تمتع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بالتفاف شعبى، لم يشهده منذ سنوات طويلة، حول قراره بشن حرب فى مواجهة إيران لتحييد تهديداتها النووية والصاروخية، وفقا لرؤية حكومته، وهو ما توضحه استطلاعات الرأى العام أثناء الحرب التى استمرت 12 يوما، ولكن نفس الاستطلاعات تبين أن فرص نتنياهو فى قيادة ائتلاف حكومى جديد حال إجراء انتخابات مُبكرة تبدو ضئيلة.
ويعكس هذا التضارب حقيقة أن الجمهور الإسرائيلى أيّد الحرب ضد إيران بمعزل عن موقفه شبه الثابت من نتنياهو منذ عودته إلى الحكم فى مطلع يناير 2023. وينطبق الأمر على موقف المعارضة الإسرائيلية التى أيّدت نتنياهو فى حربه مع إيران؛ لكنها لا تزال تطالبه بإنهاء الحرب على قطاع غزة، واستعادة الرهائن، والدعوة إلى انتخابات مُبكرة.
على الجانب الآخر، ومن داخل معسكر اليمين الذى يقوده نتنياهو، ثمة تهديد من جانب شركائه فى الائتلاف بإسقاط الحكومة الحالية على خلفية عدة قضايا، على رأسها مسألة تجنيد أبناء الطائفة الحريدية، وموقف أحزاب الصهيونية الدينية من استمرار حرب غزة. ووسط كل هذا التضارب فى مواقف الرأى العام الإسرائيلى، والخلافات الحادة بين مكونات الائتلاف الحاكم؛ يبدو السؤال عن مصير الائتلاف الحاكم فى إسرائيل أمرا منطقيا.
• • •
تُظهر استطلاعات الرأى العام فى إسرائيل أثناء الحرب مع إيران وبعد انتهائها، أن نتائج الحرب (وقف إطلاق النار فى اليوم الثانى عشر) لم تحقق توقعات الجمهور؛ وهو ما سيؤثر حتما فى الشعبية المؤقتة التى حظى بها نتنياهو وحكومته أثناء هذه الحرب.
فى استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى فى 18 يونيو 2025؛ أى بعد خمسة أيام من بدء عملية «الأسد الصاعد» ضد إيران؛ ارتفعت نسبة الثقة فى الحكومة الحالية إلى 30% مقارنةً بـ21% قبل بدء الحرب. وفيما يتعلق بتحقيق هدف الحرب، وهو القضاء على الخطر النووى الإيرانى؛ كان 61% يعتقدون أنه بالإضافة إلى إزالة التهديد النووى، يجب على إسرائيل العمل على إسقاط النظام الإيرانى، فيما اعتقد 47% أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة لإنهاء المعركة مع إيران. وأخيرا، أعرب 9% فقط عن اعتقادهم بأن التهديد النووى الإيرانى سيزول بالكامل خلال هذه العملية.
وقد أظهر استطلاع أجرته صحيفة «معاريف» فى 27 يونيو، أن 49% من المشاركين يرون أن إسرائيل «لم تحقق نصرا» فى الحرب مع إيران؛ لكنها فى الوقت ذاته «أحرزت إنجازات مهمة». فى حين قال 30% منهم إنها «حققت نصرا واضحا»، وقال 16% إنها «حققت إنجازات جزئية»، ولم يتمكن 5% من تقييم نتيجة الحرب.
• • •
يُمثل عجز المعارضة الإسرائيلية عن تحدى سياسة نتنياهو وائتلافه الحاكم، أحد أبرز العناصر التى حمت نتنياهو من السقوط، بالرغم من الأزمات العنيفة التى تعرض لها، ويمكن تلخيص أبرز مظاهر هذا العجز فى النقاط التالية:
1- خلال أزمة التعديلات القضائية، التى بدأت فور تسلم نتنياهو السلطة فى يناير 2023، ركّزت أحزاب المعارضة (بقيادة حزبى معسكر الدولة، ويوجد مستقبل) على إثارة الشارع ضده، ونجحت فى البداية فى ذلك. وبدلا من استغلال هذا الزخم لإجبار نتنياهو على إلغاء الخطة، قبلت المعارضة بتعليقها فقط، ثم انسحبت فى شهر يونيو من نفس العام من المفاوضات التى عُقدت من أجل التوصل إلى حل مقبول من كل الأطراف؛ لينتهى الأمر بتمكن الائتلاف من المُضى قدما فى تنفيذ خطته بعد أن أصاب الشارع الإسرائيلى الإحباط من موقف المعارضة الضعيف.
2- بعد الهجوم الذى تعرضت له إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023، قبل حزب «معسكر الدولة»، بزعامة جانتس، المشاركة فى حكومة الطوارئ التى شكلها نتنياهو لإدارة الحرب المتعددة الجبهات، والتى ترتبت على هذا الهجوم. فيما رفض لابيد، زعيم حزب «يوجد مستقبل»، المشاركة فى هذه الحكومة، ودعا إلى إقالة نتنياهو وإجراء انتخابات مُبكرة. وتسبب الخلاف بين لابيد وغانتس حول الموقف من حكومة الطوارئ، فى تشتت المعارضة وفشلها سواء فى التأثير فى قرارات إدارة الحرب عبر غانتس، أم الضغط من أجل الإطاحة بنتنياهو كما كان يريد لابيد.
3- تحت وقع الانتصارات الجزئية التى حققها نتنياهو فى الحرب مع حزب الله اللبنانى، ومؤخرا نجاحه بالتعاون مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى ضرب المشروع النووى الإيرانى؛ تزايدت حالة الارتباك فى صفوف المعارضة الإسرائيلية، ليس لصالح نتنياهو، بل لصالح رئيس الحكومة الأسبق، بينت، المنتمى لمعسكر الصهيونية الدينية. وفى حال فوز بينت فى الانتخابات المقبلة، والتى يمكن أن تُجرى مُبكرا حال سقوط ائتلاف نتنياهو بشكل مفاجئ، سيكون الخاسر الأكبر هو أحزاب المعارضة قبل نتنياهو نفسه، ومن السابق لأوانه الحكم على مدى قدرة بينت على حشد معسكر اليمين حوله، والحلول محل نتنياهو فى قيادته.
• • •
فى إطار الرغبة المشتركة لمعارضى نتنياهو والشارع الإسرائيلى فى إغلاق ملف نتائج الحرب مع إيران، عادت القضايا الخلافية التى سبقت هذه الحرب إلى الواجهة من جديد سواء من جانب أحزاب المعارضة أم من جانب شركاء نتنياهو فى الائتلاف، كالتالى:
- صرّح زعيما المعارضة، لابيد وجانتس، بأن نهاية الحرب مع إيران لا بد أن يعقبها اتخاذ قرار شجاع بإنهاء الحرب فى غزة، واسترداد الرهائن لدى حماس؛ لأن الأخيرة باتت عاجزة عمليا عن تشكيل خطر أمنى على إسرائيل لسنوات قادمة، من وجهة نظرهما. ويبدو أن هذا الطرح يستهدف خلق أزمة لنتنياهو داخل الائتلاف الحكومى، أكثر من كونه يأتى عن اقتناع من جانب لابيد وجانتس بأن الخروج من الحرب قبل تحقيق أهدافها سيكون فى مصلحة الأمن الإسرائيلى.
- على الرغم من التقارير الإسرائيلية التى تشير إلى انفتاح نتنياهو على مناقشة قضية إنهاء الحرب على غزة، للمرة الأولى؛ فإن نتنياهو أعلن أمام اجتماع الكابينت الأمنى فى 29 يونيو، أن النصر على إيران، حسب تقديره، أتاح فرصا عدة أمام إسرائيل، من بينها استعادة الرهائن من غزة، لكن بيانا صدر عن مكتبه لاحقا أوضح أن ذلك لا يعنى الموافقة على إنهاء الحرب هناك قبل تحقيق أهدافها كاملة، وعلى رأسها هزيمة حماس، ونزع سلاحها.
- بالرغم من أن الأحزاب الحريدية المشاركة فى الائتلاف (شاس، ويهودات هتوراه) لا تتشارك مع أحزاب الصهيونية الدينية فى الموقف الداعى إلى الاستمرار فى الحرب ضد حماس؛ فإن هذه الأحزاب تمثل تهديدا لبقاء الائتلاف الحكومى، مثلها مثل أحزاب الصهيونية الدينية، ولكن لسبب مختلف، حيث ترفض الأحزاب الحريدية إصدار قانون من الكنيست لفرض التجنيد الإجبارى على أبناء هذه الطائفة، ويهدد حزبا «شاس» و«يهودات هتوراه» بالانسحاب من الائتلاف الحالى حال صدور مثل هذا القانون.
• • •
على الرغم من الإنجازات التى حققتها إسرائيل بقيادة نتنياهو، وبالتعاون مع ترامب، بضربها المفاعلات النووية ومنشآت تصنيع الصواريخ البالستية فى إيران؛ فإن حالة عدم اليقين تجاه النجاح الكامل فى إزالة التهديد الإيرانى من جانب، واستمرار رفض المجتمع الإسرائيلى لعودة نتنياهو إلى الحكم فى أى انتخابات مقبلة وفق استطلاعات الرأى من الجانب الآخر؛ تؤكدان حقيقة أن مصير ائتلاف نتنياهو لن تحدده إنجازاته ضد حزب الله اللبنانى وإيران، كما لن يحدده اشتداد ضغوط المعارضة ضده؛ بل سيحدده شركاؤه من أحزاب الصهيونية الدينية والحريدية.
وتبدو الأحزاب الحريدية هى الأكثر تهديدا للائتلاف الحكومى الحالى؛ إذ إن نتنياهو يتفق مع أحزاب الصهيونية الدينية على ضرورة استمرار حرب غزة حتى هزيمة حماس، ويستطيع نتنياهو، اعتمادا على تأييد معظم الإسرائيليين لإزالة تهديد حماس بشكل نهائى ولأسبابه الشخصية، أن يواصل هذه الحرب بما يضمن بقاء أحزاب الصهيونية الدينية فى الائتلاف وحمايته من السقوط، وذلك على خلاف الأحزاب الحريدية التى تهدد بالانسحاب من الائتلاف إذا صدر قانون من الكنيست يُلزم أبناء الطائفة بالخدمة العسكرية الإلزامية، ومن المُقرر طرح هذا القانون فى الكنيست خلال الفترة القصيرة القادمة. وإذا لم يتمكن نتنياهو من إقناع شركائه فى الائتلاف من أحزاب الصهيونية الدينية بالتصويت ضد مشروع القرار، فإن انسحاب الحريديم من الائتلاف وإسقاطه سيغدو أمرا مؤكدا.
سعيد عكاشة
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى: