لطالما اقتضت العقيدة الأمنية الإسرائيلية أن على الدولة خوض حروب قصيرة، بقدر الإمكان، ونقل القتال إلى ساحة العدو بأسرع وقت ممكن. أمّا فى حرب «السيوف الحديدية»، فقد تم التخلى عن هذه العقيدة العسكرية. فالحرب الراهنة ليست فقط حربا مستمرة إلى الأبد، لكنها تدور على أراضينا. واستمرارها يكبّد الدولة الإسرائيلية أثمانا باهظة فى صفوف المقاتلين والضباط. فجميع الأبحاث المختصة بعلم النفس العسكرى تعترف بأن المقاتل يفقد جزءا كبيرا من نسبة يقظته ووضوح أفكاره، بعد 45 يوما على وجوده تحت الضغط القتالى المتواصل. وبناءً عليه، فإن ذنب نتنياهو هنا أكبر كثيرا من مسئوليته المباشرة عمّا حدث فى السابع من أكتوبر.
يترتب على استمرار الحرب أيضا آثار خطرة فى القدرة المدنية الإسرائيلية على الصمود. إن شنّ حرب على الجبهة الشمالية، وحرب مباشرة فى مواجهة إيران، سيضعان مواطنى ومواطنات إسرائيل فى ظل تهديد مباشر وفورى بأحجام لم يسبق أن عاشها الشعب الإسرائيلى حتى اليوم. وحده فقط وقف إطلاق النار المستمر بإمكان تحقيق إعادة الإعمار المادى وإعادة التأهيل النفسى المطلوبين.
المفترض بالقائد، إذا كان يتمتع بالمسئولية، أن يوقف الحرب فى أول فرصة، ليعيد بناء الجيش الإسرائيلى، تحضيرا لتحديات المستقبل. قد تشكل أشهر معدودة من الهدوء فارقا هائلاً بين أن يكون لدينا جيش مؤهل، وأن يكون لدينا جيش منهك وغير مؤهل. لكن هذا الحديث يُشعر السيد الذى أهمل أمن إسرائيل بالملل.
تتوفر طريقة آمنة ومسئولة لوقف الحرب: التوصل إلى صفقة تضمن تحرير الرهائن. هذه الصفقة مطروحة على الطاولة، ويمكن تحقيقها فى فترة زمنية قصيرة نسبيا. أمّا خيار السيد الذى فرّط بأمن إسرائيل، المتمثل فى تأجيل الصفقة والتسبب بالتصعيد، فهو بمثابة شهادة لا تقبل التشكيك على مستوى الخطر الذى يمثله على أمن إسرائيل، والمصلحة النظامية والقومية.
هذا ما تحتاج إليه إسرائيل هنا، والآن: صفقة تبادُل، ووقف لإطلاق النار فى الشمال والجنوب، وعودة من هجروا شمالا إلى منازلهم، وإعادة تأهيل مدنية وعسكرية. إلى جانب أمر آخر صغير، يجب أن يتم الحسم داخل إسرائيل، سياسيا، هناك حاجة إلى إجراء انتخابات فى أقرب فرصة، وانتخاب قيادة مسئولة تتمتع بثقة الشعب. لدينا شعب رائع، وقيادة فظيعة. لقد آن الأوان لاستبدال القيادة، وهذا قد يحدث غدا صباحا، إذا كنا عازمين بما يكفى على التخلص من حُكم السيد الذى يفرّط بأمن إسرائيل.
• • •
على الرغم من التفاؤل الحذر الذى أعربت عنه أطراف معينة، مع انتهاء القمة فى الدوحة، وحديث ديوان رئاسة الحكومة عن «تفاؤل حذِر» يسود طاقم المفاوضات الإسرائيلى، عمليا، يبدو أن هناك عقبات كبيرة، قبل التوصل إلى صفقة تؤدى إلى تحرير الرهائن.
من المسائل الخلافية المركزية المتبقية، مطالبة نتنياهو بمنع عودة المسلحين إلى شمال القطاع ضمن إطار وقف إطلاق النار الذى ستتضمنه الصفقة. وهذه المطالبة لم تكن موجودة مطلقا فى المخطط المقدم فى مايو الماضى، لكنها طُرحت، لاحقا، فى «وثيقة التوضحيات» التى أُرسلت فى نهاية يوليو الماضى. قال مصدر إسرائيلى مطّلع على المفاوضات إن الأمريكيين أوضحوا لنتنياهو والوسطاء فى غرفة المفاوضات أنه لن يكون هناك قيود فى الوقت، أو أى آلية، أو نظام محدد فى عملية تصنيف السكان العائدين إلى منازلهم فى شمال القطاع.
ويقول مصدران إسرائيليان إن رئيس الحكومة وافق على تأجيل معالجة هذا الموضوع إلى نهاية المفاوضات. وهذا التأجيل يسمح له، طبعا، باستخدام عودة الفلسطينيين والفلسطينيات إلى الشمال من أجل تفجير الصفقة، أو للإقرار بأن الإنجازات الأُخرى تبرر الموافقة عليها.
والمعلوم أن كلمة «آلية» لم تكن موجودة فى الرد الذى قدمه رئيس الموساد إلى الوسطاء فى نهاية يوليو الماضى. لقد أوضح الوسطاء لنتنياهو أن «حماس» لن توافق قط على أى آلية لفحص السكان العائدين إلى منازلهم فى الشمال، وقال مسئولو المنظومة الأمنية لنتيناهو أنه إذا انسحب الجيش من معبر نتساريم فى وسط القطاع، لن يكون هناك طريقة لتطبيق هذه الآلية.
تشدد المنظومة الأمنية على أن الإنجاز المركزى لإسرائيل هو احتمال العودة إلى الحرب، بعد المرحلة الأولى من استعادة الرهائن، ومنع تدهور إقليمى خطِر. ويأمل الجانب الأمريكى بأن تؤدى الصفقة بين إسرائيل و«حماس» إلى لجم هجوم إيران وحزب الله اللذين توعدا بالانتقام لاغتيال إسماعيل هنية فى طهران وفؤاد شُكر فى بيروت، ولمّحا مؤخرا إلى تأجيلهما الرد خلال المفاوضات.
الطرف الأمريكى قرر، وبدعم من الوسطاء الآخرين، القيام بالحملة التى قاموا بها فى 27 مايو الماضى، والتمسك بالصيغة التى أرسلتها إسرائيل، والتى كشفها الرئيس بايدن ووافق عليها مجلس الأمن القومى، وفى هذه الأثناء، تجاهل الملاحظات ومطالب «حماس» وطلبات نتنياهو. والتوجه هو إقامة 4 طواقم عمل تعالج الموضوعات المشتعلة، من دون أى التزامات فى هذه المرحلة.
الطاقم الأول سيهتم بمعبر فيلادلفيا، ويشارك فيه إسرائيليون ومصريون. الطاقم الثانى سيعالج معبر رفح، ويشارك فيه مصريون وحماس وفتح (السلطة الفلسطينية). والثالث سيعالج المساعدات الإنسانية، والرابع سيعالج المفاوضات. ومن المفترض أن يجتمع الفريق كله فى القاهرة يوم الخميس المقبل، أو فى نهاية الأسبوع المقبل فى أبعد تقدير، للاتفاق على عمل كل الطواقم على أمل التوصل إلى اتفاق.
أمس، قال مصدر إسرائيلى: «إن الوسطاء يريدون فعلاً التوصل إلى اتفاق، وهم يوظفون جهودا كبيرة، لكنهم فى النهاية وسطاء يُجرون مفاوضات مع بعضهم البعض، وبينهم وبين الطاقم الإسرائيلى». وتابع المصدر الإسرائيلى الرفيع المستوى: «لقد قصدت ذِكر الطاقم الإسرائيلى لأن ما يجرى مفاوضات لا تأخذ فى الحسبان مطالب الشخصين الأكثر أهميةً، وربما الوحيدَين المهمَّين فعلاً، وهما يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو. لم يتم حلّ أى مسألة جوهرية فى الدوحة، وفرص حلّها فى القاهرة ليست أكبر كثيرا من فرص التوصل إلى سلام عالمى.
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية