من المستحيل ألّا تكون «معاديًا للسامية» - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من المستحيل ألّا تكون «معاديًا للسامية»

نشر فى : الخميس 23 مايو 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 23 مايو 2024 - 7:00 م

لقد كان «هجوم» السابع من أكتوبر قاسيًا ومروعًا، ومن حق إسرائيل ملاحقة منفّذيه ومَن أرسلهم، لكن.. هذا ما كان عليه الوضع دائمًا، ومع ذلك، حتى فى ظل هذا الوضع المريع، هناك بعض الحزن. فالتاريخ بصورة عامة، وتاريخ النزاع الدموى الإسرائيلى - الفلسطينى بصورة خاصة، لم يبدأ، ولم ينتهِ فى أكتوبر 2023. وفى ضوء المشاهد والأصوات التى تتصاعد الآن من غزة، ومن إسرائيل، والتى يتم إسكاتها وإخفاؤها عندنا، لا يمكن لأى شخص عاقل فى العالم ألا يكوّن رأيًا يعتبره السياسيون ووسائل الإعلام فى إسرائيل «معاديًا للسامية».

وفيما يلى ملخص قصير للأحداث السابقة: أُقيمت دولة إسرائيل فى سنة 1948 على خراب «النكبة»، وبعد طرد أغلبية السكان الفلسطينيين من هذا البلد، الذين بلغ عددهم نحو 700 ألف، وتدمير قراهم وبلداتهم تدميرًا كاملًا، ومحوها عن وجه الأرض، لقد تمّ تدمير 600 قرية مع منازلها، تقريبًا، ولم يبقَ منها أثر يُذكر، وجرى الاستيلاء على أملاك وأراضى «الغائبين» من الفلسطينيين وتوطين يهود قدِموا إلى هنا من كل أصقاع الأرض فى الأراضى المحتلة.

بعد مرور 19 عامًا، وفى سنة 1967، وخلال حرب نشبت بين إسرائيل والدولتَين المجاورتَين مصر والأردن، والتى لم يبادر إليها الفلسطينيون، ولم يشاركوا فيها، احتلت إسرائيل الضفة الغربية من الأردن (والتى تسمى اليوم «يهودا والسامرة»)، ومن مصر قطاع غزة. وبهذه الطريقة، استكملت إسرائيل احتلال «أرض إسرائيل الكاملة» الانتدابية، والاستيلاء عليها كلها.

ومنذ ذلك الوقت، حتى اليوم، وخلال 60 عامًا، يخضع السكان الفلسطينيون فى هذه الأراضى المحتلة لحكم عسكرى وحصار إسرائيلى، مجردين من حقوقهم الإنسانية. علاوة على ذلك، خلال هذه السنوات، وطّنت إسرائيل مئات الآلاف من مواطنيها فى هذه المناطق المحتلة، منتهكةً القانون الدولى، من خلال نهب أراضى الفلسطينيين، وبنيّة واضحة، وحتى معلنة، لمنع أى إمكانية تسوية تسمح للفلسطينيين بالعيش حياة طبيعية، بقدر الممكن.

طبعًا، يجب الإشارة إلى أنه منذ بداية مجيء اليهود الصهيونيين من أوروبا إلى هنا، من أجل إقامة «الوطن القومى»، أى دولة اليهود، مكان الفلسطينيين، وعلى حسابهم، ظهرت بين سكان البلد [الفلسطينيون] حركة معارضة شملت عمليات «إرهابية» ضد اليهود الذين استوطنوا هنا على أراضيهم، وهذه العمليات لم تتوقف منذ ذلك الحين، حتى اليوم. لكن يجب أن يكون واضحًا أن اليهود لهم دور أيضًا فى الإرهاب والمذابح، وفى تنظيمات العصابات السرية والهاغانا وإيتسيل، و«ليحى»، قبل قيام الدولة، كذلك الجيش النظامى الجديد الذى بنته الدولة، والذى ارتكب مذبحة قرية قبيا الأردنية الفلسطينية [فى سنة 1953، عندما قتل جنود إسرائيليون، بقيادة أريئيل شارون، 69 شخصًا من سكان القرية، وهدموا 45 منزلًا ومدرسة واحدة ومسجدًا].

«المذبحة» التى نفّذتها «حماس» فى 7 أكتوبر هى جزء من هذا التسلسل التاريخى القاسى والمؤلم.

ردًا على ذلك، شنّت إسرائيل حربًا انتقامية دموية لا تزال مستمرة منذ أكثر من 7 أشهر، ولا تبدو نهايتها فى الأفق، ليس فقط ضد زعماء «حماس» ومنفّذى «المذبحة»، بل ضد كل سكان قطاع غزة من الفلسطينيين، الذين يبلغ عددهم مليونين وربع المليون من أحفاد المهجرين من النكبة. دمرت إسرائيل فى هذه الحرب أغلبية منازل القطاع، وحولت نحو مليونَى نسمة من السكان إلى أشخاص مُعدمين لا يملكون شيئًا، وقتلت كثيرين، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وترفض أى اقتراح بشأن وقف الحرب، قبل تحقيق «النصر المطلق» الذى لا تستطيع تحديده، هى نفسها، وطبعًا، تؤجل أى اقتراح حلّ متفق عليه يمنح الفلسطينيين المساواة والحياة الحرة، إلى ما لا نهاية، مثلما دأبت خلال سنوات عديدة.

فى مواجهة هذا السلوك المدمر لدولة إسرائيل، وليس سلوك نتنياهو وبن غفير، بل دولة إسرائيل، لا غرابة فى أن تظهر فى العالم حركة معارضة قوية للسياسة الإسرائيلية. وهذا ليس عداءً للسامية، وليس عداءً لليهود. إنها حركة معارضة لأفعال دولة إسرائيل، وكل مَن يدعم أفعالها من اليهود ومن غير اليهود. إن الحركة المعارضة لنا، اليوم، هى ضد ما نقوم به من أفعال.

والأهم من كل هذا أن الذين يقارنون الحركة التى تعارض السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين بـ«العداء للسامية» يأتون فى الأساس من أوساط اليهود المتدينين القوميين، من المستوطنين الشباب، وهم الذين يفرضون على التحركات المعارِضة لأفعال إسرائيل رداء اليهودية، ويحولونها إلى تحرّك «معادٍ للسامية»، هم أنفسهم يمنعون دخول المساعدات الإنسانية، خصوصًا أكياس الطحين التى يمزقونها ويفرغونها على الأرض، والمرسلة إلى اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا الأولاد.

ونشاهد فى الفيديوهات مجموعة من شابات وشبان التلال [شبان التلال هم مستوطنون يدافعون عن البؤر الاستيطانية غير القانونية] من المتدينين - القوميين الذين تدل ملابسهم ومظهرهم على يهوديتهم العميقة، يهاجمون الشاحنات، ويرمون أكياس الطحين المرسلة إلى اللاجئين الجوعى فى غزة على الأرض، وهم يرقصون ويغنون ابتهاجًا.

لا يمكن لإنسان عاقل أن يرى هذه المشاهد ويسمع هذه الأصوات ألّا يصبح «معاديًا للسامية».

كوفى ميخائيل

هآارتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات