من الراديو إلى الروبوت.. رحلة صمود قطاع الإعلان - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 27 يونيو 2025 4:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

من الراديو إلى الروبوت.. رحلة صمود قطاع الإعلان

نشر فى : الخميس 26 يونيو 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الخميس 26 يونيو 2025 - 8:50 م

نشرت جريدة «The Economist» مقالا اشترك فى إعداده كاتبو الجريدة، يوضحوا فيه أن قطاع الإعلانات يشكل نموذجًا استباقيًا لبقية القطاعات فى كيفية التفاعل مع ثورة الذكاء الاصطناعى. فهو يقدّم نافذة مبكرة على التأثير العميق الذى سيتركه الذكاء الاصطناعى على مستقبل العمل والإبداع، ليس فى مجال التسويق فقط، بل فى الاقتصاد العالمى ككل.. نعرض من المقال ما يلى:

حين يشبّه صناع الدعاية والإعلان أنفسهم بالصراصير، فإنهم لا يفعلون ذلك تهكّمًا، بل للتأكيد على قدرتهم اللافتة على البقاء والتأقلم وسط تحولاتٍ غير عادية. فقد نجح كُتّاب الإعلانات فى التكيّف مع ظهور الراديو فى عشرينيات القرن الماضى، ثم انخرط الفنانون فى عالم التلفزيون خلال الخمسينيات، وتمكنت وكالات الإعلان من الحفاظ على حضورها مع انتقال الإعلانات إلى الفضاء الرقمى مطلع القرن الحادى والعشرين. واليوم، يواجه هذا القطاع تحديًا جديدًا يتمثل فى الذكاء الاصطناعى، وقد اجتمع العاملون فيه الأسبوع الماضى على الريفييرا الفرنسية، ضمن مهرجانهم السنوى، لمواجهة هذه الطفرة التكنولوجية واستيعابها.

تُشكّل ثورة الذكاء الاصطناعى اختبارًا صعبًا على قطاع الإعلان، ويُعدّ هذا القطاع من أكثر القطاعات تأثرًا بالذكاء الاصطناعى حتى الآن. من هذا المنطلق، يقدّم قطاع الإعلانات لمحةً عن المستقبل يمكن أن تستفيد منها باقى المجالات، عبر ثلاثة دروس محورية.

الدرس الأول، هو أن الفجوة بين العمال البشريين ومنافسيهم من روبوتات الدردشة أضيق مما يظن معظم الناس. غالبًا ما يُنظر إلى العمل الإبداعى على أنه محصن ضد الأتمتة، إذ تظل أفضل الإعلانات هى الغريبة والرائعة للدرجة التى يصعب على أى آلة تخيلها.

ومع ذلك، فى مهرجان كان، الأسبوع الماضى، استعرضت منصات «تيك توك» و«ميتا» و«جوجل».. وغيرها من المنصات الإعلانية ميزات مدعومة بالذكاء الاصطناعى، قادرة على إنشاء فيديوهات جيدة أو إعادة صياغة نصوص الإعلانات بنقرة زر. أضف إلى ذلك تصريح سام ألتمان، الرئيس التنفيذى لشركة OpenAI، بأن الذكاء الاصطناعى سيتولى يومًا ما 95% من مهام التسويق، هذا يعنى أن الـ 5% المتبقية تخص المحتوى الإبداعى البشرى.

الدرس الثانى، هو أن الشركات الكبرى هى الرابح الأول. وهذا يتناقض مع الاعتقاد السائد بأن الذكاء الاصطناعى سيُسهّل استخدام المهارات والذكاء للجميع. صحيحٌ أن الأدوات الجديدة من ميتا وشركائها ستُمكّن ملايين الشركات الصغيرة من إنتاج إعلانات فيديو بجودة لم تكن فى متناولها سابقًا، وترجمة النصوص إلى عدة لغات. لكن الحقيقة هى أن الشركات العملاقة هى من تجنى الأرباح الطائلة. للتوضيح، أربع شركات تقنية كانت تستحوذ على ثلث سوق الإعلانات العالمى قبل خمس سنوات، أصبحت الآن تستحوذ على نصفه. إضافة إلى تزايد استثمارات الشركات الأمريكية فى مجال الذكاء الاصطناعى بوتيرة أسرع من غيرها. لا عجب فى ذلك: فالذكاء الاصطناعى يتطلب قوة حاسوبية ومجموعات بيانات ضخمة، وكلاهما مكلف. وبدلا من إتاحة الوصول إلى الذكاء الاصطناعى للجميع، سيسمح للأثرياء - فقط - باكتنازه.

الدرس الثالث والأخير، انتشار الذكاء الاصطناعى ستكون له عواقب غير متوقعة على مجال الإعلان. بدأ بعض المعلنين بتحويل جزء من ميزانياتهم من الإعلانات التلفزيونية إلى لوحات إعلانية خارجية. لماذا؟ لأن الذكاء الاصطناعى أصبح قادرًا على تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد ما إذا كان من شاهد الإعلان قد أقدم بالفعل على شراء المنتج أم لا، مما يتيح قياس فعالية الحملة بدقة بدلا من الاعتماد على الحدس أو التخمين. ومن بين الرابحين غير المتوقعين فى هذا التحول: العلاقات العامة التقليدية. فمع تزايد اعتماد المستهلكين على روبوتات الدردشة بدلا من محركات البحث، أصبحت العلامات التجارية بحاجة إلى التأثير على الجهات التى تحظى بثقة هذه النماذج، وعلى رأسها وسائل الإعلام والمقالات الصحفية. فى هذا السياق ، يسعى المسوقين، اليوم، ببناء علاقات قوية مع مصادر موثوقة، أي التركيز على النفوذ الرقمي بدلا من الاعتماد على التقنيات (تحسين محركات البحث).

خلاصة القول، يُعتبر عالم الإعلانات حالةً استثنائيةً من نواحٍ عديدة مهمة. فطبيعة الإنفاق فيه دورية وسريعة التغير، ما جعله مهيأ أكثر من غيره لاحتضان الطفرة التى أطلقها الذكاء الاصطناعى فى الأعوام الأخيرة. كما أن الشركات التكنولوجية الكبرى، التى تهيمن على سوق الإعلانات، كانت من أوائل من طوّر واختبر أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعى من خلال هذا القطاع. معلومة أخيرة، لا تمتلك أغلب قطاعات الأعمال الأخرى القدرة على التكيّف والبقاء كما يفعل قطاع الإعلانات. ومع ذلك، فعلى بقية قطاعات الأعمال أن تفتح أعينها على ما يحدث. إن التحوّل الذى يعيشه قطاع الإعلانات اليوم ليس إلا مؤشّرًا أوليًا لما ينتظر عالم الأعمال بأسره.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى:

التعليقات