بعد نحو عامين من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عقب هجوم 7 أكتوبر 2023، ما زالت قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حماس تشغل الرأي العام الإسرائيلي. إذ احتجزت الحركة خلال الهجوم 251 شخصًا، بينهم 30 شخصًا كانوا يحملون الجنسية الألمانية أو ينتمون لعائلات من أصول ألمانية، وفقًا لما ذكرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلًا عن السفارة الألمانية.
وأشارت السفارة إلى أن العدد تقلّص اليوم ليصبح 7 فقط من أصل نحو 50 رهينة ما زالوا في غزة، يحملون الجنسية الألمانية.
شروط منح الجنسية الألمانية
تسعى ألمانيا إلى تغيير صورتها التاريخية خلال الحقبة النازية، لتصبح اليوم من أبرز الدول الداعمة لإسرائيل.
ومنذ بداية الحرب على غزة، عملت برلين على تسهيل حصول بعض الأسرى الإسرائيليين على الجنسية الألمانية، من خلال إجراءات استثنائية اعتمدت على تعديلات قانونية أُقرّت عام 2021.
وتنص هذه التعديلات على أن اليهود الذين ينحدرون من عائلات نجت من معسكرات الاعتقال النازية يحق لهم استعادة الجنسية الألمانية، ويمكنهم نقلها إلى أبنائهم وأحفادهم. ويكفي أن يحمل أحد أفراد عائلة الأسير الجنسية الألمانية، حتى وإن لم يكن هو نفسه ألمانيًا، ليتم تسهيل منحه الجنسية.
إجراءات استثنائية
عادةً ما تستغرق إجراءات الحصول على الجنسية الألمانية أكثر من عامين، وتشمل خطوات قانونية معقدة. لكن في حالة الأسرى الإسرائيليين، حصل من تنطبق عليهم الشروط على جواز السفر الألماني خلال أسبوعين فقط.
وبحسب محامية ألمانية-إسرائيلية متخصصة في قضايا الهجرة، فقد أُدرجت أسماء هؤلاء الأسرى ضمن "قائمة الأزمات" التابعة لوزارة الخارجية الألمانية، مما سمح لهم بالحصول الفوري على الجنسية، عبر السفارة الألمانية في تل أبيب، وبشكل سري تمامًا دون أي إعلان إعلامي.
تعديلات 2021 لتوسيع نطاق الجنسية
ألمانيا لم تكتفِ بتسهيل الإجراءات خلال الحرب، بل كانت قد أجرت تعديلات في عام 2021 لتوسيع دائرة اليهود المؤهلين للجنسية. ففي السابق، كان يحق فقط لأحفاد اليهود الذين تم سحب جنسيتهم في عهد النازية التقدّم بطلب استعادة الجنسية.
أما بعد التعديل، فقد شملت الأهلية أحفاد يهود عاشوا في ألمانيا قبل عام 1933، وتم ترحيلهم أو اضطهادهم بسبب ديانتهم، حتى وإن لم يكونوا يحملون الجنسية الألمانية أصلًا.
جهود دبلوماسية للإفراج عن الأسرى الألمان
منحت ألمانيا الجنسية لبعض الأسرى الإسرائيليين، لتتمكن من التحرك دبلوماسيًا باعتبارهم "مواطنين ألمان".
ومنذ بداية الحرب، كثّفت الحكومة الألمانية جهودها السياسية عبر التواصل مع دول مؤثرة، وطرحت الملف في البرلمان الأوروبي، أملًا في الضغط على حركة حماس للإفراج عنهم.
دعم معنوي ورسمي من الحكومة الألمانية
في سابقة تعكس تغيرًا في سياسة برلين تجاه إسرائيل، زار عدد من الوزراء الألمان تل أبيب منذ السابع من أكتوبر، والتقوا عائلات الأسرى من مزدوجي الجنسية.
كما التقى وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول بعائلات الأسرى السبعة المحتجزين في غزة، وحاولت الحكومة الألمانية التوسط لوقف إطلاق النار، لكن مساعيها لم تُكلل بالنجاح، بسبب تمسّك الجانب الإسرائيلي بموقفه.
لقاءات رفيعة لعائلات الأسرى في برلين
بعد حصول بعض الأسرى على الجنسية الألمانية، زارت عائلاتهم برلين للقاء كبار المسؤولين ومناقشة تطورات الملف. والتقوا خلال الزيارة بخبير الاستخبارات الألماني جيرهارد كونراد، المعروف بتنسيقه لصفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس وحزب الله، ومن أبرزها صفقة جلعاد شاليط.
من موقع حرق الكتب النازية إلى "ساحة الأسرى"
شهدت الزيارة أيضًا افتتاح "ساحة الأسرى" وسط برلين، قرب الموقع الذي أُحرقت فيه الكتب اليهودية خلال الحقبة النازية، في إشارة رمزية إلى تحوّل في تعامل ألمانيا مع تراثها التاريخي.
رغم الجهود.. ألمانيا غائبة عن طاولة التفاوض
رغم قوتها الاقتصادية باعتبارها الدولة الأكبر في الاتحاد الأوروبي، وثالث أقوى اقتصاد في العالم، لم تنجح ألمانيا في لعب دور رئيسي في مفاوضات التهدئة بين إسرائيل وحماس. ويُعزى ذلك إلى غياب أدوات الضغط السياسي أو الأمني التي تملكها دول مثل مصر وقطر والولايات المتحدة، ما يجعل جهود ألمانيا تقتصر على ملف الأسرى دون التأثير الفعلي على مسار الحرب.
جواز السفر الألماني.. بوليصة تأمين في أوقات الأزمات؟
شهدت السفارة الألمانية في إسرائيل موجة ثانية من طلبات الجنسية بعد الحرب، تشبه تلك التي حدثت عام 2023 بعد التعديلات القضائية الإسرائيلية.
هذا الإقبال يفتح باب التساؤل: هل يرى الإسرائيليون في الجنسية الألمانية ملاذًا آمنًا؟ وهل يُعد جواز السفر الألماني "بوليصة تأمين على الحياة" في ظل واقع يتسم بالخوف وانعدام الاستقرار، رغم مرور أكثر من سبعة عقود على تأسيس إسرائيل؟