خطاب الرئيس ترامب فى الأمم المتحدة.. ما فيه وما غاب عنه - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 10:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

خطاب الرئيس ترامب فى الأمم المتحدة.. ما فيه وما غاب عنه

نشر فى : السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:50 م

ألقى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خطاب الولايات المتحدة أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضى 23 سبتمبر. وزن الولايات المتحدة فى النظام الدولى، ومواقف الرئيس ترامب فى الشهور الثمانية الأخيرة، يبرران شيئًا من التمعّن فى خطابه لتبيّن ما ورد فيه من موضوعات وما غاب عنه من قضايا.


أولاً، من حيث الشكل، الخطاب يثير عند قارئه التساؤل عمّا إذا كان صادرًا كله عن رئيس الولايات المتحدة أو بعضه على الأقل عن شخص دونالد ترامب. تجد فى الخطاب هجومًا لاذعًا متكررًا، بمناسبة وبدونها، على الرئيس السابق جو بايدن، وتجد كذلك انتقادًا للرئيس باراك أوباما. ليس معتادًا أن ينتقد رئيس الولايات المتحدة أو رئيس أى دولة أخرى من سبقه فى الحكم فى بلاده. فى سياق هجومه على الأمم المتحدة، ذكر الرئيس ترامب سابقة تقدّمه بعرض، عندما كان يعمل «بنجاح» فى العقارات فى مدينة نيويورك، فى مناقصة لتجديد مبنى سكرتارية المنظمة ولكنه لم يحصل على الصفقة مع أنها كانت أقل تكلفة. هو وعد فى عرضه بأرضيات من المرمر بدلا من الخامة الرديئة التى استخدمها من وقع عليه الاختيار. بشأن الشكل كذلك، تجدر الإشارة إلى التكرار فى الخطاب والبنية المعتلّة لجمله عموما، ومفرداته الجديرة بالحوارات الخاصة وليس بالخطابات فى المحافل الوطنية أو الدولية.


الخطاب استغرق قرابة أربعة أمثال الوقت المخصص له، وهذه ليست مسألة شكلية بل هى تتعلق بالجوهر، سنرجع إليها فيما بعد.


فيما يصعب الفصل فيه بين الشخصى والمتعلق بمنصبه، ذكره لاستحقاقه جائزة نوبل للسلام لأنه وصل إلى تسويات لسبع حروب منذ توليه منصبه. هذه هى الحرب بين مصر وإثيوبيا، وهى حرب لم تندلع لحسن الحظ كما يعلم قارئ هذه الكلمات، والحرب بين الهند وباكستان التى صرّح رئيس الوزراء الهندى أن البلدين المتحاربين أَنهَياها، ولم يكن للرئيس الأمريكى فضل فى هذه النهاية. حتى قذف الولايات المتحدة لمنشآت نووية إيرانية بقنابل هائلة القوة التدميرية اعتبره الرئيس ترامب إنهاءً للحرب بين إسرائيل وإيران ومدعاة لمنحه جائزة نوبل للسلام.


• • •
فى شأن الحروب، الحرب فى غزة يجب أن تتوقف، وعلى «حماس»، التى رفضت مقترحات معقولة بالسلام، أن تطلق سراح «الرهائن». هذا كل ما فى الأمر. أما الدول التى تعترف بالدولة الفلسطينية فهى تكافئ «حماس» على «الفظائع» التى ارتكبتها فى 7 أكتوبر. لا شىء غير ذلك: لا عن غزة ولا الضفة الغربية ولا القضية الفلسطينية، ولا عن خطورة جمرات قابلة للاشتعال فى أى وقت فى منطقة الشرق الأوسط. أما الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن الصين والهند تموّلانها بشرائهما للنفط الروسى. كان المفترض أن يصل هو، الرئيس ترامب، إلى تسوية بيسر، وفى أيام قليلة، لهذه الحرب لعلاقته الجيدة بالرئيس بوتين، ولكن هذا لم يحدث. من الآن فصاعدا، إن لم تكن روسيا مستعدة للوصول إلى صفقة للتسوية، فإن الولايات المتحدة ستفرض عليها تعريفات فى غاية القسوة ستنهى الحرب سريعًا جدًا.


أما المشكلات التى يواجهها العالم فى خطاب الرئيس الأمريكى فهى: الهجرة واللجوء، والاحتيال المسمّى بتغير المناخ وسياسات الاقتصاد الأخضر، والمخدرات المهرّبة إلى الولايات المتحدة. حظر الأسلحة البيولوجية ذُكِر مرورا، وهو الموضوع الوحيد المتعلق بالسلم والأمن. بالنسبة للولايات المتحدة، الهجرة التى يعنيها هى تلك الآتية من المكسيك وأمريكا الوسطى والجنوبية، والمهاجرون كلهم «غير شرعيين» ومجرمون ونزلاء سجون. عند الرئيس ترامب، الأمم المتحدة تموّل الغزو الذى تمثله الهجرة «غير الشرعية» إلى بلاده. لا تَرِد بالطبع على لسان الرئيس الأمريكى مساهمات المهاجرين فى الاقتصاد الأمريكى. أما أوروبا، التى يحبها كثيرا، فمصيرها الدمار والجحيم إن هى لم تفق. وهو يأتى بإحصائيات لنزلاء السجون من المهاجرين مستقاة من الذكاء الاصطناعى، متجاهلا الإحصائيات الرسمية للاتحاد الأوروبى المختلفة عنها تمامًا. ويردد الرئيس الأمريكى ادّعاءً لأقصى اليمين الشعبوى الأوروبى بأن المهاجرين يريدون فرض الشريعة الإسلامية على بلدان أوروبا.


هذا ادعاء يختصر الهجرة إلى البلدان الأوروبية فى المهاجرين المسلمين من شمال غرب إفريقيا، وثانويًا من الشرق الأوسط، بينما المهاجرون فى أوروبا أتوا من بلدان إفريقية عديدة ومن أمريكا اللاتينية وآسيا. قد يرى البعض فى الادعاء مواجهةً للإسلام السياسى المنغلق، غير أنه فى حقيقته يهدد كل المهاجرين المسلمين، من البلدان العربية والمواطنين من أصول مهاجرة فى دول أوروبية. فى ساعة الجد لن يحدث تمييز بين المنتمى للإسلام السياسى والأغلبية الساحقة المندمجة فى المجتمعات الأوروبية، ولا بين المسلم وغير المسلم. لكراهية الأجانب أصول أعمق تجعل معاداة المهاجرين من كل مكان مسألة واحدة. أما اللجوء فلقد توقف تمامًا إلى الولايات المتحدة. عند ترامب، فى الهجرة واللجوء تعدٍّ على «الغرب».


• • •
الرئيس ترامب شن هجومًا بلا هوادة على مفهوم تغير المناخ الذى اعتبره احتيالاً، وعلى مفهوم وسياسات الاقتصاد الأخضر، وعلى الطاقة المتجددة، وهاجم خصوصا طواحين الهواء التى تولّد بعضا منها. هذا هجوم على طواحين مختلف فى طبيعته عن محاربة النبيل «دون كيشوت» لها! سياسات الاقتصاد الأخضر تفرض تكاليف على الولايات المتحدة وتحرمها من «الفحم النظيف الجميل» فى وقت تلوث فيه الصين وما حولها من دول فى آسيا البيئة العالمية بغاز ثانى أكسيد الكربون.
أما المخدرات التى يقود تهريبها إلى الولايات المتحدة رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، فإن القوات المسلحة الأمريكية ستكون سلطة الاتهام والقضاء والتنفيذ، وستقصف السفن التى تهربها بلا تردد. وهى فعلت وستستمر فى فعل ذلك. الرئيس الأمريكى يفتخر علناً بعدم الاكتراث بمبدأ مؤسس للديمقراطية الليبرالية ألا وهو الفصل بين الاتهام والقضاء والتنفيذ. واقع الأمر هو أن عدم الاكتراث هذا ينسحب على الولايات المتحدة نفسها.


• • •
أهم ما لم يرد فى خطاب الرئيس الأمريكى هو نظرته إلى العالم الذى كان يخاطب ممثليه. استغراق الخطاب أربعة أمثال المدة المخصصة له هو تعبير بليغ عن هذه النظرة. تفسيرها هو أن القواعد التى تسير عليها الدول لا تنطبق على الولايات المتحدة. هذا معناه ببساطة أنه لا مجال للمساواة بين الدول المستند إلى مبدأ المساواة فى السيادة الوارد فى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. أنصار ترامب من «المنظرين» يؤسسون لما يقوله، فلا مجال عندهم للمساواة، فالأجناس والأعراق والشعوب ليست متساوية فى المواهب والذكاء، ولذلك فإنه يجب قبول عدم المساواة والكفّ عن محاولة علاجها والحد منها بالسياسات على المستوى الدولى والوطنى كذلك. الهجرة التى تهدد «الغرب» لها تفسيران ممكنان ومتكاملان إذن: الأول أن الهجرة يجب وقفها لأن إعادة توزيع الموارد البشرية والاقتصادية بموجبها لا طائل من ورائها. من لم ينمُ ويتقدم، فالعيب خلقى فيه. التفسير الثانى عنصرى بحت، فخوف ترامب من الهجرة هو خوف على أمريكا الشمالية وأوروبا وحدهما. هذا يثير مسألة أيديولوجية: تفوّق الجنس الأبيض على غيره من البشر.


• • •
فى خطابه اعتبر الرئيس ترامب أن المسيحية هى أكثر الديانات تعرضا للاضطهاد فى العالم اليوم. الاضطهاد مذموم يجب محاربته أيا كان من يتعرض له فى أى مكان. ولكن هل يندد الرئيس ترامب بما يتعرض له من فقر وحرمان أصحاب الدين المسيحى، مثل مواطنيهم من ديانات أخرى، فى عموم القارة الإفريقية أو فى الأمريكتين الوسطى والجنوبية والمكسيك، بل وفى الولايات المتحدة ذاتها؟ بالمناسبة، فى تعدادات السكان الأمريكية، القادمون من بلداننا كانوا يصنفون ضمن الجنس الأبيض. فى سنة 2024، تقرر إخراجهم من هذا الجنس وإنشاء فئة خاصة بهم هى «جنس الشرق الأوسط» على أن يبدأ التطبيق فى التعداد القادم سنة 2030!


أما الهجوم على مفهوم تغير المناخ وعلى سياسات الاقتصاد الأخضر، فهو لعدم المساس بالنشاط الاقتصادى الذى اعتبره السبب فى عظمة أمريكا المراد استعادتها. لأنه لا يريد أى تكلفة على الولايات المتحدة للحفاظ على بيئة الكوكب، فهو ينكر وجود أى تهديد لها أصلاً.
التعريفات الجمركية الباهظة هدفها ليس فقط عدم المساس بالنشاط الاقتصادى الأمريكى الحالي، وإنما العودة إلى ما كان عليه فى الماضى دون اعتراف بما طرأ على الاقتصاد العالمى من تطور وتعدد. علاوة على أنه فى العودة تراجع فى التطور الاقتصادى يضر بالولايات المتحدة نفسها، إن كان ممكنا أصلا، فإن فيه استهتاراً بمصالح الدول الأخرى وبمنشآتها، والعاملين والمستهلكين فيها. وفى التعريفات تقويض للنظام التجارى متعدد الأطراف الذى دعت إليه الدول المتقدمة بمجرد أن بدأت بعض البلدان النامية فى الاستفادة منه بشكل يعيد توزيع القوى فى العالم. الرئيس ترامب يريد تجميد هذا التوزيع على ما كان عليه فى الخمسينيات من القرن الماضى.


لا يتسع هذا المقال لأكثر من ذلك. يبقى فقط التساؤل: ما ستفعله دول الجنوب العالمى إزاء المصرّح به والمسكوت عنه فى خطاب الرئيس الأمريكى؟ وبنفس القدر من الأهمية، التساؤل عن ردود فعل حلفائه الأوروبيين الذين هدم أهم عقائدهم فى العقود الأخيرة: من تغير المناخ وتنمية الاقتصاد الأخضر، إلى النظام التجارى الدولى متعدد الأطراف، إلى المبادئ المؤسسة للديمقراطية الليبرالية.


أما غزة، التى اختار الرئيس الأمريكى أن يعالج إبادتها ومستقبلها على هامش الجمعية العامة، خارج الإطار متعدد الأطراف، فهى جديرة بمقال وحدها.


أستاذ الأبحاث بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ الأبحاث بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات