في ليلة مليئة بالوفاء والتقدير، احتفت نقابة المحامين بشرق طنطا بسبعين من رواد المحاماة، الذين تجاوزت خبرتهم أربعة عقود من العطاء المتواصل.
وكان التكريم بحضور النقيب العام عبدالحليم علام، الذي أعرب عن سعادته بمشاركة شيوخ المحامين في هذا الحدث، قائلا: "إننا جئنا لنحتفل ونحتفي بشيوخ المحامين الذين سبقونا في مهنة المحاماة والعمل النقابي، وذلك عرفانا وتقديرا لهم على كل ما قدموه لمهنة المحاماة"
وأعرب عن سعادته لتكريمه شيوخ المهنة مضيفًأ: "شرف عظيم لي اليوم التواجد في نقابة شرق طنطا للمشاركة في احتفالية تكريم شيوخ المحامين".
وأكد نقيب المحامين، أن تكريم شيوخ المحامين، سنة حميدة تسعى لها النقابة العامة والنقابات الفرعية، وأن تكريمهم يعد جزءًا صغيرًا بالنسبة لما قدموه للنقابة ولما بذلوه في المهنة على مدار سنوات.
ومن ضمن هؤلاء أجرينا الحوار التالي مع المحامي حسين الغرابلي، الذي شاركنا جوانب من رحلته المهنية، وتقديره لرسالة المحامي كونه أحد أطراف منظومة العدالة، فضلا عن شرف المهنة الهادفة لـ إعادة الحقوق وترسيخ العدالة.
وإليكم نص الحوار:
في البداية، نهنئك على هذا التكريم المستحق، ماذا يعني لك هذا التكريم؟
بصوتٍ مملوء بالفخر.. قال إنه شعور لا يوصف، مضيفًا: "أنا وزملائي المكرمين شعرنا بسعادةٍ غامرة، فهذا التكريم يُمثل تقديرًا للعمر الذي أفنيناه في خدمة هذه المهنة النبيلة، والمجهود الذي بذلناه، ونقل الخبرة للأجيال المقبلة".
دعنا نعود للوراء، ونبدأ رحلتنا من البدايات، كيف كانت انطلاقتك في عالم المحاماة؟
بدأت رحلتي مع المحاماة بعد تخرجي من الدفعة الأولى بكلية الحقوق جامعة المنصورة وبداية عملي في عام 1980، وكان التحدي الأكبر، ولا يزال؛ هو مواجهة الظلم والظالمين، والدفاع عن حقوق الناس وممتلكاتهم، كمن يجور على أموال أخيه أو جاره، وكنت أقبل القضايا التي أشعر فيها بوجود ظلم، وأقف بجانب المظلوم بكل قوة.
وما هي أبرز القضايا التي أثرت فيك خلال مسيرتك المهنية؟
هناك قضية منذ التسعينات لا تفارقني، كانت نقطة تحول في مسيرتي المهنية، دفعتني للابتعاد عن قضايا الجنايات، رغم الفرص الكثيرة التي عُرضت عليَ، وتتعلق بسيدة اتفقت مع زوجها على قتل شقيقه الذي كان طفلًا لم يتجاوز الثانية عشر، باستخدام سمّ ثعبان وضعوه في كوب ماء قدموه له.
في البداية حضرت مرحلة تجديد الحبس، لكني كنت أشعر وكأني أقف في صف الظالمين، جاءني أهل المتهمين الاثنين يطلبون الدفاع عنهما في محكمة الجنايات، فرفضت القضية، رغم عرضهم مبلغًا كبيرًا؛ لأن ضميري لم يسمح لي بالدفاع عن قاتلي طفلٍ بريء، وأخبرتهم أن مصير الزوجة سيكون الإعدام، والزوج السجن المؤبد، وتنحيت حتى عن محاولة تخفيف الحكم.
لو عاد بك الزمن، هل كنت ستختار مهنة المحاماة مرة أخرى؟
بلا شك، خلال مسيرتي، عُرض عليَ العمل في القضاء مرتين ورفضت، حيث كان يقع الخيار على نسبة قليلة من المحامين حوالي 5% للعمل في سلك القضاء، وكان الرفض نابعا من حبي للمحاماة؛ فهي مهنة راقية تعنى بإنصاف المظلومين واسترداد الحقوق لأصحابها.
ترافعت في قضايا كثيرة وفزت بها، بعضها كان يتعلق بمساكن وأراض كانت ضائعة على أصحابها، ووفقنا الله في إرجاع الحقوق إليهم، وفي قضايا أخرى، كان هناك من لفّق تُهما لأبرياء؛ بهدف ابتزازهم والمساومة على حقوقهم، ولكن بفضل الله؛ استطعنا رد الحقوق لأصحابها ونصرة المظلوم.
هذه هي رسالة المحاماة الحقيقية: مهنة راقية تساعد المظلوم وتعيد الحقوق لأصحابها، فهي أمانة وضعها الله في أعناقنا.
وبماذا تدين لكبار المحامين وشيوخ المهنة؟
رحم الله أساتذة كبارًا علموني أصول هذه المهنة، من فن الإلقاء وصياغة المرافعات إلى كيفية التعامل مع القضاة، والمتقاضين، كما غرسوا فينا قيمة احترام الناس والمتقاضين والقضاة ورجال الشرطة الذين كنا نتعامل معهم يوميًا.
ما رأيك في مستوى التعليم القانوني بكليات الحقوق في مصر حاليًا؟
جامعة المنصورة -التي تخرجت منها- ما زالت الجامعة الوحيدة التي تحافظ على مكانتها في مجال الدراسة القانونية، وتقدر العلم والقانون، حتى وإن لم تعد كما كانت في السابق، لكن بشكلٍ عام؛ أرى أن مستوى التعليم القانوني في الجامعات المصرية يحتاج المزيد من الدعم.
استقبل الكثير من طلاب الجامعة في مكتبي، الذين يفاجأون عند مشاهدة الكتب والموسوعات القانونية الضخمة التي كنا ندرسها ويتعجبون من حجمها وكثرتها، فلم يعد الطلاب يتلقون نفس الكم الهائل من المعلومات والكتب والمراجع التي كنا ندرسها في الجامعة، وبالتالي عندما يتخرجون إلى الحياة العملية؛ لا يمتلكون نفس الثقل المعرفي والقانوني الذي كان يتمتع به جيلنا.
ما هي أهم نصيحة توجهها للمحامين الشباب ؟
النصيحة الأهم التي أقدمها لشباب المحامين في بداية مسيرتهم المهنية هي: العلم والمعرفة والدراسة، لا يجب أن يظن في أي يوم من الأيام أنه قد وصل إلى قمة المعرفة، فأنا بعد 45 عاما من العمل في هذه المهنة؛ ما زلت أقول إنني أتعلم وسأظل أتعلم.
وعلى المحامي الشاب أن يقرأ ويثقف نفسه قانونيا، وأن يضيف إلى كل ذلك الأخلاقيات المهنية؛ فعليه أن يتعلم كيف يتعامل باحترام مع القضاء والمتقاضين وضباط الشرطة، يجب أن يكون قدوة حسنة للمهنة، ويحافظ على صورتها ومظهرها أمام المجتمع، فهذه الرسالة التي نحملها شرف لنا، ولابد أن يحترم المحامي ذاته ومهنته والقانون، والروب الأسود الذي يرتديه.
ما رأيك في دور نقابة المحامين تجاه دعم وتطوير المهنة؟
أرى أن النقابة تبذل جهودًا كبرى للغاية منذ تولي النقيب عبدالحليم علام؛ لتحسين أوضاع المحامين، وتطوير الخدمات المقدمة لهم من علاج ومعاشات وغيرها، وتشهد تقدما كبيرًا ملموسًا.
أتذكر فترة النقيب أحمد الخواجة، رحمه الله، والذي كان من خيرة نقباء المحامين، وساهم في رفع شأن هذه المهنة داخل مصر وخارجها.
قبل الختام.. دعنا نعود مجددًا إلى مشهد التكريم الأخير ماذا يُمثل لك؟
يؤكد لنا أن العمر الذي أمضيناه في هذه المهنة، والجهد الذي بذلناه، وحملنا لواء المحاماة، لم يذهب هباءً، التقدير شيء فاضل وجميل ومنحنا إحساسا بسعادة كبيرة.
بالنهاية، ما هي الرسالة التي تريد توجيهها للمحامين والجمهور؟
المحاماة رسالة، ومهنة راقية، أو «مهنة المهن» كما يحلو لنا أن نسميها، فهي المهنة التي تعيد الحقوق لأصحابها وتحافظ على حقوقهم.
أدعو الجمهور إلى مساعدة المحامين؛ الجمهور أحيانا يتدخل تدخلا غالبا ما يكون له تأثير سلبي على سير القضايا، أما زملائي المحامين، فأقول لهم: حافظوا على احترامكم لمهنتكم، فالدفاع عن حقوق الناس مذكور في القرآن الكريم.