نحــن هنــا أمــام فيلــم مغلــق. تــدور الأحداث الرئيســية فى أماكــن ضيقــة للغايـة يتحـرك الممثلون فيهـا، يـدور الفيلـم حـول طبيعـة الخيانـة الزوجيـة حـيث يــردد الــزوج الــذى خانتــه امرأتــه مــن أجــل رجــل آخــر «يوجد شــخص يحــمى امـرأة خائنـة فمثلـما خانـت مـن أجلـه، سـتخونه مـن أجـل رجـل جديـد».
ويبــدأ الفيلــم بمشهد غامــض يحتــاج إلى معرفــة التفاصيــل، ونحــن نعــرف الموضوع مسبقًا إذ ينتقـل المشهد هنا بـ حسين وزوجتـه، التـى تـكاد تغادر البيـت وتشـعر بالملل، والمكان هـذا يمارس فيـه الـزوج العائـد مـن السـفر القصـير فى الخليـج بـدون رصيـد يذكـر، وفيه أيضـا، قـد يرضـخ لزوجتـه كى يدبـر لهـا النقـود.
أمـا المكان الثانى فهـو المكتب الـذى يسـكن فيـه مدحـت. وفى نهايـة الفيلـم، يظهـر مكان ارتكاب الجريمة، العوامـة التـى يلتقـى فيهـا الثالـوث، إنهـا الحكايـة المتكـررة بـ الـزوج والزوجـة والعشـيق؛ العشـيق هنـا هـو مدحـت الــذى كســب حياتــه بالعديــد مــن الأساليب المتعددة، أبرزهــا امتلاكه الوســامة أما حسين كان هـو المتفـوق دراسيا دائمًا، وهـو زميـل للـزوج فى المدرسـة قديم سـاعده فى الامتحانات مـا يعنـى أننـا أمـام شـخص فاشل بلا أى ضمـير يراجعـه، وهـو كـ«ياجـو» فى عطيـل يغيظـه نجـاح صديقـه بـل إن قيامـه باللعـب على عواطـف المرأة فى حيـاة صديقـه القديـم، نـوع مـن الانتقام، يؤجلـه الرجـل، إلى مـا بعـد سـنوات، لتصبـح الجـروح القدميـة فى طـى النسـيان. الآن، بعـد أن صـارت، أختـه ناهـد، شـابة ناضجـة جذابة، وجميلة، وزوجة مسـتعدة تماما، ومدحـت يتأهب للخيانـة. فـكل ذلـك لم يـأت عمـدًا.
يتذكـر الزمـن القديـم حين كان يقـع عليـه الكثير مـن عقـاب المدرسـة، ولذلـك، فـإن الخيانـة المزدوجة هنـا عمـل متعمـد، ولم يـأتِ بشـكل عفـوى، فالزوجـة لم تكـن تنــوى الخيانــة، إلا بعــد أن ظهــر مدحــت بمغرياتــه، فصــارت قيمــة زوجهــا تنهــار أمامهـا، وهـى تتأهـب للحيـاة مـع عشـيقها، بعـد أن تركـت زوجهـا، واعترفـت لـه بـأن رجـلا آخـر يعرفه، دخـل حياتهـا. والغريب أن الوساوس، لم تنتاب الزوج، وترك امرأته تبوح له، بأسرارها، ثم راح الاثنان ولا يزال التحقيق مستمرا، الاثنان يخططـان للقتـل فيما يسـمى بالقتل القذر، الـذى جاء فى مرحلـة تالية، للقيـام بالخيانة.
الفيلـم مأخـوذ، عـن قصـة نشرهـا إحسـان عبـد القـدوس، فى جريـدة الأهـرام باتسـاع صفحـة واحـدة وهـى مسـتوحاة مـن قضيـة اجتماعية شـغلت الـرأى العـام فترة طويلـة. كان أبطالهـا مـن أبنـاء الطبقـة الراقيـة، وظلـت الملابسات مجهولـة تمامًا، وكان عـلى المؤلـف أن يكتبهـا بـكل تفاصيلهـا، وقـد كتـب السـيناريو مصطفـى محـرم، الـذى لمع اسـمه فيـما بعـد أيضـا مـن خـلال فيلـم «الباطنيـة» كان موجـودًا دائمًا فى أفـلام أشرف فهمـى وكتـب الحـوار هنـا تلميـذه بشـير الديـك، وذلـك ضمـن تعـاون تكـرر فى كثـير مـن الأفلاـم.
يعنــى هــذا أن الحوار هــو المحرك الرئيسـى فى الفيلــم وهــو أشــبه بأفلام «هتشـكوك» فى سينما الأربعينيات وينتقـل الأشخاص بين هـذه الأماكن الثلاثـة، فالصديـق القديـم حسين ـ، قـد امتلـك لنفسـه فقـط، أغلـب مـا لـدى صديقـه وزميلـه القديـم؛ إذ امتلـك عواطـف الشـقيقة التـى تجسـدها ليلى حـمادة، وفى الوقت نفسـه، امتلـك جسـد الزوجـة التـى تسـلل إليهـا ببـطء واسـتفاد مـن الخلافات الحـادة بالزوج، فأغـرى الزوجـة بما يمتلكه.
ومـن هنـا، امتلـك المرأة والفتـاة، وعليـه، فـإن مدحـت هنـا، الشخص الذى يتلاعب بالمشاعر ويمتلك النســاء فى الفيلم، وبالنســبة لشــخصية الزوجــة، فإنهــا الشــخصية التــى جســدتها نبيلــة عبيــد فى فيلــم «المرأة الأخرى» للمخــرج نفسـه فالخيانـة فى الفيلم- المـرأة تتلـذذ بالخيانـة وتجهـر بهـا، وتبـدو أقـوى مـن الـزوج الـذى يخضع لأوامر زوجتـه، ولكـن الأمر هنـا ينتهـى بتدبير الـزوج خطـة، للتخلـص مـن العاشقين، بالطريقـة التفصيليـة، التـى وصفهـا السـيناريو. الزوجـة هـى زينـب وهـى امرأة لا تشـبع تدفـع زوجهـا للعمـل مـع حسين ـ، أمـا الأخت ميرفت فرغـم أنهـا مهندسـة ديكـور متفوقـة فهـى ضـد تغيب المبادئ مثـل أخيها وضـد ادعـاء التغييرـ قـد يبـدو حسين رجعيـا: «عشـان أكسـب فلـوس ســوف أخالف مبادئى» والمرأة تســخر مــن كلام زوجهــا وتعطيــه أمثلــة للناجحين مـن حوله، الذيـن يجلبـون أموالً بسـهولة، مـن الـدروس الخصوصيـة، والرشـاوى. طفت تلك الحــوارات الجديــدة على ســطح المجتمع، ابتــداء من سـنوات الانفتاح ولم تتوقـف نتائجهـا حتـى الآن فـ«ياجـو»، حـاول الاستيلاء علـى الجانـب السـلبى، فى حيـاة صديقـه حتـى الآن، والفيلـم الــذى بـدأ فى تلـك الفئة هـو واحـد مـن الأفلام المنتقدة على الصعيد الاجتماعى كشـفت عـن انهيـار القيـم وانقلاب المفاهيم الطيبـة. مثلما رأينــا فى «انتبهــوا أيهــا الســادة» فقــد صــور العلاقــة بـين الثراء والفقــر ويبــدو الفيلــم كأنــه تبكيــت أو مواســاة للمواطنين الــذى تعلمــوا المعانى الجميلة قبـل زمـن الانفتاح؛ فالضائقـة المادية بـ زينـب وحسين جعلـت الخيانـة، بابا مفتوحــا لحيــاة أفضل وســهلت الانتقال مــن الفقــر إلى الـثراء ومــن ألــف باب، وسادت حياتنا مصطلحـات جديـدة مثـل: الحقـد، والخيانـة، وسماع ألفاظ الطبقـية.
كل هـذا حـول الـزوج الشريف، والمدرس المخلص، والتلميـذ المتفوق فى صبـاه، صـار الآن مـع سـنوات الانفتاح قاتـل، يدبـر خطـة متقنـة للقتـل، حتـى وإن ظـل التحقيـق لفـة طويلـة، لكـن «سرينة» سـيارة الشرطة التـى جـاءت إلى العوامـة، كانـت فى منزلـة الإنذار الحقيقـى.