مَدُّ النفوذ إلى أبعد من اليمن.. حركة أنصار الله وحلفاؤها العراقيون - قضايا أمنية - بوابة الشروق
الإثنين 31 مارس 2025 11:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مَدُّ النفوذ إلى أبعد من اليمن.. حركة أنصار الله وحلفاؤها العراقيون

نشر فى : الخميس 27 مارس 2025 - 8:25 م | آخر تحديث : الخميس 27 مارس 2025 - 8:25 م

اضطلعت حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، وهى جماعة متمردة تركز على تعزيز نفوذها فى اليمن الذى تسيطر على جزء منه، بدور بارز عبر الحدود فى السنوات الأخيرة بوصفها جزءا من محور المقاومة المدعوم من إيران فى المنطقة. وقد يكون أفضل مثالٍ على دورها هذا تعطيلها حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، وذلك، كما تقول الحركة، ردا على العدوان الإسرائيلى على غزة عقب هجوم حماس فى أكتوبر 2023. لكن الواقع أن الحركة بدأت فى استثمار قوتها المتزايدة لكسب النفوذ الخارجى حتى قبل ذلك. فهذا ما يشير إليه كلّ من تعاونها مع قوات الحشد الشعبى، وهى تنظيم جامع تنضوى تحت لوائه فصائل عراقية شبه عسكرية عدة. وقد استطاعت حركة أنصار الله، بفضل قدرتها على تعزيز نفسها محليًا على مدى العقدين الماضيين، وتوسعها إقليميًا فى الوقت عينه، من التحوّل إلى جهة فاعلة غير حكومية بارزة عابرة للحدود فى المنطقة، ما شجّعها أكثر على الانخراط فى أعمال تصعيدية أو هادفة إلى خفض التصعيد فى الداخل والخارج.
• • •
لم يستطع الحوثيون، باعتبارهم سلطة سياسية غير مُعترف بها، إقامة علاقات رسمية بدول أخرى غير إيران وسوريا، الأمر الذى جعل إمكانية بناء روابط بجهات غير حكومية وشبه حكومية موالية لإيران فى العراق أمرا جذابا لهم بشكل خاص. وفى هذا السياق، تعود العلاقة بين الحوثيين والفصائل المندرجة تحت مظلة قوات الحشد الشعبى إلى العام 2012 على الأقل. ففى ذلك العام، أرسل الحوثيون مقاتلين منضوين فى جماعات شبه عسكرية عراقية ولبنانية إلى سوريا دعما لنظام الأسد، الذى كان يواجه انتفاضة مسلحة فى أعقاب الربيع العربى.
تجدر الإشارة إلى أن قواسم مشتركة عدة تجمع الفصائل الشيعية الموالية لإيران فى اليمن والعراق فى جوهرها: فهى تشترك فى وجهات نظر عالمية معادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتسعى إلى الهيمنة على المشهد السياسى الداخلى، وتتوخى أجندة توسعية. والأهم ربما هو أنها تحظى بالراعى نفسه، إيران.
أثبت الحوثيون، بفضل إيران وحزب الله، مهارتهم فى تجميع الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة قصيرة المدى وتعديلها باستخدام مكونات فردية استُقدِمَت بشكل غير شرعى، بسبب الحظرين الجوى والبحرى اللذين يمنعان شحن الأسلحة إلى اليمن. ومن بين هذه الطائرات المسيرة نماذج بديلة عن طرازى «شاهد» و«صماد» المصممين فى إيران، تُصنَّع باستخدام معدات صينية وغيرها. ونظرًا إلى أن الحوثيين أسقطوا كما يُقال ما لا يقلّ عن أربع عشرة طائرة مسيّرة أمريكية باستخدام صواريخ أرض - جوّ إيرانية، بدعم من إيران وحزب الله، بإمكانهم مساعدة فصائل الحشد الشعبى فى تحسين دفاعاتها الجوية.
يقدم العراق فى نظر الحوثيين فوائد سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، خصوصًا أنه يشترك مع المملكة العربية السعودية فى حدود تمتد على طول 811 كيلومترًا. فى سبتمبر 2019، وخلال فترة التوترات المتزايدة بين الحوثيين والرياض، شُنّ هجوم بالطائرات المسيّرة استهدف منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية فى بقيق وخريص. ومع أن الحوثيين أعلنوا مسئوليتهم عن الهجوم، وجد تحقيق أجرته الأمم المتحدة لاحقًا أن الهجوم لا يمكن أن يكون قد شُنّ من اليمن، بل يبدو أنه جاء «من اتجاه الشمال/الشمال الغربى والشمال/الشمال الشرقى»، أى من العراق أو حتى إيران، مع احتمال كبير بأن يكون الجناة مجموعة أو أكثر من مجموعات الحشد الشعبى تعمل نيابة عن الحوثيين.
مكّنت هذه الديناميكيات مجتمعةً الحوثيين من تجاوز وضعهم الأولى بوصفهم ظاهرة يمنية محلية. وقد بلغ هذا التحول ذروته مع التدابير التى اتخذوها ضد إسرائيل، كما يقولون، ردّا على عدوانها المتواصل على غزة، وضد الدول التى تتعامل تجاريا مع الإسرائيليين. ففى أوائل العام 2024، أثبت الحوثيون قدرتهم على ضرب إسرائيل، التى تبعد عن اليمن نحو 1800 كيلومتر، بالطائرات المسيّرة والصواريخ، وعلى إعاقة حركة التجارة منها وإليها بشكل محدود. باختصار، لقد أعاد الحوثيون تعريف أنفسهم كجهة فاعلة عابرة للحدود.
• • •
تلقّى المحور الذى تقوده إيران ضربات كبيرة فى العام 2024، الأمر الذى أثار التساؤل حول فاعلية استراتيجية «الدفاع المتقدّم» التى تنتهجها طهران، والتى تقوم على نشر شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية فى كلّ من لبنان وسوريا واليمن والعراق. أضف إلى ذلك أن هذه الضربات قيّدت قدرة بعض أعضاء المحور على دعم بعضهم البعض بشكل مباشر. ومع إسقاط الثوار السوريين نظام الأسد، وإضعاف إسرائيل حزب الله بشكل كبير، بدأت تتفكك عملية التطويق الاستراتيجى التى قادتها إيران ضد إسرائيل. هذه النكسات كلها إنما تعيد تشكيل ميزان القوى فى المنطقة ضد مصالح المحور. ولهذا السبب تحديدا، من شبه المؤكد أن فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى سيشجع تعزيز الروابط بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبى. ونظرًا إلى المشهد السياسى الداخلى المعقّد فى العراق، والضغط الأمريكى المتزايد على الحكومة العراقية لحلّ الميليشيات فى البلاد، قد تبدأ إيران فى الاعتماد على الحوثيين أكثر من الحشد الشعبى. مع ذلك، لم يتّضح بعد إلى أى مدى سيكون الحوثيون (وقوات الحشد الشعبى) على استعداد لتحمل المخاطر التى ينطوى عليها تحولهم إلى الجهة الرئيسة لنشر النفوذ الإيرانى فى المنطقة.
فى لبنان، تمكنت إسرائيل من القضاء بصورة منهجية على قادة الصف الأول فى حزب الله، من بينهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، إضافةً إلى القائدين البارزين فؤاد شكر ومحمد حسين سرور اللذين كانا يشرفان على الدعم المقدّم للحوثيين فى ما يتعلق بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وقد أجبر ذلك حزب الله على الالتفاف نحو الداخل والتركيز على إعادة هندسة قدراته وخبراته وسلاسل إمداداته.
أما فى سوريا، فقد انقلب ميزان القوى بين ليلة وضحاها نوعًا ما، وكان لذلك عواقب وخيمة على الحوثيين. فقد اتّهمت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» التابعة لهم، فى بيان لها، هيئة تحرير الشام، وهو الفصيل الثورى الذى قاد عملية الإطاحة بنظام الأسد، بالتواطؤ فى تنفيذ «مخططات أمريكية وصهيونية لاستهداف وتفكيك محور المقاومة وإشعال الفتنة وصرف الأنظار عن غزة».
فى اليمن، تعرّض الحوثيون لضربات جوية وصاروخية أطلقتها إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد استهدفت إسرائيل إلى حدّ كبير البنية التحتية الحيوية، بما فيها ميناء الحديدة ومطار صنعاء، فضلًا عن منشآت تخزين النفط ومحطات الطاقة، ما تسبب بتوقفها عن العمل بصورة مؤقتة. أما الولايات المتحدة، فاستهدفت بعض هياكل القيادة والسلطة التابعة للحوثيين فى صنعاء. وعلى الرغم من أن الأضرار لم تكن هائلة فى الحالة الثانية، قد تتسبب الضربات المتتالية بخسائر فادحة.
إذًا، تعرض المحور ككل لانتكاسة، بشكل قد يتعذر إصلاحه. لكن المفارقة أن هذا قد يُنذر ببداية دور أكبر لبعض مكوناته. فمع سقوط الأسد وإضعاف حزب الله إلى حدّ كبير، قد ترى طهران اليوم قيمة استراتيجية أكبر فى الحوثيين وقوات الحشد الشعبى. فحركة أنصار الله تحتفظ بجزء كبير من قوتها ومكانتها الإقليمية، وقوات الحشد الشعبى لا تزال سليمة، على الرغم من أنهما سترزحان على الأرجح تحت وطأة المزيد من الضغوط الأمريكية بالنظر إلى إعادة إدارة دونالد ترامب الثانية اعتماد استراتيجية ممارسة «أقصى درجات الضغط» على إيران، وبالتالى على وكلائها. وعلى المدى القريب، لن يكون بمقدور لا الحوثيين ولا قوات الحشد الشعبى مساعدة إيران فى إنقاذ مكانتها الإقليمية وتعويض آخر الخسائر الاستراتيجية التى تكبّدتها. لكن من المرجّح إلى حدّ كبير أن يكون الحوثيون، بالمقارنة مع قوات الحشد الشعبى، الطرف الرئيس فى الأنشطة التى ترعاها إيران فى المنطقة.
• • •
أسهم وقوف الحوثيين فى وجه إسرائيل، حين كان الغضب الشعبى فى أوجه جراء الاعتداءات الإسرائيلية فى قطاع غزة، فى صقل صورتهم محليا ودوليا. حتى أن هذا الموقف أسكت – على الأقل مؤقتا – الانتقادات الشعبية المتزايدة إثر عجز الحوثيين عن تقديم الخدمات ودفع الرواتب، ناهيك عن سوء إدارتهم للمناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم بشكل عام. قد يدفع ذلك، مقرونا برغبة إيران فى التعويض عن انهيار النظام السورى وضعف حزب الله، الحوثيين إلى شنّ المزيد من الهجمات ضد إسرائيل، والعمليات التجارية المرتبطة بها. لكن من الممكن أيضًا ألا تبلغ الأمور أبدًا هذه المرحلة. فإن تشاركت قيادة كلّ من الحوثيين وقوات الحشد الشعبى الاعتقاد السائد بأن إيران تخلت عن حزب الله والأسد عندما أصبح دعمهما مكلفا للغاية، قد تختار التريث وإعادة النظر فى خطواتها.

إبراهيم جلال
مركز مالكوم كير – كارنيجى للشرق الأوسط
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/9hvhfd4x

قضايا أمنية قضايا أمنية
التعليقات