عالم جديد ملىء بالتحديات - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عالم جديد ملىء بالتحديات

نشر فى : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م
الكثيرون يتساءلون لماذا فوجئ الخبراء الذين يهتمون بما يجرى فى العالم بصورة عامة وبالشرق الأوسط بصورة خاصة، ولم ير أحد منهم أحداث الربيع العربى تقترب. ولم يتوقع أحد نشوء حركة داعش، كما لم يتنبأ أحد بأن أوروبا ستغرق بالمهاجرين. ولم يتنبأ أى خبير بما سيجرى فى الولايات المتحدة. وإذن، لا مفر من الاستنتاج بأن شيئا عميقا يحدث غيّر العالم الحالى إلى عالم غير مفهوم تقريبا.

إن المرة الأولى التى كان فيها العالم فى مثل هذا الوضع كانت بعد الحرب العالمية الأولى. يومها اختفى العالم القديم ولم يكن قد تشكل عالم جديد. ومؤتمر السلام الذى انعقد فى باريس سنة 1919 كان يفتقر إلى أدوات لمواجهة العالم الجديد الذى بلغت فيه الثورة الصناعية ذروتها.

كان مؤتمر فرساى، نوعا ما، محاولة من جانب الدول التى تزعمت العالم القديم، وفى طليعتها بريطانيا وفرنسا، للمحافظة على مكانتها. بعد 20 عاما من اتفاقات فرساى التى كان من المفترض أن تحقق سلاما عالميا، شهد العالم حربا رهيبة. وأدى إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان، واحتلال برلين إلى إنهاء الحرب ووضع قواعد جديدة منعت حربا جدية طوال 70 عاما.

لقد كان واضحا فى العالم الثنائى القطب الذى نشأ أنه لا يمكن لأحد الأطراف المس بمناطق نفوذ الطرف الآخر، وتعلم الزعماء العيش فى كنف منظومة تقوم على مركزين: الأول فى واشنطن، والثانى فى موسكو، وكان الاثنان قادرين على تدمير العالم تدميرا تاما بسلاح نووى لم يرغب أحد فى استخدامه بعد هيروشيما وناجازاكى.

***

لكن العالم الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية اختفى. والحدث الأكبر الذى غيّر هذا العالم هو انهيار الاتحاد السوفييتى فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى. واعتُبر الحادث فى العالم الإسلامى بمثابة انتصار للإسلام على قوى عظمى غربية، وبكونه السبب الأساسى فى سقوط الاتحاد السوفييتى.

قبل عشر سنوات على انهيار الاتحاد السوفييتى، نجح رجل دين شيعى بارز فى القيام بثورة فى إيران، الدولة الشيعية الأكبر. يشكل الشيعة 15% من مجموع المسلمين، وكانوا خلال مئات السنوات أقلية مضطهدة طورت ثقافة بؤس وغضب. لكن هذا تغير، فقد غيّر الخمينى الوجهة تغييرا كليا، وبزعامة إيران تحول الشيعة إلى قوة مسيطرة فى الشرق الأوسط. وفى مراحل معينة حاولوا مد أيديهم إلى دول غير شيعية، كما ركز الإيرانيون على بناء محور شيعى يبدأ من طهران ويمر ببغداد وصولا إلى دمشق وبيروت. وأكبر نجاح للإيرانيين فى «تصدير الثورة» هو تنظيم حزب الله فى لبنان.

***

إن الشرق الأوسط حاليا هو حصيلة ثلاث قوى: الإسلام السياسى الذى يحارب معالم الدولة العصرية؛ الاحتكاك إلى حد الحرب فى كل مكان يوجد فيه سنة وشيعة؛ وظروف محلية ناتجة عن فشل حكومات المنطقة فى توفير مستقبل أفضل لمواطنيها. فى معظم دول المنطقة شعر المواطنون بأن حكوماتهم لا تعمل كما يجب، وتقيم نظاما يحرص على خدمة المقربين منه، بالإضافة إلى شعورهم بالظلم الشديد.

وجعلت التغيرات التكنولوجية الوضع أكثر تعقيدا، وفقد الحكام السيطرة على المعلومات، وفقدوا بالتالى قدرتهم على التلاعب وقدراتهم الاستخباراتية التى استخدموها سنوات طويلة فى شتى أنحاء الشرق الأوسط. وعندما يقلص «الشرطى الإقليمى» حضوره تتغير نظرة جميع الأطراف القوية. يحاول الإيرانيون والإسلام الراديكالى استغلال غياب الولايات المتحدة لتعزيز قوتهم على حساب الدول التى بقيت سالمة بعد عاصفة «الربيع العربى»، فيما تسعى الدول السنية إلى تعزيز الوضع الراهن.

يقف متخذو القرارات حاليا أمام عالم جديد، عالم فيه التنظيمات أقوى من الدول، والولايات المتحدة أصبحت مختلفة عن السابق، وكثيرون فيها يحتجون على النظام السياسى فى بلدهم. إنه عالم ينجح فيه الشيعة لأنهم القوة المهيمنة، وسعر النفط يتدهور، والدول الغنية فى الخليج تتعرض للضغط، والإسلام السنى الراديكالى ينجح فى السيطرة على أراضٍ كبيرة ما بين العراق وسوريا، وفى سيناء وليبيا. إنه عالم أهم شىء فيه بالنسبة لأوروبا هو وقف موجة اللاجئين. فى مثل هذا العالم القواعد القديمة لم تعد صالحة، والقواعد الجديدة لم تتبلور بعد. لذلك، فإن تجربة الماضى أقل أهمية من أجل فهم المستقبل، والمنطق البسيط لا يصح دائما (مثلا القاعدة التى تقول عدو عدوك صديقك ــ لم تعد صالحة). وعندما يصبح كل شىء مختلفا عن السابق، يجب التفكير والتصرف بطريقة مختلفة، كما يجب بصورة خاصة ألا نتسرع.
يعقوب عميدرور

رئيس سابق لمجلس الأمن القومى

يسرائيل هَيوم
التعليقات