أحمد أبو سيد خبير الطاقة العالمي لـ«الشروق»: استطيع تحويل المخلفات العضوية لمحافظة القاهرة فقط لمليار دولار سنويا - بوابة الشروق
الإثنين 7 يوليه 2025 2:35 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

أحمد أبو سيد خبير الطاقة العالمي لـ«الشروق»: استطيع تحويل المخلفات العضوية لمحافظة القاهرة فقط لمليار دولار سنويا

أحمد أبو سيد
أحمد أبو سيد
حوار- محمد المهم:
نشر في: الأحد 6 يوليه 2025 - 6:34 م | آخر تحديث: الإثنين 7 يوليه 2025 - 2:08 ص

-الائتمان الكربونى مستقبل مصر في السنوات القادمة
- أخشى على مصر من تبعات الاحتباس الحرارى والأيام الماضية خير دليل
-مصر تمتلك فرصًا ذهبية في تجارة الكربون.. وطاقة "جيوحرارية" هائلة غير مستغلة في البحر الأحمر
- قادرين على تنفيذ مشروعات الطاقة الخضراء.. لكن نحتاج للتخطيط والحوكمة




بينما يشهد العالم سباقًا متسارعًا نحو استغلال الموارد والمخلفات لتحقيق عوائد اقتصادية وحماية للبيئة، تبقى مصر واحدة من أكثر الدول التي لم تستثمر بعد في ثرواتها الخفية. وفي هذا السياق، كشف الدكتور مهندس أحمد سعيد أبو سيد، خبير الطاقة العالمي ومؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «أدڤانتكإنترناشيونال كوربوريشن» بتكساس، في حوار أجرته «الشروق»، عن مقترح مشروع ضخم لمعالجة مخلفات الصرف الصحي الصلبة (الحمأة) بالقاهرة، يمكنه تحقيق عائد سنوي يتجاوز مليار دولار.
لم يتوقف حديث "أبو سيد" عند حدود الأرقام، بل امتد إلى تحديات المناخ، وإمكانيات مصر الحقيقية في ملف تجارة الكربون وإدارة المخلفات الصلبة، وتجارب عالمية يمكن تبنيها، مؤكدًا أن مصر تملك فرصة حقيقية لتصدر المشهد في ملف الاقتصاد الأخضر شريطة أن تتوفر الإرادة، ويُعاد ربط التعليم بالتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر، باعتباره مفتاح النهوض الحقيقي للاقتصاد.

وإلى نص الحوار:


س: في البداية دكتور أحمد ما هي تفاصيل المشروع؟


المشروع يتضمن إنشاء شبكة من الآبار في محطات تجميع وفصل منتجات الصرف الصحي في محافظة القاهرة، تعتمد على دراسة للطبقات الأرضية، وستزود كل محطة بآبار ومعدات ضخ وحقن حديثة، بتكلفة من 5 إلى 8 ملايين دولار للمحطة الواحدة فقط، مع الاحتياج لمساحات محدودة للمعدات والعمال.
ويهدف المشروع إلى فصل المخلفات العضوية الصلبة في محطات الصرف بشكل مستدام وحقنها في طبقات جيولوجية معزولة في أعماق تتراوح بين 2 إلى 3 كليومترات مع تحقيق عائد اقتصادي كبير يمكن أن يوفر سنويًا ما يصل إلى مليار دولار للدولة حال تنفيذه بالكامل على شبكة الصرف بالقاهرة فقط، ويمكن تطبيقه في جميع المحافظات.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي منح وزارة الإسكان المصرية مليوني يورو لدراسة جدوى التخلص من الحمأة والمخلفات العضوية في محطات الصرف الصحي، مضيفًا: «عرضت على الوزارة تنفيذ جزء من المشروع، مع تحقيق عائد سنوي يضمن استمرارية تمويل المشروع وسنتمكن من بناء نموذج محطة تجريبية خلال فترة قصيرة».
وأكد أن المشروع حال تطبيقه بالكامل على شبكة الصرف بالقاهرة يمكن أن يتحول إلى مصدر دخل سنوي ضخم للدولة، مع تحسين البنية التحتية ومعالجة مشكلات الصرف بصورة مستدامة.



س أين تعمل الشركة وفي أي المجالات تحديدا؟


بدأنا عملنا منذ 24 عاما، وشركتنا يقع مقرها في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية والمتخصصة في إدارة المخلفات الصناعية والعضوية الصلبة والتخلص منها بالحقن في طبقات جيولوجية معزولة وعميقة. ولدينا في الولايات المتحدة 8 محطات منهم 3 متخصصين في حقن المخلفات العضوية والمحطات تعمل هناك حاليًا ونقوم ببيع الكربون الائتمانى الناتج عن طريق حقن المواد العضوية تحت الأرض.



س: تفاصيل المشروع الذي عرضتموه على وزارة الهجرة بخصوص معالجة المخلفات وعزلها؟


هو مشروع قمنا بتنفيذه بالفعل في كاليفورنيا، على مدى 12 عام، وقمنا هناك بتنفيذ محطة جمعت ما يساوي 4.5 مليون طن من الكربون الائتمانى، وذلك عن طريق حقن المواد الكربوهيدرات والمواد العضوية المتحللة ودفن المواد العضوية بطريقة طبيعية تمنع انبعاث الميثان للجو .
وبعد اقتراح الفكرة على وزيرة الهجرة السابقة سهى جندي كانت مرحبة بها، لكن لم يتم استكمال مناقشة المقترح.
وأذكر أنني تقدمت أيضًا للدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، بنفس المشروع ثم حولتنا لنائب وزير الإسكان الذى أبدى تردد في قبول الحل الذى اقترحته وأشار أنهم سيقومون بدراسة شاملة رغم أننى قدمت لهم مشروع تم تنفيذه قبل 12 عام في أمريكا ومشروع سيتم تنفيذه فورا ولا يحتاج للبدء في دراسته.
و بالمناسبة فقد التقيت بالرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 و 2017، وكان الرئيس حينها ومازال يبدي حرصًا واضحًا ورغبة صادقة في العمل والإنجاز لمصلحة مصر.

 

س: ماذا عن التحديات التي واجهتك أثناء تنفيذ مشروع عزل الكربون في مصر؟


 

للأسف، التحديات كثيرة وجزء منها له علاقة بالتغيرات الدولية ابتداءًا من أزمة كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، والدولار، والغاز.. حتى العام الماضي كنا متفائلين بتحسن الأمور لكن الاضطرابات بالمنطقة غيرت الأمور، كما أن السياسات الاقتصادية تحتاج تحقيق فعلي للنتائج تحقيق بعد مرحلة التفاوض .
الفكرة السائدة باستخدام المخلفات العضوية الصلبة كسماد أو وقود يؤدي إلى كارثة مناخية وبيئية في مصر نتيجة الاحتباس الحراري كخروج ثانى أكسيد الكربون والميثان للجو، وهذه الغازات ستؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة مما يؤدى إلى كوارث بيئية وخاصة على المدن الساحيلية وشمال الدلتا.

س: حدثنا عن فكرة تحويل المخلفات العضوية لائتمان كربونى .. كيف بدأت؟


عندما يتم عزل المواد العضوية تحت الأرض في طبقات آمنة نقوم بعزل كمية من الكربون الناتج عن الاستخدام السئ للمواد العضوية و منع وصول غارات الاحتباس الحراري لطبقات الجو العليا وبهذا يكون مبدأ عزل الكربون بالحقن على عمق يعمل، وهذا الأمر يساعدنا في الحصول على الائتمان الكربونى كغاز ثانى أكسيد الكربون والميثان.. وتعد قيمة هذا الائتمان الكربونى حوالي من 170 إلى 1000 دولار.
أذكر أن كل طن يتم عزله من هذه الغازات وهذه القيمة الاقتصادية تفوق بكثير قيمة استخدام المخلفات العضوية كسماد أو وقود حيث لا يتعدى قيمة طن السماد العضوى أكثر من 1200 جنيه علاوة على أنه ينتج كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري في الجو. و قد استخدمنا نفس الطريقة في محطات بكاليفورنيا والنتائج كانت ممتازة جدًا.



س: كيف تحافظون في هذه المحطات على حماية المياه الجوفية؟

عند اختيار طبقة حقن المخلفات العضوية لابد أن تكون هذه الطبقة معزولة 100% عن المياه الجوفية المستخدمة للشرب أو الزراعة، كما نقوم بعمل دراسات ونماذج محاكاة تثبت عدم تسرب المادة المحقونة لأي طبقة ثانية.



س: هل مصر قادرة على تنفيذ المشروع بنفس التقنيات؟


بكل تأكيد لدى مصر الإمكانيات والبنية التحتية والخبرات، لكن للأسف ما زلنا متأخرين في التطبيق، فعلى سبيل المثال نقوم باستخراج نفايات من مصانع البترول والغاز والبتروكيماويات بكميات ضخمة جدًا ويتم إلقاؤها في البحر والبحيرات الشمالية .



س: هل يوجد حلول مطبقة بالخارج يمكن نقلها عن المخلفات الخطرة؟


في دول مثل النرويج، فنزويلا، ألاسكا، أستراليا وبحر الشمال وإندونيسا وأمريكا الشمالية والجنوبية يقومون باستخدام نفس التقنيات منذ زمن بعيد.



س: ماذا عن استخدام المخلفات الزراعية والحيوانية كسماد؟


من المؤكد أن التربة تستفيد من الأزوت والمعادن الموجودة في المخلفات العضوية الصلبة لكن علميًا فهناك خطورة على النظام البيئي العالمي والثروة السمكية وارتفاع منسبوب مياه البحر. وبالتالي الأفضل دفنها بطرق حديثة تمنع انبعاث الغازات وتساهم في المحافظة على البيئة وفي الوقت ذاته تتحول إلى ائتمان كربونى.



س: هل الشركة تبيع ائتمان كربوني حاليًا؟


حتى الآن سلمنا اتئمان كربونى بقيمة 8 ملايين دولار من عقد قائم تصل قيمته إلى 58 مليون دولار خلال السنوات الثلاثة القادمة. حيث تقوم الشركات بشراء الكربون الذي نحتجزه في محطاتنا بالولايات المتحدة، ونعتمد على طبقات صخرية وملحية معزولة لتخزين الكربون على أعماق تتراوح بين 2 و3 كيلومترات تحت سطح الأرض.



س: مع التغير المناخي كيف ترى المخاطر على مصر؟


مصر كلها من إسكندرية لأسوان مسافة ألف كيلومتر، بفرق ارتفاع 10 أمتار فقط، وهو ما يعني أن كل سنتيمتر زيادة في البحر المتوسط يزحف على اليابسة كيلومتر تقريبًا.
وحاليا نتحدث عن توقعات بارتفاع حوالي 7.5 سنتيمتر خلال 25 سنة بسبب الاحتباس الحراري. فهناك تسارع في معدل التمدد الحراري و ارتفاع مستوى سطح البحر المتوسط حيث تزيد حرارة الطبقات العليا لمياة البحر بنحو 0.0041 درجة سنويا مما يؤدى إلى تمدد حراري واضح مما يساهم في رفع مستوى سطح البحر بمعدل 3 سم لكل عشرة سنوات .
علاوة على زيادة حرارة سطح البحر يزيد من مععدل التبخر مما يؤدى إلى زيادة تركيز الأملاح الأمر الذى يتسبب في تغير التوازن البيئي البحرى.
أذكر أيضا أن ارتفاع درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط ليس مجرد مسألة بيئية معزولة، بل له تبعات متشابكة تؤثر على النظم البيئية البحرية، والموارد الطبيعية، والاقتصاديات المحلية لسكان السواحل. والتعامل مع هذا التحدي يتطلب استراتيجيات إدارة متكاملة تشمل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ومراقبة التنوع البيولوجي، وتعزيز قدرات المجتمعات الساحلية على التكيف.
وما نشهده في الأيام الأخيرة خير دليل على نتائج الاحتباس الحراري على مصر، ولن يكون مبالغًا فيه القول إن التجمعات السياحية على الساحل الشمالي ستتعرض للغرق حال ارتفاع منسوب البحر المتوسط بعدة سنتيمترات.

س: كيف تستفيد مصر من تجارة الائتمان الكربوني؟

الرئيس والحكومة فعلاً تحركا والبرلمان وافق على بورصة الكربون، وصدرت بعض القوانين، لكن تبقى المشكلة في التنفيذ والتوعية. مطلوب خطة قومية حقيقية، لا يمكن أن نطلب من أوروبا وأمريكا تقليل الكربون، ونرمي كربون في الجو. حاليا حتى شركات الطيران تعمل "كربون نيوترال" للرحلات، وتشتري "كربون كريدتس" لتعويض الانبعاثات التي تخرج من الطيران وتجمع أموالا وتعطيها للشركات التي تقوم بجمع الكربون من الجو. للمحافظة على موقفنا الدولي يجب الاعتناء بالمناخ، فأوروبا لو لم تجد نظام اقتصاد أخضر لن نستورد من مصر.

 


س: هل لدى مصر فرصة حقيقية لتتصدر المشهد في الاقتصاد الأخضر؟

 


بكل تأكيد مصر تتصدر العالم في كمية الطاقة الشمسية ولديها محطات طاقة رياح ويعد ساحل البحر الأحمر من أكثر المناطق الغنية بالطاقة الجيوحرارية التي لم تستغل بعد والتي تكفى لتغطية الاحتياج المحلى.
وفي محور قناة السويس، لدينا فرص تصديرية واعدة وكفاءات بشرية مؤهلة، وما ينقصنا هو الإسراع في التنفيذ. في النهاية، الاقتصاد الأخضر لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة أمن قومي وعائد اقتصادي كبير جدًا.



س: في الختام.. ما الذي تحتاجه مصر اليوم كي تواكب مسيرة التقدم عالميًا؟


مصر تمتلك مقومات فريدة لا توجد في أماكن كثيرة حول العالم، وموقعنا الجغرافي متميز، ولدينا طاقة شمسية وحرارية متجددة على مدار العام، إلى جانب وفرة في المخلفات العضوية التي يمكن استغلالها لإئتمان كربونى .
لكن التحدي الأكبر أننا ما زلنا نُخرج آلاف الخريجين من كليات مثل الحقوق والتجارة، بينما نتجاهل مجالات المستقبل مثل البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات، ونحن بحاجة لتنمية المهارات الإنسانية والفنية، والانفتاح على تخصصات تدفع الاقتصاد سريعًا للأمام.
لماذا نذهب لشركات خارج المنطقة لنطلب منها تطوير ذكاء اصطناعي باللغة العربية، بينما يمكننا استغلال العقول والموارد الموجودة لدينا؟ لدينا مبرمجون، ولدينا احتياج، وما ينقصنا هو الحوكمة والتخطيط السليم.
كذلك لا يوجد اهتمام كافٍ بالحرفيين أو بالتعليم المهني والتقني، في وقت تحتاج فيه السوق المصرية لكل يد ماهرة، والمطلوب اليوم ليس فقط إصدار قوانين، بل تطبيق الحوكمة بشكل عملي يتكامل مع احتياجات المجتمع.
إذا بدأنا في تنظيم هذه القطاعات وتطوير التعليم وربط التكنولوجيا بالصناعة، يمكن لمصر أن تبدأ في التعافي والنهوض خلال سنوات قليلة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك