كلنا يعلم بأن الكنيست الإسرائيلي تحوّل منذ فترة طويلة، إلى بالوعة مجاري نتنة، بل إلى بيت أهوال، نسي كثيرون من الموجودين فيه أنهم وُضعوا هناك بالذات لخدمة الشعب، لا لنشر مقولات تحريضية، وترويج أنفسهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بيْد أننا، حتى لو تقبّلنا هذه المعايير المتدنية، فسنجد أن المداولات التي دارت يوم الإثنين الماضي على طاولة لجنة الأمن القومي البرلمانية، لا تستوفي حتى تلك المعايير. أنا لا أتذكر مثل هذا التدني في النقاش، على مرّ التاريخ، ومجرد إجراء النقاشات بهذا المستوى، يُعتبر وصمة عار أخلاقية لن تُمحى عن جبين المسئولين عنها، أعضاء الكنيست التابعين لحزب "قوة يهودية".
ظاهرياً، تناول النقاش مشروع قانون الإعدام لمقاومي حماس، والذي قدّمته عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ، من حزب "قوة يهودية". وظاهرياً أيضاً، ولأن الائتلاف الحكومي أعلن أنه لن يدفع قدماً بهذا المشروع القانوني الآن، ولأن جميع الأجهزة الأمنية أوضحت أن الانشغال الزائد الذي لا ضرورة له بالذات في هذه المرحلة، يعرّض حياة المخطوفين للخطر، فإن المداولات نفسها لم يكن المقصود بها مناقشة أمور جوهرية، بل هدفها تقديم مسرحية سياسية، استضاف فيها رئيس اللجنة، تسفيكا فوغل، أعضاء كتلته البرلمانية، ليتيح لهم الاستمتاع بأضواء الإعلام، وإثارة حماسة ناخبيهم، من خلال التهديدات الفارغة.
في الماضي، كان الأمر سيُعتبر مثيراً للشفقة، لكن حين يصبح في إمكان مثل هذا السيرك الشعبوي أن يؤدي إلى سفك دم المواطنين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، فإن الأمر يتحول إلى جريمة بشعة. لقد توسل أبناء عائلات المخطوفين أعضاء الكنيست، قبل هذه المداولات العقيمة، وخلالها، عدم إجراء النقاش في هذه الأوقات بالذات، لكن كمَن يطلب من مدمن مخدرات التخلي عن حفنة من الكوكايين حصل عليها كهدية. "لا تفعلوا هذا، والسيف مصلت على أعناق أحبائنا"، توسّل إليهم غيل ديكمان، دامعاً، الذي اختُطفت ابنة عمّه من كيبوتس بئيري. "نرجوكم أن تكونوا إلى جانبنا، وجانب الحياة، لا إلى جانب الموت. أتوسل إليكم أن تزيلوا هذا الأمر من جدول الأعمال، إن كانت لديكم قلوب، إن كنتم أصلاً قادرين على رؤيتنا".
قام الرجل بتوصيف أعضاء كتلة "قوة يهودية" بدقة، لكن تصويره كان انعكاسياً كالمرآة: هؤلاء لا يرون سوى أنفسهم، وبلا قلوب، وهم يزدهرون في ظل تهديد الموت، لا في ظروف شهوة الحياة. وبناءً عليه، فهؤلاء لم يكتفوا بعدم شطب المقترح من جدول الأعمال فحسب، بل لم يعترِهم خجل في إهانة أقارب المخطوفين، هؤلاء الذين فارق النوم جفونهم نتيجة البكاء، العالقين في جهنّم منذ 45 يوماً.
قام إيتمار بن غفير بإسكاتهم مراراً وتكراراً، لكي يتمكن من تمجيد نفسه، أما عضو الكنيست سون هار ميلخ، فقد وبّخت ديكمان، وقالت له إنه وقح وديماغوجي، بينما صرخ عضو الكنيست ألموغ كوهين: "لقد قَتَلَنا العرب، حين كنتم أنتم تحيون حفلاً موسيقياً للسلام"، و"لا تنخدعوا بصغار الساسة الذين يخدعونكم" (لا، لم يكن يتحدث عن نفسه). كان من الصعب مشاهدة الأمر من دون أن يتساءل المرء هل بقي في أجساد هؤلاء الساسة، ولو شرارة صغيرة من الروح الإنسانية، أو أنهم مجرد قشور فارغة على هيئة بشر. والصحيح أنهم لم ينجحوا في قوننة عقوبة الإعدام، لكنني خرجت في نهاية النقاش، وأنا نفسي أرغب في الموت.
إن مشهد التمتع بالتنكيل بهؤلاء المواطنين المكسوري القلوب، الذين فُرض عليهم أن يروا وجوه أعضاء كنيست منغلقين ومتغطرسين، كان نموذجاً ضئيلاً مما مرّ علينا طوال العام الماضي، حين انشغل الائتلاف الحكومي بمسرحيات فارغة، وتوزيع الإهانات على الجميع، في ظل تجاهُلهم العدائي لتحذيرات الخبراء، وتخلّيهم حتى عن الظهور بمظهر الاهتمام بمصالح المواطنين، أو معالجة المشاكل الحقيقية.
مرّ عام كامل على السلوك غير الشرعي لهؤلاء الساسة، والذي يعرّض مواطني إسرائيل للخطر، لكن الصدفة المحضة هي التي جعلت العلاقة بين الأمور شديدة الوضوح والإلحاح. ليكن الله شاهدي، لم أفلح في إيقاف دموعي في أثناء المداولة: لقد بكيت على العائلات التي تم الدوس عليها، لكنني بكيت علينا نحن أيضاً، نحن الذين ائتمننا هؤلاء الساسة البائسين على مصائرنا، فجلبوا المصائب على رؤوسنا.
يوعناة جونين
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية