قد تكون نافذة إدارة جو بايدن للتحرك تجاه إغلاق معتقل جوانتانامو قد ولت مع بدء موسم الحملة الرئاسية لعام 2024، حيث من المرجح أن يصف أعضاء الحزب الجمهورى أى جهود لإغلاق جوانتانامو بأنها تساهل مع الإرهاب. كما أن احتمال فوز دونالد ترامب، أو مرشح آخر يشاطره الرأى، يمكن أن ينهى أى جهود من هذا القبيل، كما فعل ترامب عندما كان فى البيت الأبيض بين عامى 2017 إلى 2021.
رغم توالى الدعوات الأممية والحقوقية، من مختلف أنحاء العالم، للإدارة الأمريكية، من أجل إغلاق معتقل جوانتانامو الذى افتتحته واشنطن قبل 22 عاما، فى إطار ما سمتها «الحرب على الإرهاب» عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تلب نداءات إغلاقه، وفشل الرئيس السابق باراك أوباما فى ذلك رغم تعهده به فى مناسبات عدة.
مرت أكثر من 22 عاما على بدء استخدام واشنطن معتقل جوانتانامو بقاعدتها العسكرية فى كوبا، ورغم تعهد الرئيسين الديمقراطيين، باراك أوباما وجو بايدن، بإغلاقه، إلا أن المعتقل ما زال مفتوحا ويُحتجز به 30 معتقلا، الكثير منهم لم توجه إليهم أى تهم. ومنذ بدء استخدام القاعدة لاحتجاز من تصفهم واشنطن بالإرهابيين، بعيدا عن الأراضى الأمريكية، وبحيث يتم تجنب الإجراءات القانونية الواجب اتباعها داخل الحدود الأمريكية، أصبح اسم جوانتانامو مرادفا «للعار الأمريكى». إذ استغلت واشنطن المعتقل بصورة غير إنسانية وبعيدة عن القانون، حيث مكنها من القدرة على العمل خارج القيود العادية للقانون وحقوق الإنسان.
تم إنشاء هذا المعتقل بعد هجمات 11 سبتمبر كمعسكر اعتقال سرى للسجناء الخطرين بشكل خاص، واعتبرت الحكومة الأمريكية فى البداية أنه يعمل خارج الولاية القانونية الأمريكية، مما أعطى وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من الوكالات الغطاء القانونى لإجراء استجوابات بطرق خاصة ترقى إلى التعذيب الصريح وإخضاع السجناء لمعاملة قاسية ولاإنسانية ومهينة. وليس هناك أدلة على أن هذه الاستجوابات والتعذيب قد أسفرت عن الكثير من المعلومات الاستخباراتية، لكنها ضمنت إعلان الكثير من الأدلة ضد الأسرى غير مقبولة فى المحكمة، حتى لو سمحت النيابة العسكرية بمناقشة تعذيبهم علنا فى المحكمة.
• • •
تعهد الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية عام 2020، وبعد وصوله للبيت الأبيض فى يناير 2021 بإغلاق جوانتانامو، ووجه وزارة الدفاع لدراسة أفضل السبل للقيام بذلك. ويتبع بايدن سياسة تخفيض عدد المعتقلين، وترحيلهم لبلدانهم الأصلية، أو دول تقبل استضافتهم، كمدخل إفراغ المعتقل، أو الوصول بعدد المعتقلين لرقم صغير يستطيع بعدها الضغط لنقلهم ومحاكمتهم داخل الأراضى الأمريكية.
عندما تسلم بايدن الحكم، كان عدد المعتقلين 41 رجلا، واليوم وبعد عامين ونصف العام من حكم بايدن، انخفض الرقم إلى 30 معتقلا. لكن بالمعدل الذى تتحرك به الإدارة فى الإفراج عن بعض المعتقلين الأقل خطورة وأهمية، قد تستغرق هذه العملية عدة سنوات أخرى، وقد يعرقل ذلك وصول رئيس جمهورى للبيت الأبيض حيث سيوقف هذه العملية برمتها.
ويتطلب إغلاق المعتقل، الذى يسىء لصورة أمريكا حول العالم، أن يستخدم بايدن سلطته الرئاسية لإصدار أوامر تنفيذية إلى وزارات الدفاع والعدل والخارجية ووكالات الاستخبارات والوكالات الأخرى المعنية بتنسيق جهودها وتوجيه مواردها لتحقيق ذلك فى إطار زمنى محدد.
ولا يخفى على الأشخاص المساعدين للرئيس بايدن أنه ما دام هناك محتجزون فى جوانتانامو، فإن إدانات أمريكا المتكررة لمراكز الاعتقال التعسفية فى الصين وإيران وفنزويلا، وغيرها من أعداء واشنطن، ستبقى جوفاء.
لا تتجاهل الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مرور أكثر من 22 عاما والكثير من المعتقلين داخل جوانتانامو، وما يعنيه ذاك من أن المعتقلين أصبحوا من كبار السن، أى يعانون من أعراض الشيخوخة التى من المؤكد أنها تفاقمت بسبب التأثير التراكمى لتجاربهم والسنوات التى قضوها فى الاحتجاز.
فرض الكونجرس حظرا على السماح لأى من معتقلى جوانتانامو بدخول الأراضى الأمريكية، سواء للمحاكمة أو الاحتجاز أو حتى العلاج الطبى. لذلك لا يوجد مكان آخر تقريبا لسجن أولئك الذين يتوصلون إلى صفقات ادعاء، وبينما تطول قضاياهم، وتتدهور صحة السجناء، يجب نقل فرق من الأطباء والجراحين بانتظام إلى الجزيرة لعلاجهم.
قبل 15 عاما، أعلن الرئيس جورج بوش، الذى أنشأت إدارته مركز الاعتقال، بحلول نهاية فترة ولايته الثانية أنه يرغب بشدة فى إنهاء جوانتانامو. قدم باراك أوباما التزاما علنيا عند دخوله البيت الأبيض بأنه سيغلق المعتقل، لكنه أثبت أنه غير قادر على ذلك. وعلى النقيض من ذلك، اعتقد خليفته دونالد ترامب أن جوانتانامو وسيلة رائعة للتعامل مع الرجال السيئين ووقع أمرا تنفيذيا لإبقائه مفتوحا. ولا يزال بعض المشرعين، ولا سيما السيناتور ليندسى جراهام، الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، يطالبون بإبقاء جوانتانامو مفتوحا كمركز اعتقال للمشتبه فى ضلوعهم فى الإرهاب.
فى الوقت ذاته يتمتع الرئيس الأمريكى بالسلطة الكاملة لإزالة أى عقبات فى سبيل إغلاق المعتقل، ويمكن ذلك بإعادة السجناء المتبقين إلى أوطانهم، أو حملهم على صفقة ادعاء، حيث يقرون بالذنب، ويقضون بقية حياتهم فى سجون فيدرالية ذات حراسة خاصة ومشددة، كتلك التى سُجن فيها الشيخ عمر عبدالرحمن حتى وفاته، وذلك بدلا من عقوبة الإعدام.
يُعد مرور كل تلك السنوات منذ 2001، دون وقوع «عمليات إرهابية كبرى ضد الولايات المتحدة»، فرصة للرئيس بايدن، الذى يرفع شعارات حقوق الإنسان وسيادة القانون، لتنفيذ وعده الانتخابى الأكثر صعوبة خاصة مع خوضه انتخابات رئاسية مرة أخرى العام المقبل.