الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الاستشارات.. و«أكسنتشر» في قلب العاصفة - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 4 يوليه 2025 9:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الاستشارات.. و«أكسنتشر» في قلب العاصفة

نشر فى : الإثنين 30 يونيو 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 30 يونيو 2025 - 6:55 م

نشرت صحيفة The Economist مقالًا أعده فريق من كتابها، تناول التحولات التكنولوجية العاصفة التى يشهدها العالم، تفرض موجة الذكاء الاصطناعى التوليدى تحديات غير مسبوقة على مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع الاستشارات الإدارية والتقنية. لطالما كانت شركة «أكسنتشر» (Accenture) نموذجًا يُحتذى به فى مساعدة المؤسسات على التكيّف مع موجات التغيير، بداية من الإنترنت مرورًا بالحوسبة السحابية وحتى الرقمنة الشاملة. لكنها اليوم تجد نفسها فى موضع العميل، لا المستشار، إذ تواجه تساؤلًا مصيريًا: هل ما زال العالم بحاجة إلى خدماتها فى عصر يمكن فيه للذكاء الاصطناعى أن يحل محلها؟

 


يرصد هذا المقال التراجع الأخير فى أداء أكسنتشر، ويحلل الأسباب العميقة الكامنة وراءه، ويستعرض كيف غيّر الذكاء الاصطناعى قواعد اللعبة فى عالم كانت تسيطر عليه شركات الاستشارات التقليدية.. نعرض من المقال ما يلى:
لطالما كانت شركات الاستشارات مثل «أكسنتشر» لاعبًا أساسيًا فى عالم الأعمال، تساعد الشركات على مواكبة التغيرات التكنولوجية والتحولات السوقية. ومع ذلك، فإن ظهور الذكاء الاصطناعى التوليدى يطرح سؤالًا وجوديًا: هل لا تزال هناك حاجة إلى هذه الشركات، أم أن دورها يوشك أن يصبح من الماضي؟
من يستفيد من الاستشارات؟
الاستشارات مفيدة لأطراف عدة:
• المستشارون أنفسهم، الذين يكسبون من تقديم الخدمات.
• الرؤساء التنفيذيون، الذين يستخدمون الاستشارات إما لتبرير الفشل أو لنسب النجاح إلى قراراتهم.
• المساهمون، خاصة فى «أكسنتشر»، التى حققت بين 2015 و2024 عائدًا إجماليًا بلغ نحو 370%، متجاوزةً مؤشرات كبرى مثلS&P 500، وكذلك شركات مالية مرموقة مثل جولدمان ساكس ومورجان ستانلى.
فى عام 2024، بلغت القيمة السوقية لأكسنتشر نحو 250 مليار دولار، متقدمة على العديد من البنوك الاستثمارية الكبرى، ما جعلها رمزًا للنجاح فى قطاع الاستشارات.

تراجع مفاجئ وثقة مهزوزة
لكن هذه الهيمنة لم تدم طويلًا. ففى منتصف 2025، خسر المستثمرون نحو 60 مليار دولار من قيمة الشركة السوقية، بعد تراجع سهمها بنسبة 7% عقب تقرير أرباح دون التوقعات. ورغم أن الإيرادات والأرباح التشغيلية ارتفعت بنسبة طفيفة إلى 17.7 و3 مليارات دولار على التوالى، فإن العقود الجديدة تراجعت للربع الثانى على التوالى، سواء فى الاستشارات لمرة واحدة أو فى خدمات التشغيل المستمرة (Managed Services).
حتى عدد العملاء الذين يوقعون عقودًا تفوق قيمتها 100 مليون دولار تراجع من 32 إلى 30. وهذا التباطؤ يعكس تحولًا فى أولويات الشركات: من «الابتكار» إلى «البقاء»، فى ظل اضطرابات جيوسياسية وتجارية عالمية.

التحدى الأكبر: الذكاء الاصطناعى التوليدى
أكسنتشر صنعت سمعتها وثروتها من خلال مساعدة الآخرين على التكيف مع التقنيات الناشئة - من الإنترنت إلى الحوسبة السحابية. لكنها تجد نفسها اليوم مطالبة بمواجهة التحدى ذاته الذى كانت تحذر الآخرين منه: التحول الجذرى بفعل الذكاء الاصطناعى التوليدى.
فمع صعود «الوكلاء الأذكياء» شبه المستقلين المدعومين بالذكاء الاصطناعى، تتقلص الحاجة إلى الاستشاريين البشريين. والسؤال المحرج هو: من يحتاج إلى أكسنتشر الآن؟

رد أكسنتشر: الإصرار على القيمة
الرئيسة التنفيذية، جولى سويت، تصرّ على أن العملاء سيحتاجون إلى دعم فى التعامل مع الذكاء الاصطناعى بقدر أو أكثر من الدعم الذى احتاجوه مع التقنيات السابقة، وأن أكسنتشر مؤهلة تمامًا لتقديم هذا الدعم.
ورغم صحة أن العديد من الشركات الكبرى لا تزال غير ملمة بتقنيات الذكاء الاصطناعى (حيث أظهر استطلاع لـS&P Global أن 42% من الشركات تخلت عن مشاريع الذكاء الاصطناعى، مقارنة بـ17% فقط قبل عام)، فإن هناك تساؤلات جدية حول مدى استمرار هذا الطلب على الاستشارات المتخصصة.

إلى متى سيستمر الطلب؟
نجاح أكسنتشر سابقًا اعتمد على بناء شراكات طويلة الأمد مع مزوّدى التكنولوجيا، ومساعدتها العملاء على اختيار الحلول التقنية وتنفيذها وصيانتها. وعلى الرغم من استمرار هذه العلاقات، فإن الشركاء أنفسهم أصبحوا يسعون لتجاوز أكسنتشر.
على سبيل المثال، أطلقت أكسنتشر ومايكروسوفت وحدة جديدة لتحويل الأعمال عبر مساعد «Copilot». كما تعاونت مع SAP لمساعدة الشركات الصغيرة على النمو والابتكار.
لكن هذه المبادرات تواجه تهديدًا مباشرًا، لأن الشركات التقنية بدأت تدمج الذكاء الاصطناعى داخل منتجاتها بشكل مباشر، ما يجعلها جاهزة للعمل فورًا، وتحدث نفسها تلقائيًا، دون الحاجة إلى وسطاء.

منافسة من الداخل
شركات مثلPalantir، على سبيل المثال، ترسل مهندسيها للعمل مباشرة مع العملاء، ما يوفر عليهم تكاليف الاستعانة بمستشارى أكسنتشر. وبهذا تتحقق المعادلة القاسية: الاستغناء عن الوسيط لتقليل التكاليف.
ولم يعد هذا افتراضًا نظريًا بل واقعًا ملموسًا: فقد انخفضت قيمة عقود الذكاء الاصطناعى الجديدة التى أبرمتها أكسنتشر من 200 مليون دولار لكل ربع فى العام الماضى، إلى 100 مليون فقط فى الربع الأخير - فى وقت يُفترض أن الطلب فى تصاعد.

الواقع الجديد: الذكاء الاصطناعى ليس «رقمنة 2.0»
كما يشير المحلل توم رودنهاوزر، فإن الذكاء الاصطناعى التوليدى ليس مجرد مرحلة ثانية من التحول الرقمى، بل هو تحول نوعى يهدد بنسف نموذج العمل التقليدى لشركات مثل أكسنتشر.
ففى السنوات التى سبقت إطلاق ChatGPT عام 2022، تفوقت أكسنتشر على شركات مثل SAP وIBM من حيث العوائد والتقييمات المستقبلية. لكن منذ ذلك الحين، انعكست الأدوار: شركة Palantir مثلًا قفزت قيمتها إلى 338 مليار دولار، أى ستة أضعاف ما كانت عليه قبل عام.

أخطاء استراتيجية: غياب الاستثمار فى «التكنولوجيا العميقة»
كان بإمكان أكسنتشر أن تستثمر رأس مالها فى مجالات الذكاء الاصطناعى العميق أو تقنيات البنية التحتية كما فعلت IBM، لكنها اختارت بدلًا من ذلك نهج «الاستحواذات الصغيرة» على شركات استشارية أو تسويقية. وتشير التقديرات إلى أنها استحوذت على حوالى 50 وكالة إعلانات وتسويق - وهى كيانات مهددة الآن بالزوال فى ظل أدوات الذكاء الاصطناعى القادرة على إنتاج المحتوى التسويقى تلقائيًا.

محاولة إعادة التنظيم: «المرارة الحلوة»
لتهدئة مخاوف المستثمرين، أعلنت جولى سويت عن إعادة تنظيم الشركة عبر وحدة جديدة تُسمى «خدمات إعادة الابتكار» تجمع كل خدمات أكسنتشر تحت سقف واحد. وقد أسندت إدارتها إلى مانيش شارما، الرئيس السابق لعمليات الشركة فى الولايات المتحدة.
لكن هذه الخطوة تبدو أقرب إلى تدوير الأدوار داخل الهيكل القائم، أكثر من كونها إعادة ابتكار حقيقية. ووفقًا للمقال، فإن «أكسنتشر» قد تحتاج إلى مشورة أفضل - وربما من خارج أسوارها - إذا كانت جادة فى تفادى الاندثار فى عصر الذكاء الاصطناعى.
• • •
خلاصة القول، فى خضم زخم الابتكارات والتحولات التقنية التى يشهدها العالم، تبدو «أكسنتشر» فى مواجهة مفصلية قد تحدد مصيرها لعقود قادمة. فالشركة التى صنعت إمبراطوريتها على توجيه الآخرين نحو المستقبل، تجد نفسها اليوم مطالبة بإعادة ابتكار ذاتها كى لا تصبح من الماضى. وفى عصر تحكمه الخوارزميات والوكلاء الرقميون، لم يعد النجاح رهنًا بالخبرة البشرية وحدها، بل بالقدرة على التفاعل مع تقنيات تتطور ذاتيًا وتقلل الحاجة إلى التدخل البشرى. يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح أكسنتشر فى تجاوز هذا التحدى الجذرى، أم ستكون أولى ضحايا الثورة التى طالما بشّرت بها؟

 

ترجمة وتحرير: يارا حسن
النص الأصلي

 


https://bitly.cx/8dZBz

التعليقات