لماذا الجدل حول اعتماد ترامب الإنجليزية كلغة رسمية؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 31 مارس 2025 1:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لماذا الجدل حول اعتماد ترامب الإنجليزية كلغة رسمية؟

نشر فى : الجمعة 28 مارس 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 28 مارس 2025 - 8:10 م

خلال الأيام القليلة الماضية، انتشرت شائعة على وسائل التواصل الاجتماعى بالولايات المتحدة الأمريكية مفادها: «من يُضبط وهو يتحدث الإسبانية سيُغرّم 5 آلاف دولار أو ينتهى به الأمر إلى السجن»، وقد تداولها بشكل واسع أمريكيون من أصل لاتينى. وبالرغم من عدم نفى الشائعة أو صدور أى تصريح رسمى بشأنها؛ فإن البعض فسر رواجها على أنه انعكاس لحالة الاستقطاب التى أثارها الأمر التنفيذى الذى وقعه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الأول من مارس 2025، والذى يقضى باعتماد اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للولايات المتحدة على المستوى الفيدرالى لأول مرة فى تاريخ الدولة منذ تأسيسها.
وأثار قرار اللغة الرسمية ردود فعل متباينة داخل وخارج الولايات المتحدة، خاصة فى ظل الاعتقاد السائد بأن الإنجليزية كانت دائمًا اللغة الرسمية لأمريكا نتيجة استخدامها الواسع فى الخطاب الحكومى، والمؤسسات التعليمية والاقتصادية، ووسائل الإعلام، وصناعة الأفلام؛ ومع ذلك، يوجد ملايين من المواطنين والمقيمين فى الولايات المتحدة الذين ليست الإنجليزية لغتهم الأم.
• • •
بالرغم من أن جميع الوثائق الرسمية فى الولايات المتحدة مكتوبة باللغة الإنجليزية؛ فإن الآباء المؤسسين فضلوا عدم إعلان لغة رسمية للولايات المتحدة للحفاظ على التنوع اللغوى والعرقى بين السكان، والقيمة الاقتصادية والاجتماعية للمعرفة بلغات مختلفة، فضلاً عن رغبتهم فى عدم تقييد الحرية اللغوية والثقافية للمواطنين الأوائل؛ ولذلك لم يتضمن إعلان الاستقلال أو الدستور الأمريكى نصًا يحدد اللغة الرسمية للدولة؛ مما أسهم فى ترسيخ صورة الولايات المتحدة كدولة منفتحة على مختلف الثقافات واللغات. وعلى الرغم من ذلك، هناك تيار يظهر بشكل متكرر منذ أكثر من قرن حول ضرورة تبنى لغة رسمية، على النحو التالى:
الخطوات الأولى لجعل اللغة الإنجليزية رسمية: كان موقف الرئيس الأمريكى الأسبق ثيودور روزفلت (1901-1909) الداعم للغة الإنجليزية كلغة الولايات المتحدة بمثابة مرجعية لمناصرى هذا الاتجاه، حتى وإن لم يتخذ أى إجراء رسمى فى هذا الشأن. وبعد الحرب العالمية الأولى، تأججت المشاعر السلبية تجاه اللغات غير الإنجليزية، ولاسيما الألمانية؛ مما أدى إلى تجريم واستهجان التحدث باللغات غير الإنجليزية فى بعض الولايات. وفى هذا السياق، اقترح النائب واشنطن ج. ماكورميك، فى عام 1923، استبدال اللغة الإنجليزية باللغة «الأمريكية» كلغة وطنية، وتُعد تلك المرة الأولى التى يناقش فيها الكونجرس الأمريكى مسألة تبنى «اللغة الرسمية».
الدعوات التشريعية فى القرن الحادى والعشرين: شهدت السنوات الأخيرة عدة محاولات لإعلان اللغة الإنجليزية كلغة رسمية فى الولايات المتحدة. ففى عام 2019، قدم النائب ستيف كينج وآخرون مشروع قانون يهدف إلى توحيد الإجراءات الحكومية باللغة الإنجليزية. وفى 2021، تقدّم النائب لويس جوميرت والسناتور جيم إينهوف بمقترح يُقر الإنجليزية كلغة أساسية للمواطنة. وتتابعت المبادرات مع مشروع «قانون وحدة اللغة الإنجليزية» للسناتورين جيه دى فانس (نائب الرئيس الحالى) وكيفن كرامر فى عام 2023، ثم السناتور بيرنى مورينو فى عام 2025.
• • •
شهدت الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب استخدامه المتكرر لخطاب مناهض للتعددية اللغوية، وذلك فى سياق مهاجمته لزيادة أعداد المهاجرين. فعلى سبيل المثال، أشار ترامب فى كلمته أمام تجمع انتخابى فى فيرجينيا فى مارس 2024 إلى أن الفصول الدراسية فى نيويورك «مكتظة بتلاميذ من دول أجنبية، من دول لا يعرفون حتى ما هى لغتها».
ومن ثم لم يكن من المستغرب أن يتبنى الرئيس أمرًا تنفيذيًا فى 1 مارس 2025 بتعيين اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للولايات المتحدة. وقد نص الأمر على أن الهدف منه هو تعزيز الوحدة الوطنية والقيم المشتركة واندماج المواطنين فى الاقتصاد والحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة أمريكية موحدة لجميع أفراد المجتمع. كما تضمن الأمر التنفيذى إلغاء أمر سابق صدر فى عام 2000 يقضى بإلزام الوكالات والمستفيدين الآخرين من التمويل الفيدرالى بتقديم المساعدة اللغوية لغير الناطقين باللغة الإنجليزية.
فى هذا السياق، يرى ترامب أن تعلم اللغة الإنجليزية من قبل المواطنين الأمريكيين الجدد يُعد بمثابة رد جميل للبلاد على استقبالهم. كما وصف السيناتور إريك شميت، الجمهورى من ولاية ميسورى، القرار بأنه «اعتراف رسمى متأخر للغاية؛ إذ أننا فى هذا البلد نتحدث الإنجليزية».
• • •
على الرغم من تأييد القرار من قبل عدد كبير من الأمريكيين، خاصة مناصرى الحزب الجمهورى؛ فإنه واجه انتقادات واسعة من جماعات حقوق المهاجرين والمجموعات اللغوية وغيرها، حيث أشار هؤلاء إلى عدة تأثيرات سلبية للقرار مثل تقييد اندماج المهاجرين واحتمالية عرقلة الخدمات الحكومية وغيرها من الآثار، وذلك على النحو التالى:
• التساؤل عن جدوى القرار: قبل القرار، لم يكن هناك نص قانونى يُحدد اللغة الرسمية للولايات المتحدة على المستوى الفدرالى؛ أى لم تكن رسمية بحكم القانون (de jure)؛ ومع ذلك ظلت اللغة الإنجليزية هى اللغة الرسمية بحكم الأمر الواقع (de facto)، حيث يتحدث بها نحو 275 مليون أمريكى خلال تعاملاتهم اليومية وإن لم تكن لغتهم الأولى، كما أنها لغة الاقتصاد والإعلام والسينما الأمريكية. وبناءً عليه، تساءل الصحفى الأمريكى من أصل بيروفى كارلوس لوزادا «لماذا نكلف أنفسنا عناء اقتراح تشريع يقر واقعًا قائمًا مسبقًا»، مضيفًا أن مقتضيات السوق تلزم المهاجرين بضرورة تعلم اللغة، بشكل أوضح مما تستطيع الحكومة فعله.
• مخاوف من تآكل الحقوق السياسية: يُفترض أن القانون الأمريكى يُنظم مشاركة الأقليات اللغوية فى الانتخابات عبر تشريع «الانتخابات ثنائية اللغة»؛ ومع ذلك يخشى البعض من احتمالية أن يؤدى إعلان الإنجليزية كلغة رسمية إلى تقليص هذه المشاركة.
• تقييد الوصول إلى الخدمات الحكومية: بالرغم من أن القرار لا يُلزم الوكالات الفيدرالية باستخدام الإنجليزية فقط فى التواصل مع المواطنين؛ فإن سحب الميزانيات المخصصة للخدمات اللغوية قد يُشكل ذريعة لعدم امتثال هذه الوكالات بتقديم العون للمواطنين.
• • •
يتجاوز عدد السكان من أصل لاتينى فى الولايات المتحدة 60 مليون نسمة، فيشكلون نحو 18.9% من إجمالى السكان، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكى، كنتيجة لزيادة أعداد المهاجرين من المكسيك وأمريكا الوسطى ودول أمريكا اللاتينية الأخرى، إضافة إلى البرامج التعليمية الثنائية والحملات الإعلانية ثنائية اللغة التى تستهدف عادة الناطقين بالإسبانية. وبناءً عليه، تُعد اللغة الإسبانية اللغة الأكثر شيوعاً فى المنازل الأمريكية بعد الإنجليزية خاصة فى ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس؛ ومن ثم فمن المتوقع أن يكون هؤلاء من بين الأكثر تضررًا بالقرار.
• ادعاءات استهداف اللغة الإسبانية: يعتقد البعض أن قرار اللغة الرسمية يستهدف اللغة الإسبانية بشكل خاص، ولاسيما بعد سرعة إزالة النسخة الإسبانية من الموقع الإلكترونى الرسمى للبيت الأبيض بعد شهر من تولى ترامب.
• مخاوف التهميش: أعرب بعض الأمريكيين من أصل لاتينى، عن مخاوفهم من التهميش وتقليل فرصهم فى الحصول على الخدمات الأساسية. ففى حين يُعد الكثيرون من الناطقين بالإسبانية ثنائيى اللغة، إلا أن هناك نسبة كبيرة منهم لا تتقن اللغة الإنجليزية على الإطلاق. وقد أوضح تحليل أجرته غرفة التجارة الأمريكية الإسبانية أن القرار سيترتب عليه صعوبة حصول الأشخاص ذوى الكفاءة المحدودة فى الإنجليزية على فرص العمل فضلاً عن تفاقم نقص العمال فى قطاعات البناء والزراعة، ولاسيما «أن المجتمع اللاتينى يؤدى دورًا حيويًا فى اقتصاد البلاد»، بحسب النائب أدريانو إسبايات، من الحزب الديمقراطى.
بالرغم من أن ترامب وأنصار القرار يهدفون إلى تعزيز اللحمة الوطنية ودعم تماسك المجتمع الأمريكى والثقافة الأمريكية؛ فإن القرار أدى إلى وجود استقطاب داخل المجتمع الأمريكى بين أنصار الهوية الأمريكية الإنجليزية من جهة، والمدافعين عن صورة الولايات المتحدة كبلد يتميز بالتنوع الشديد من جهة أخرى.
حتى وإن كان القرار الرسمى لن يؤثر فى الحياة الاجتماعية والفردية الأمريكية بشكل مباشر، إلا أنه قد تنتج عنه عواقب فى المستقبل. وفى هذا السياق، من المتوقع أن يكون هذا القرار محل تنافس المرشحين للرئاسة فى الانتخابات القادمة 2028، مع إمكانية طرح نماذج دولية ناجحة استطاعت تبنى أكثر من لغة رسمية مثل كندا وبلجيكا.
ولذلك، هناك دعوات لتبنى سياسات وتصريحات تتضمن طمأنة الأقليات اللغوية والثقافية فى المجتمع الأمريكى من مخاطر التهميش، مع توفير سبل الحماية للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز لأسباب لغوية. فضلاً عن التعاون مع القطاع الخاص لتوفير تقنيات وحلول رقمية (بشأن تعلم الإنجليزية والترجمة الفورية) لدعم غير الناطقين بالإنجليزية خاصة من كبار السن ومن يواجهون صعوبات فى التعلم للتواصل مع الجهات الحكومية ومقدمى الخدمات الصحية والقانونية وغيرها.

منى أسامة
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/43t6ed5t

التعليقات