أم لثلاثة أطفال: الاحتلال يسمح بإدخال شوكولاتة ومكسرات بينما لا أجد البيض أو الدجاج أو الأجبان ما يهدد الناس بسوء تغذية خطير
فلسطيني: أكثر من 85% من السلع الموجودة في الأسواق كماليات
تاجر بغزة: السوق عبارة عن صورة مصطنعة للتضليل الإعلامي وإسرائيل تريد إظهار غزة للعالم وكأنها تتسوق
للوهلة الأولى يظن مَن يمرّ في أسواق قطاع غزة أن الحياة عادت إلى طبيعتها بعد حرب إبادة جماعية إسرائيلية استمرت سنتين.
فرفوف المحال التجارية عامرة ببسكويت وصناديق شوكولاتة مستوردة وعبوات نسكافيه وعلب رقائق بطاطس.
لكن الحقيقة مختلفة تماما، كما يقول تجار ومواطنون عن الوضع في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 10 أكتوبر الماضي.
فخلف هذه الرفوف المكدسة بكماليات استهلاكية، تتوارى أزمة إنسانية ومعيشية خانقة تهندسها إسرائيل لتجويع الفلسطينيين.
إذ يحرم الحصار الإسرائيلي الفلسطينيين من السلع الأساسية، وتديره تل أبيب بطرق ممنهجة، لتزرع الوهم وتحاول إخفاء التجويع.
سوء تغذية
من بين مَن يعانون من التجويع الإسرائيلي الفلسطينية آية أبو قمر، وهي أم لثلاثة أطفال من مدينة غزة، تحدثت لمراسل الأناضول بينما تتجول بين محلات.
وقالت أبو قمر: "لم أجد البيض أو الدجاج أو الأجبان منذ بدء إدخال المواد الغذائية إلى قطاع غزة".
وتابعت: "كل ما أراه هو شوكولاتة ومكسرات ونسكافيه. هذه ليست احتياجاتنا اليومية، نحن نبحث عما يسد رمق أطفالنا".
وبغضب مكبوت أردفت: "الاحتلال يسمح بدخول هذه المواد ليظهر للعالم أنه يسهّل إدخال البضائع".
واستدركت: "لكنها في الحقيقة بلا فائدة صحية. معظمها سكريات وكربوهيدرات، تفتقر للبروتينات والفيتامينات، وهذا يهدد الناس بسوء تغذية خطير".
ومتوجهةَ برسالة إلى العالم قالت الأم الفلسطينية: "ساعدونا على إدخال الغذاء والدواء، وليس الرفاهية. نريد أن نحيا حياة كريمة، لا أن نموت خلف واجهات البضائع اللامعة".
ويقول الفلسطينيون إن الإبادة توقفت، لكن إسرائيل لم تنه الحرب، إذ تواصل تقييد إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات الطبية وتمنع إعادة الإعمار.
وهذه الإبادة خلّفت 68 ألفا و875 قتيلا فلسطينيا، و170 ألفا و679 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية، مع تكلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
سوق ميتة
في سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يقف التاجر فضل سعد أبو دلال، صاحب مول تجاري، أمام رفوفه المليئة ببسكويت ومشروبات غازية، لكنه يهزّ رأسه بحسرة على عدم توفر السلع الأساسية.
وقال أبو دلال للأناضول: "هذه البضائع لا تساوي شيئا أمام احتياج الناس للطحين والدواء".
وشدد على أن "إسرائيل تتعمّد إدخال الكماليات بكميات كبيرة والأساسيات بكميات محدودة، في سياسة واضحة لإدارة الحصار بطريقة جديدة".
أبو دلال أردف: "المواطنون يشاهدون هذه السلع، لكنهم لا يشترونها. لا توجد سيولة نقدية ولا رواتب ولا عمل".
واستطرد: "أكثر من نصف الزبائن يدخلون المتجر للسؤال فقط أو لتصفّح الأسعار، ثم يغادرون بصمت. السوق ليست حية كما يظن البعض، بل ميتة من الداخل".
ووصف المشهد بأنه "صورة مصطنعة للتضليل الإعلامي.. إسرائيل تريد أن تظهر للعالم أن غزة تتسوق، بينما الحقيقة أن الناس تتضور جوعا".
عقاب جماعي
"نحن نعيش أزمة حقيقية منذ بداية الحرب".. هكذا بدأ الفلسطيني عبد الحي أبو شمالة، صاحب مصنع مفروشات دمّره القصف الإسرائيلي، حديثه للأناضول.
وبينما يشير إلى سوق خالٍ من المشترين ومليء بالمتفرجين أوضح أبو شمالة أن هذه الأزمة تتمثل في أن "أكثر من 85 بالمئة من السلع الموجودة في الأسواق كماليات".
وأضاف أن "المواد الأساسية كالطحين وزيوت الطهي والبيض واللحوم والدواجن نادرة أو شبه معدومة".
وشدد على عدم دخول البيض إلى قطاع غزة منذ شهور طويلة، رغم أنه غذاء رئيسي للأطفال وكبار السن ومصدر أساسي للكالسيوم.
وبنبرة متعبة، قال إن "الاحتلال يتحكم بكل ما يدخل إلى غزة، فيسمح بدخول الشوكولاتة والمشروبات الغازية، بينما يمنع الطحين والوقود".
وأكد أن "هذا ليس حصارا فحسب، بل عقاب جماعي يطال قوت الناس".
أبو شمالة زاد بأن القطاع الصناعي في غزة توقف بالكامل.
واعتبر أن حركة الأسواق اليوم "ليست سوى استنزاف لما تبقى في جيوب المواطنين المنهكين من الغلاء.. القطاع بحاجة إلى الأساسيات قبل أي رفاهية".
هندسة الأزمة
أما مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة فقال للأناضول إن "الاحتلال" يواصل التحكم في تدفق البضائع بطريقة انتقائية تخالف الاتفاقات الموقعة.
وأضاف: "وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار، من المفترض أن تدخل 600 شاحنة (مساعدات) يوميا إلى القطاع، لكن ما يُسمح به فعليا لا يتجاوز 145 شاحنة، أي بنسبة التزام لا تتعدى 24 بالمئة".
وأفاد بأن "معظم هذه الشاحنات محملة بالكماليات على حساب المواد الغذائية والدوائية الأساسية، وهو ما يمثل نوعا جديدا من سياسة إدارة التجويع وهندسة الأزمة".
و"نحن نوثق كل خرق ونرفعه للوسطاء والدول الضامنة، فالاحتلال خرق الاتفاق 194 مرة حتى الآن، والطائرات ما زالت تحلق فوق رؤوسنا رغم الحديث عن وقف إطلاق النار"، كما أردف الثوابتة.
وحمّل "الاحتلال" المسؤولية الكاملة عن تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني.
ودعا الثوابتة المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل "للإفراج عن حياة الفلسطينيين المحتجزة خلف المعابر".