برحيل الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم، يفقد العالم الإسلامي واحدًا من أبرز علمائه الذين حملوا رسالة الأزهر إلى قارات العالم، وكرّسوا حياتهم للدعوة إلى الوسطية، ونشر قيم التسامح والاعتدال، كما لم يكن مجرد أستاذ في الحديث النبوي أو رئيس سابق لجامعة الأزهر، بل كان سفيرًا حقيقيًا للفكر الإسلامي المستنير، وترك أثرًا واسعًا في المحافل الدولية والجامعات ومؤسسات الحوار عبر مسيرة امتدت لأكثر من نصف قرن.
حضور عالمي من مكة إلى برلين
منذ سبعينيات القرن الماضي، بدأ الدكتور أحمد عمر هاشم يمثل الأزهر الشريف في مؤتمرات ومنتديات دولية حملت قضايا الإسلام إلى المنابر العالمية، حيث شارك في مؤتمر مكة المكرمة السنوي الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، وألقى كلمة مؤثرة بعنوان "الإسلام دين الوسطية والاعتدال"، وفي مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، تحدث عن ضوابط الفتوى وسبل مواجهة التطرف الفكري.
كما شارك في مؤتمر حوار الأديان ببرلين بألمانيا، وزار دولًا عدة منها إندونيسيا وماليزيا وباكستان والسودان، ضمن وفود أزهرية رسمية هدفت إلى توطيد العلاقات التعليمية والدعوية بين الأزهر وتلك الدول، وفي الخرطوم، ألقى كلمة أمام مؤتمر منظمة الدعوة الإسلامية حول دور العلماء في مكافحة الفقر والجهل بالحكمة والموعظة الحسنة.
تعاون علمي وتأسيس جسور أكاديمية
أيضًا خلال فترة رئاسته جامعة الأزهر (1995–2003)، عزز هاشم حضور الأزهر عالميًا من خلال اتفاقيات تعاون مع جامعات في العالمين العربي والإسلامي، أبرزها جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر والجامعة الإسلامية في إسلام آباد - باكستان.
كما أسهم في تأسيس مراكز لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في نيجيريا وتشاد ومالي، وأشرف على عشرات الرسائل الجامعية لطلاب من آسيا وإفريقيا، كان كثير منهم نواة لجيل جديد من العلماء المنتشرين حول العالم، ودعم برنامج المنح الدراسية للطلاب الأجانب بالأزهر، معتبرًا أن تنوع الطلاب هو قوة الإسلام في وحدته رغم اختلاف الثقافات.
خطاب إعلامي تجاوز الحدود
لم يكتفِ الدكتور أحمد عمر هاشم بالمنابر العلمية، بل استخدم الإعلام كأداة مؤثرة في نشر القيم الإسلامية، حيث قدم سلسلة برامج شهيرة مثل "حديث الروح" و"في رحاب الإيمان" على التلفزيون المصري، تمت ترجمة بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية، كما شارك في برامج دينية على قنوات عربية وعالمية مثل "اقرأ" و"الرسالة" و"Peace TV"، تحدث خلالها عن وسطية الإسلام ومقاصده الأخلاقية.
صوت للحوار والتعايش
كما كان الدكتور هاشم من أبرز الداعين إلى الحوار بين الأديان والثقافات، وشارك في ندوة الأزهر والفاتيكان بالقاهرة عام 2002 تحت عنوان "القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية".
كما ألقى كلمة في مؤتمر حوار الحضارات في ماليزيا عام 2008، أكد فيها أن الإسلام يدعو إلى التعارف والتكامل الإنساني لا الصدام، وشارك في فعاليات بيت العائلة المصرية، واستقبل وفودًا من مجلس الكنائس العالمي والأمم المتحدة، داعيًا إلى احترام المقدسات ورفض الإساءة إلى الرموز الدينية.
فكر يتجاوز اللغة والزمان
إضافة إلى أنه امتد أثره إلى ميادين البحث والعلم من خلال أعماله المترجمة، حيث نُقلت كتبه الشهيرة إلى لغات عدة مثل "السنة النبوية ومكانتها في التشريع" و"من أخلاق الرسول"، وتم استخدام بعض فصولها كمراجع في كليات الشريعة في باكستان وإندونيسيا ونيجيريا، كما ترجمت محاضراته بجامعة جاكرتا الإسلامية ضمن سلسلة تعليمية عن الحديث النبوي، مما رسخ فكره في أوساط أكاديمية متنوعة.