تقسيم ليبيا سبيلها الوحيد للبقاء - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقسيم ليبيا سبيلها الوحيد للبقاء

نشر فى : الإثنين 19 سبتمبر 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 19 سبتمبر 2016 - 9:50 م

نشرة مؤسسة The Brookings مقالا للكاتبة ــ فيديريكا سينى فاسانوتى ــ تتحدث فيه عن الأوضاع فى ليبيا والانقسامات الواضحة بين أفراد الشعب الليبى التى تدمر البلاد. تعود الكاتبة فى تحليلها إلى التاريخ الليبى منذ الاستعمار الايطالى الذى اعتمد فى سيطرته على البلاد ــ رغم صعوبة تضاريسها وتقاليد شعبها ــ على الفرقة التى كانت ومازالت نقطة ضعف ليبيا الدولة. وتؤكد أنه لا التدخل الخارجى ولا داعش ولا أية حجة من المطروحة الآن هى سبب ما وصلت إليه ليبيا الآن، ولكن السبب وراء تلك الحرب هى الانقسام العميق بين الشعب الليبى الذى يرجع لقديم الزمان.

تبدأ فاسانوتى مقالها بأن التاريخ يعيد نفسه، هذا ما يُقال غالبا. ليس الصراع – ذلك الذى ولد من رحم الانقسامات الداخلية وأحيانا القبلية وتغذى منها ــ الذى تواجهه ليبيا المعاصرة إلا التكرار الأحدث لنمط طويل الأجل. وفقا لما اكتشفه الإيطاليون خلال فترة استعمارهم لليبيا، ولما اكتشفته داعش حين احتلت مدينة سرت، ولما اكتشفه المجتمع الدولى أخيرا بأشكال متنوعة، ليبيا هى دولة مقسمة تقسيما عميقا. سيظل الليبيون العدو الأسوأ لأنفسهم، من دون أى مقاربة حقيقية لذلك الواقع – بما فى ذلك ربما إرساء نموذج كونفيدرالى خاص بليبيا.

***
تقول الكاتبة إن الانقسامات القبلية فى ليبيا شكلت منذ القدم حقيقة واقعة للإيطاليين الذين احتلوا هذه الدولة الواقعة فى شمال أفريقيا منذ العام 1912 بعد أن انتزعوها من تركيا، وحتى العام 1943، حين خسروها لصالح البريطانيين. هذا وقد استخدمت إيطاليا أيضا تلك الانقسامات لصالحها منذ أوائل العام 1928، حين هزمت قبائل المغاربة المتمردة وآخرين ــ ممن قاتلوا الجيش الملكى الإيطالى، وقاتلوا كذلك وقبل كل شىء بعضهم بعضا. احتل الإيطاليون ممر سرت، وهو خط فاصل مثالى، واستولوا على واحات الجفرة، وزله، وأوجله، وجالو، المعزولة فى صحراء برقة على بعد 150 ميلا عن البحر الأبيض المتوسط. بعد فترة قصيرة، تشكلت مجموعات متنقلة من آلاف الجنود الإيطاليين، من إقليمى طرابلس وبرقة ضمن حركة مزدوجة (تكتيك الكماشة) مستهدفين المتمردين فى ممر سرت، والذى سقط أيضا.

سمحت هذه التطورات بتوحيد المستعمرتين، طرابلس وبرقة، تحت قيادة المشير بيترو بادوليو. وشكل ذلك تحولا كبيرا: حتى تلك النقطة، ضمت ليبيا حكومتين سياسيتين وقيادتين عسكريتين وإدارتين مختلفتين.

تضيف فاسانوتى أن الإيطاليين واجهوا مجموعة هائلة من الخصوم، وأحسنوا صنعا فى التشجيع على استخدام الفرق المتوفرة جميعها أرضا وجوا، لينزعوا السلاح فورا وبشكلٍ كامل من السكان ويحولوا حكومة ليبيا من حكومة عسكرية إلى حكومة سياسية فى نهاية المطاف.

ثمة درس مهم فى التاريخ هنا لليبيين والقوى الأجنبية التى تسعى لبسط نفوذها هناك: حين حاول الإيطاليون توحيد المنطقتين المنقسمتين أصلا بعمق، واجهوا عدوا مندفعا جدا يضم مقاتلين أشداء وخبراء جيدين فى التضاريس ويحظون بدعم الشعب. وكان ذلك العدو يملك جميع متطلبات الفوز إلا أنه افتقر إلى أمر واحد: الوحدة.

***
انتقلت الكاتبة للتحدث عن الأوضاع بعد مرور فترة طويلة على مغادرة الإيطاليين ليبيا وحصول الأخيرة على استقلالها، حيث بقيت مدينة سرت منطقة استراتيجية فى البلاد. فقد كانت مسقط رأس الزعيم الليبى معمر القذافى الذى حكم البلاد لفترة طويلة وهى مكان نشأة الاتحاد الأفريقى فى العام 1999. وحتى يومنا هذا، لا تزال سرت خط الاتصال الأساسى بين المنطقتين الرئيسيتين فى ليبيا.

منذ عام، استولت داعش على هذه المدينة. ومذاك، قاتلت ميليشيات متنوعة – أتى نحو 70 بالمائة منها من مصراتة والبقية من مختلف أنحاء ليبيا. كانت المعركة أكثر من مجرد معركة – فقد قرر الليبيون فى شوارع سرت إنشاء تحالفات ستحدد مصير بلادهم. باتت الميليشيات المتعادية تاريخا حليفة الآن والعكس صحيح، فى حين خسرت داعش الأرض وانسحبت إلى الكثبان الصحراوية، لتضع استراتيجيات أكثر مرونة.

إن الليبيين يكسبون المعركة، وليس الحرب. فى ليبيا اليوم، لا تشكل داعش التهديد الرئيسى، ولم تكن كذلك يوما من الأيام. لكن المشكلة الحقيقية فى ليبيا حسب ما تراه فاسانوتى هم الليبيون أنفسهم المشحونون بانقسامات داخلية، تماما كما كانوا قبل قرنٍ من الزمان. يميل الكثيرون إلى اعتبار الوجود الأجنبى – حتى وإن كان حاسما لتحقيق النصر، كما هى الحال الآن – تهديدا أكثر من كونه حليفا حقيقيا. طلب رئيس الوزراء فايز السراج والعميد محمد الغصرى (قائد عملية البنيان المرصوص) رسميا مشاركة الغرب فى الحرب ضد داعش. إلا أن ذلك الوجود، الذى كان حاسما جدا من الناحية العسكرية، يمكن أن تكون نتائجه عكسية على الصعيد السياسى.

من اللافت فى الحقيقة أن ألد أعداء الفريق خليفة حفتر (رجل طبرق القوى، المدعوم من الروس والفرنسيين) والصادق الغريانى (مفتى ليبيا الذى يعيش فى طرابلس) – قد اتفقا على إدانة التدخل الأمريكى، لا بل وكذلك على ضعف فايز السراج. والسراج مشكلة أخرى، فقد تم اختياره لكونه معتدلا، إلا أن اعتداله بدا على الأرجح سبب إخفاقه فى وقتٍ كان بإمكان الكاريزما السياسية أن تُحدِث فرقا. وليزيد الطين بلة، أعلن المبعوث الخاص لبعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا مارتن كوبلر، الأسبوع الماضى أن الدعم الذى تحظى به حكومة الوفاق الوطنى «ينهار» وسط تزايد مشاكل الطاقة والانهيار السريع للعملة الليبية.

***

أما الموضوع الساخن الآخر الذى تناولته فاسانوتى، فهو كما جرت العادة، انخراط العقيد حفتر وجيشه الوطنى فى حكومة الوفاق الوطنى. ولكن حاليا – وبفضل الدعم الأجنبى الخطير والغامض، بما فى ذلك بشكل خاص الدعم الروسى – لا يبدو الفريق حفتر راغبا فى منح حكومة الوفاق الوطنى أى شىء. بعد عامين من الحرب الأهلية، لا تزال الأمور على حالها، وهو عارض واضح لمرضٍ أخطر بكثير: صراع وطنى متجذر فى الصراعات المحلية ذات الجذور التاريخية. لا شك أن عيوب القذافى كانت كثيرة، إلا أن عيوب الليبيين كثيرة أيضا. اليوم، يتشارك الليبيون والقبائل التى سكنت البلاد منذ قرنٍ مضى فى أمورا كثيرا، علما بأن كلا الطرفين يعيشان صراعا دائما للسيطرة على المراعى والأراضى. فى النهاية، تبقى النتيجة واحدة: يقاتل الليبيون بعضهم بعضا على الصعيد المحلى والإقليمى والوطنى. اليوم، تماما كما كانت الحال فى العام 1928، يبدو أن الأطراف غير مستعدة لوضع مصالحهم الفردية الخاصة جانبا والالتفات إلى مصلحة الأمة العليا.

وتختتم الكاتبة المقال بأنه فى عشرينيات القرن الماضى، انتصر الإيطاليون فى ليبيا لأن تحركاتهم العسكرية والسياسية كانت صحيحة. صحيح، إلا أنهم انتصروا على الليبيين قبل كل شىء بسبب انقساماتهم. «فرق تسد»، هذا ما قاله الرومان القدماء – وما فعله الجيش الملكى الإيطالى بشكلٍ صحيح، ويُعزى ذلك جزئيا إلى أن الليبيين كانوا أصلا قد قسموا أنفسهم. مر قرنٌ على ذلك. غادر الإيطاليون البلاد، وقُتل القذافى، ويبدو أن المصير ذاته ينتظر داعش. ولكن مرة جديدة، يبدو أن ليبيا تواجه دائما العدو الحقيقى ذاته: ليبيا. سيبقى الليبيون العدو الأسوأ لأنفسهم – إلا إذا تمكنوا، بالشراكة مع المجتمع الدولى، من التوصل إلى نموذج سياسى يستفيد من تنوعهم بدلا من أن يحاول إلغاء هذا التنوع.

التعليقات