات المصرية الواعية منذ عام ١٩٧٤ لجعل الشرق الاوسط خاليا من الأسلحة النووية بالتعاون مع ايران، وفى أوائل التسعينيات منفردة لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية، مبادرات كانت تجنبنا التوترات الحالية فى المنطقة وما يرتبط بها من مخاطر نووية، جهود تعثرت إزاء رفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى أو دخول المبادرات المصرية إلى حيز النفاذ، فضلا عن ميوعة وازدواجية سياسات ومعايير الدول المودع لديها المعاهدة، وهى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وبريطانيا، ورفضها التعامل الجاد مع البرنامج النووى الإسرائيلى.
هناك الآن مخاطر أمنية وإنسانية حقيقية مترتبة على الأحداث الأخيرة، وتداعيات اقتصادية على الملاحة الجوية والبحرية تمس كافة دول المنطقة وتتجاوزها، وعلى المجتمع الدولى سرعة التحرك، ومطالبة الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن بالاجتماع وهو الجهاز المنوط به حفظ الأمن والسلم الدوليين وإجراء اتصالات دبلوماسية مشتركة وعاجلة ومكثفة بهدف:
١) وقف فورى لإطلاق النار بين اسرائيل وإيران، والتشديد على ضرورة حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية.
٢) تقوم الدول الخمس بتوفير الرقابة عن بعد لوقف إطلاق النار وتقديم تقارير إلى مجلس الأمن بأى خرق لوقف إطلاق النار.
٣) الاستئناف الفورى للمفاوضات النووية الأمريكية الايرانية، بغية معالجة المحاذير والقلق المرتبط بالبرنامج النووى الإيرانى، وتوفير الشفافية اللازمة بخصوصه، مع احترام حق إيران المشروع فى الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
٤) تأكيد مواقف المجلس السابقة بضرورة تجنب الحروب النووية، والالتزام بالمواثيق الدولية باستخدام القوة او عدم استهداف المرافق النووية.
٥) دعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار ببدء استضافة مفاوضات قبل الدورة القادمة للجمعية العامة فى الخريف لإخلاء الشرق الأوسط دون استثناء من الأسلحة النووية كافة، كخطوة بناء ثقة نحو السلام الإقليمى فى الشرق الأوسط، وإنشاء مؤسسة أمن إقليمى فى الشرق الاوسط مع حل النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى.

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات