المَعرَض - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 4:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المَعرَض

نشر فى : الجمعة 24 يناير 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يناير 2025 - 8:50 م

 يأتي مَعرضُ الكتاب كما جرت العادة كل عام؛ ليحتضن عددًا كبيرًا من الناشرين المحليين والدوليين، يكتظُّ بالزوَّار ويمتلئ بأحداثِ فنيَّة وثقافيَّة؛ حلقات مُصغَّرة من الحضور، لقاءات صحفية مُتفاوتة، حواراتٌ مُوسَّعة يشارك فيها جمهورٌ غَفير، ومادةٌ خبريَّة غزيرة؛ قد لا تتوفر في غيره مِن الفعاليات. ينتظر القُّراءُ الفرصَة لزيارة أجنحة عديدة يضمها مكان واحد، وإمتاع النَّظر بالكتب المُتراصَّة؛ والحقُّ أن المَعرضَ ينبغي وأن يكون بطبيعته جامعًا شاملًا؛ لا ينبذ فريقًا أو يطرد آخر؛ فإن غُيبَت بعضُ دور النشر عن براحه، كان الأمر مؤسفًا، يصعُب التغاضي عنه أو إهماله،.

* • •

ينظر قسمٌ من الناس إلى المَعرَض كسبيل ترفيه لا يَستلزم قدرةً هائلة على الإنفاق؛ فالحافلات تقِلُّ الراغبين إليه من مناطق عدَّة بعدما بات موقعه نائيًا عن الأغلبية العظمى، العودةُ على المنوال ذاته، أما التذكرة فلم يزَل سعرها في الإمكان وإن تحوَّلت أثمان الكتب بذاتها إلى مأساة، وبدلًا من أن يخرجَ الزائر مُحملًا بحقائب تحوي بضعةَ أعمالٍ كما كانت عليه الحال؛ صار خروجه وفي يده كتابٍ أو اثنان على أقصى تقدير؛ بمنزلة انتصار مَشهود.

* • •

المَعرَضُ اسمُ مكان من الفعل عَرَض، الفاعلُ عارضٌ والمَفعول به مَعروض؛ وما أكثر المَعروضات تنوعًا في مُجتمَع استهلاكيّ بالدرجة الأولى. تعتمد السُّوق على قانون العَرض والطلب، والعَرْضٌ بتسكين الراء مصدر. كلُّ ما ازداد عليه الطلبُ من بضائع وشحَّ المَعروضُ منه؛ زاد ثمنُه وصار صَعبَ المنال، وكلُّ ما توفَّر وانتشر وغَطى إقبالَ الناسِ عليه؛ تواضع ثمنُه وبات في المُتناوَل.

* • •

اعتدت زيارة "ديارنا" في أرض المعارض القديمة على مدار أعوام. اتسم المشاركون في المَعرض حينذاك بالبساطة على مُختلَف الأصعدة؛ بساطة المُنتَج ووسائل العَرض، بساطة التعامُل مع الزبائن والتعاطي مع الفراغات المتاحة، بساطة الهيئة والكلام الذي يخرج عفويًا لا تتخلله ألفاظ مُتعالية ولا تقتحمُه دون سبب مفرداتٌ أجنبية، حتى المَقهى الصَّغير الذي أقيم داخل أروقة المكان كي يُوفر لزواره بعضَ المَشروبات والمَخبوزات؛ قد ظهَر بسيطًا وأليفًا، واتَّصفت أسعاره بالتواضُع. تبدَّل هذا كله وتحوَّل إلى مَوقف من التكلُّف والمُبالغة.

تغيَّرت نوعية كثير المَعروضات وخرجت من دائرة الأعمال الفطريَّة القريبة إلى القلب؛ لتحمل شيئًا من الاصطناع والتزيُّد، ولم يسلم العنوانُ ذاته من تبديل. لم تعد بي رغبة مُتجددة لمُعاودته؛ فمرة واحدة قد تركَت للنَّفس ضيقًا بالحاضِر وحنينًا إلى ما كان.

* • •

كثيرةٌ هي مَعارضُ الأُسَر المُنتِجة التي تُفسِح مجالًا لأصحاب الأعمالِ الصَّغيرة، مَحدودي الموارد والإمكانات؛ يرتادها قِسمٌ وَفيرٌ من الناس ويَرون فيها مصدرَا مناسبًا لدخولهم واحتياجاتهم. على جانب مقابل؛ تُفسِح مَعارضُ التسويقِ العقاريّ مواقعَها للكبار، غزيري الثروات ورؤوس الأموال، ترتادها أيضًا نسبةٌ من الناس وترى فيها فرصةً سانحة لتمَلُّك وحدةً أو أكثر؛ حسبما تتوفَّر السّيولة وتتطلب قواعد الاستثمار. على كل حال؛ تنتقي المعارض زبائنها، وتختار من يمكنه الوفاء بمتطلباتها.

* • •

لم أقصد من قبل مَعرَض الأورمان الخاصّ بالزهور؛ وإن انعقدت نيَّتي على الذهاب إليه مرارًا. أجدد لنفسي الوَعدَ ثم يحدث ما يؤجله؛ رغم أن كثيرَ المعارف يُداومون على الزيارة السنويَّة. يُفضل مُعظمُهم أن يقتني نبتةً مُزهرةً بدلًا من عديمة الزَّهر، ومُتعدّدة الألوان بدلًا مِن ذات اللون الواحد، المُبهجة التي تُدخِل على المكان حَيوية وألقًا؛ وإن ذبلت بعد فترة قَصيرة. للزهور مَواسم ومَعارِض ومهرجانات في شتّى أنحاء العالم، يرتادها المُغرَمون ويبحثون عما عشقوا بين أرجائها. عن نفسي أحبُّ الصَّبار، وأجد في قوة تحمُّله لعوامل الجَوّ الصَّعبة راحةً وسلامًا. لا يَحتاج الصَّبار عنايةً خاصة على عكس نبتاتٍ أخرى؛ إذ يرضى بقليل الماء ويبقى تحت الشَّمس الحارقة دون أن يذويَ ويجفَّ، ولا ينفكّ يُعاند الصَّقيعَ ويهزمُه بشرفٍ وإباء، كما أن بعضه مُزهِرٌ وإن على فترات مُتباعدة.  

* • •

خلال عقود سابقة؛ مضى الباعة الصينيون -وأكثرهم نساء- يطرقون أبوابَ البيوت ويُروجون بضائعَهم بغير كلل. انتشرت المعارضُ الصِينية في كلّ مكان، واكتظَّت بالملابس واللوازم المنزلية والأحذية، وغيرها من مُنتجات تمتَّعت برخصِ الأسعار والجَّودة المتوسطة التي تجد إقبالًا وترحيبًا. مرَّت السُّنون وتراجع وجود هؤلاء الباعة الجائلين واندثرت المعارض وتغيرت حالُ القائمين عليها؛ فمن شظف وتقشُّف إلى تملُّك واستحواز، ومِن إلحاح وإصرارٍ إلى ترفُّع وتسامي. تحقَّق الغرضُ وصعد الكادحون إلى طبقاتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ مُختلفة، وبقي الزبائنُ مَحلهم

* • •

المعارض التي نشأنا نسمع بها أو نطرقها كثيرة؛ منها معارض السلع المعمرة التي مثلت مصدرًا مهمًا لانتقاء الأجهزة المنزلية، ومعارض الأثاث التي تقدم منتجات أصحاب الورش المحلية من المحافظات المختلفة وعلى رأسها دمياط؛ أما عن المعارض المُستحدَثة، وتلك التي كانت مَوجودة على استحياء ثم صار حضورها فجًّا فاضحًا؛ فمنها ما يوفر الأدوات المدرسية وقد باتت في حكم الجواهر والمصاغ، وما يعرض المُستعمَل من الملابس القادم في بالات؛ فيعوّض ارتفاع أسعارِ الجَّديد وتحوُّله إلى سِلعة من الكماليات لا الضرورات.

* • •

إذا عصي المرءُ أمرَ من يرأسه أو يعلوه مرتبةً؛ قيل: ضَرَب بكلامِه عرضَ الحائط، وإذا اختلف اثنان وأراد أحدهما أن يغيظَ آخر قال له: وريني عَرض قفاك. القفا جزءٌ من الجِّسم يُستخدم غالبُ الأحوال في توجيه الإهانة لفظًا وفعلًا؛ فإن ضُرِبَ المرءُ على قفاه؛ بات مَوضع سُخرية واستهزاء، وإن قيل: رَجع وقفاه يقمر عيش، كان القصد أنه فشل في الحصول على مبتغاه.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات