(١)
من جديد نؤكد كما فى كل مرة سابقة ــ للأسف ــ أن حلا جذريا للإرهاب لن يتوافر بين عشية وضحاها، المعركة طويلة للغاية استنزفت فيها دول أوفر منا عتادا وأعلى منا جهازية اقتصاديا وعلميا. نحن ــ للأسف ــ نتكلم عن سنوات لا عن أيام أو شهور من العمل الشاق المستمر للحد من توالى مثل هذه العمليات وتجفيف منابع تمويلها ماديا وبشريا.. وتعجل بعض الإعلاميين عن قلة وعى إنما هو دلالة سطحية ورعونة تزيد المشهد توترا بلا أى مبرر.
مايو ٢٠١٣.. كتبت فى أعقاب حادث اختطاف الجنود الشهير قائلا: «القيادة السياسية المصرية فى موقف لا تحسد عليه بعد حادث اختطاف الجنود وتداعياته، فهى مطالبة وسط ضغوط مجتمعية وسياسية هائلة بإدارة هادئة متماسكة الأعصاب لواحدة من أخطر الأزمات وأشدها تعقيدا، وينتظر منها الجميع قرارا سريعا حاسما يجمع فى آن واحد بين تحرير المختطفين واستعادتهم أحياء، وبين حفظ البقية الباقية من ماء وجه الدولة، ثم التأكد من أن كارثة كهذه لن تتكرر مستقبلا.. أى ببساطة حل سحرى لا يخضع لحسابات التكلفة والمكسب والخسارة».. القطعة بتمامها تصلح أن تكرر هاهنا بغير تعقيب أو حذف!
•••
(٢)
الأعصاب منفلتة والغضب عارم والحزن يمزق نياط القلوب.. كل هذا وأكثر لابد أن يُتفهم ويُستوعب، لكنه لن يكون مبررا أبدا لحالة من الضغط العاطفى تمارسها بعشوائية ورعونة برامج التوك شو المسائية سواء على الشعب المتوتر أصلا أو على أجهزة الدولة المعنية، بل سيثمر أخطاء جديدة.. نصر أكتوبر الذى لم تبرح ذكراه أيامنا اعتمد بالأساس على هدوء أعصاب، وتخطيط محكم لا يترك شيئا للظروف.
وفى لحظات الخطر الشديد هذه، وبدلا من أن نجتمع على الرغم من اختلافاتنا على قلب رجل واحد، مازال البعض يراها فرصة سانحة لتصفية حساباته فيستثمر بشكل انتهازى مشاعر الغضب والحزن لينال من منافسيه وخصومه.. ومن هذا الصنف إعلاميون وسياسيون.
•••
(٣)
لم يعد الأمر يحتاج إلى كبير ذكاء لإدراك حجم المحاولات الحثيثة الهادفة إلى استدراج الدولة المصرية لخوض معارك استنزاف خارج وداخل أراضيها، وما كان ضربا من التكهنات بالأمس أضحى حقائق ملموسة اليوم.. أمثلة كتصريح إيران عن أربع عواصم عربية سقطت فى يدها، ومؤخرا شروط أردوغان لدعم كوبانى فى حربها الشرسة ضد زبانية داعش تلخص الفكرة سريعا لمن لا يرغب فى الإطالة!
•••
(٤)
انتشار الرواية المغرقة فى السخف التى تشكك فى صحة مقتل جنودنا غدرا فى سيناء بل وتفترى الأدهى من ذلك بزعمها أنها صور جنود مصريين قضوا فى ليبيا، إنما هى رواية « إخوانية صرفة» سمت ُالكذب المستفز يميزها، وإن تعجب ممن يمتلك هذه القدرة على الوقاحة فأعجب منه بسطاء و«عوام» الإخوان الذين تلقفوا هذه الرواية بغير تفكير، وتداعوا على ترويجها ضمن نطاق شبكات تواصلهم، دون أن يعى واحد منهم أن الفيديو المزعوم ليس فيه إلا رجل ليبى اللكنة إخوانى الحقد والتعصب والكراهية يهرف بهذه القصة المختلقة، ومذيع الجزيرة ــ الإخوانى أيضا ــ وكأنه يبرئ ساحته بتعقيب مُضحك يؤكد فيه على مسئولية ضيفه ــ المغمور ــ عن هذا الخرف.
حتى التعبير عن أقل مشاعر مشاركة الأحزان بشكل إنسانى صرف يأباه الإخوان.. يأبى الإخوان ــ رسميا ــ أى فرصة ولو ضئيلة لإثبات انتمائهم إلى هذا الوطن، مازال بسطاؤهم فى شرنقة نسجها قادة أنانيون، متعصبون، مجرمون، يفضلون بضعة أسطر تسرد بطولات عبثية متوهمة سيدونها مؤرخ إخوانى متعصب، ولن يؤمن بها إلا جيل إخوانى قادم مُغرر به.. إلا أن يشاء الله شيئا آخر !