من بين الصور المروّعة للهولوكوست، برزت لقطة تُظهر جنديًا نازيًا يرتدي نظارة طبية يوجّه مسدسه إلى رأس رجل يهودي راكع أمام حفرة مليئة بالجثث.
عُرفت هذه الصورة لسنوات طويلة باسم "آخر يهودي في فينيتسا"، لكنها في الحقيقة صُوّرت يوم 28 يوليو 1941 في مدينة بيرديشيف الأوكرانية، التي كانت مركزًا مزدهرًا للحياة اليهودية قبل الاحتلال النازي.
البحث عن الحقيقة
وبحسب صحيفة الجارديان، عمل المؤرخ الألماني المقيم في الولايات المتحدة يورجن ماثيوس لسنوات على فك لغز الصورة، حيث استعان بالأرشيفات القديمة، وشهادات محلية، ورسائل عائلية، إضافة إلى متطوعين من مشروع "بيلينجكات" المتخصص في التحقيقات مفتوحة المصدر، ولأول مرة، جرى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمقارنة ملامح الجندي مع صور عائلية قديمة.
هوية الجندي
وقادت التحقيقات إلى اسم جاكوبس أونين، معلم لغات ورياضة من عائلة متعلمة، انضم إلى الحزب النازي قبل وصول هتلر إلى السلطة، ولم يحصل علي ترقية في رتبته، لكنه شارك في وحدات القتل الجماعي على الجبهة الشرقية، وقُتل لاحقًا في معركة عام 1943.
وأكد ماثيوس أن الأدلة لا تقتصر على نتائج الذكاء الاصطناعي، بل تشمل وثائق ومراسلات ومطابقات زمنية وميدانية، ما يمنح النتيجة مصداقية قوية.
مسار البحث خطوة بخطوة
بدأ ماثيوس بحثه قبل سنوات من خلال مراجعة أرشيفات الحرب العالمية الثانية ومحفوظات الجيش الألماني.
وفي عام ٢٠٢٤ ظهرت النتائج الأولية، حيث تمكن من تحديد أن الصورة ليست من فينيتسا كما اعتُقد طويلًا، بل من قلعة بيرديشيف بتاريخ 28 يوليو 1941، كما حدد أن المنفذين كانوا من وحدة Einsatzgruppe C التابعة لقوات الأمن الخاصة (SS).
أما التطور الجديد عام 2025، فتمّ بمساعدة الذكاء الاصطناعي ومقارنة صور قديمة من عائلة ألمانية معروفة، رجّح أن الجندي هو جاكوبس أونين.
وتمّ نشر هذه النتيجة مؤخرًا في مجلة أكاديمية ألمانية مرموقة تسمي Zeitschrift für Geschichtswissenschaft (مجلة الدراسات التاريخية).
قيمة الصورة في الذاكرة التاريخية
أهمية الصورة بالنسبة إلي ماثيوس أنها تُظهر المواجهة المباشرة بين القاتل والضحية، وتشير إلى أن الجنود الألمان كانوا يصوّرون مثل هذه اللحظات باعتبارها تذكارات، وتكشف كيف وثّق الجنود الألمان بأنفسهم جرائم الإبادة.
الضحية المجهولة
ورغم النجاح في تحديد هوية الجندي، يواصل الباحث وفريقه اليوم محاولة تحديد هوية الضحية في الصورة، لكن المهمة صعبة، لأن أغلب اليهود الذين أُعدموا في الأراضي السوفيتية المحتلة ظلوا بلا أسماء أو قبور معروفة، كما أراد القتلة أن يكون الأمر.