ليس البشر فقط هم أصحاب الحكمة مع تقدمهم في السن، بل الحيوانات أيضا، ووفقًا لمجموعة من الأبحاث يمكن أن يصل عمر سمكة الجاموس ذات الفم الكبير إلى 127 عامًا، وسمك قرش جرينلاند 392 عامًا، ويمكن أن تعيش بعض الإسفنجيات لمدة 10000 عام أو أكثر.
والعمر ليس مجرد رقم، فمع تقدم الحيوانات في السن، تتصرف بشكل مختلف اعتمادًا على تجاربها الحياتية، وتكتسب معرفة أكثر ثراءً عن بيئتها، وغالبًا ما تنقلها إلى الأعضاء الأصغر سنًا في مجموعتها.
وحذر الباحثون خلال بحث نشر في مجلة ساينس الشهر الماضي، والتي حللت أكثر من 9000 ورقة بحثية، من أن "الحيوانات القديمة على الأرض آخذة في الانخفاض"، مؤكدين أن عدد قليل من الحيوانات يصل إلى سن الشيخوخة، كما أن الحيوانات التي تصل إلى سن الشيخوخة معرضة للصيد أو الحصاد من قبل البشر، لأنها أكبر حجما أو لديها قرون أو أنياب أكبر.
ووفقا لصحيفة الجارديان البريطانية، يحذر الباحثون من أن القضاء على أكبر الحيوانات وأكثرها خبرة يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الثقافة الجماعية والهياكل الاجتماعية، حيث يناقشون نهجًا جديدًا يسمى "الحفاظ على طوال العمر".
ويقول الباحث الرئيسي كيلر كوبف، عالم البيئة في جامعة تشارلز داروين في أستراليا، إن الكثير من الأبحاث حول الشيخوخة ركزت على الجوانب الصحية السلبية، مؤكدا أن هذه الفكرة التبسيطية حول عدم أهمية الأفراد المسنين للسكان، أو للبيئات، ليست في الحقيقة القصة الكاملة، وكلما فحص مجموعات مختلفة من الحيوانات، كلما عثر على أمثلة رائعة توضح قيمة المخلوقات الأكبر سنا.
ووفقا للصحيفة، فإن الحيتان والفيلة وحيوانات الصيد لديها أفراد كبار في السن تحمل المعرفة الثقافية الحيوية وتحافظ على الهياكل الاجتماعية، على سبيل المثال، تمتلك إناث الأفيال الأكبر سنا "ذاكرة اجتماعية" تحدد من هو الصديق أو العدو، وتكون أكثر انسجاما مع المخاطر المحتملة مثل الاستماع إلى الأسود، وتعتبر الحيتان القاتلة بعد انقطاع الطمث هي الأفضل في العثور على مناطق علف سمك السلمون.
ويمكن للطيور الأكبر سنًا أن توفر طعامًا ورعاية أفضل لنسلها، ويمكن للشعاب المرجانية في أعماق البحار التي يمكن أن تنمو لآلاف السنين أن توفر مأوى مهمًا للثدييات البحرية، وعلى الرغم من أن الثدييات الأكبر سنًا قد تنتج عددًا أقل من النسل بنفسها، إلا أنها تساعد نسلها على إنتاج الصغار ورعايتهم، وهذا ما يسمى "فرضية الجدة" للسكان الأصحاء، والتي تمت دراستها لأول مرة على البشر، ولكن تم استكشافها أيضًا في الأفيال وحيتان الأوركا.
ويقول كولوم براون، عالِم الأحياء السمكية بجامعة ماكواري في سيدني، والذي لم يكن جزءًا من الدراسة الأخيرة، إن قتل الأعضاء الأكبر سنًا من نوع ما من المرجح أن يمثل مشكلة كبيرة لإدارة مصايد الأسماك.
ويؤكد براون، "الشيء الأساسي هنا هو أن العديد من السلوكيات المهمة، مثل الهجرة إلى مناطق التكاثر والتغذية، تنتقل اجتماعيًا في الكثير من أنواع الأسماك"، متابعا، "تخيل سمكة تسبح في المحيط، فإن فرص العثور على أفضل مواقع التغذية أو التكاثر عن طريق الصدفة تكاد تكون معدومة، ولهذا السبب يعد اتباع الاستراتيجيات الناجحة التي تنتقل عبر الأجيال أمرًا في غاية الأهمية."
وتؤكد الصحيفة أنه مع تقدم أمهات الثدييات في السن، ينخفض إنتاجهن الإنجابي، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للأسماك والزواحف، فعدد نسل الأسماك يزداد مع تقدم العمر، وقد يكون لدى هؤلاء النسل أيضًا فرص أكبر للبقاء على قيد الحياة.
ويقول كوبف: "من المرجح أن يكون لدى الأفراد الأكبر سنا معرفة ثقافية مهمة، لذلك إذا كانت ممارسات الصيد لدينا تهدف إلى اصطياد هؤلاء الأفراد، فإن الثقافة تنهار"، و"المشكلة هي أنه بمجرد فقدان الثقافة، يكون من الصعب جدًا استعادتها."
وتشير أبحاث كوبف إلى أهمية "النقل الثقافي" الذي لا يعترف فقط بأن الحيوانات لديها ثقافة، بل أن هؤلاء الأفراد ينقلون تعلمهم الاجتماعي إلى أفراد آخرين، ويميل الأفراد الأكبر سنًا إلى تجميع أكبر قدر من المعرفة، مثل كيفية تحديد أماكن المياه خلال فترات الجفاف، وإيجاد أماكن آمنة للمأوى، والعثور على أغذية جديدة في أوقات الندرة.
وعلى نطاق أوسع، هناك إدراك متزايد بين ممارسي الحفاظ على البيئة أننا بحاجة إلى إيلاء قدر أكبر من الاهتمام للتعلم الاجتماعي والثقافة في الحيوانات، والطريقة التي تتراكم بها هذه الثقافة في الكائنات الفردية.
وقال كوبف، إن فقدان الأفراد المسنين يمكن أن يكون عاملاً دافعًا للعديد من الأنواع المهددة بالانقراض، "إنه أمر غير معترف به حاليًا من قبل الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، ولكن ظهر مؤخرا أن فقدان هؤلاء الأفراد المسنين يمكن أن يكون مساهمًا رئيسيًا في انخفاض تلك الأنواع"، على سبيل المثال، تؤدي الأفيال الأكبر سنًا وظائف مهمة في المجموعات الاجتماعية، ولكن يتم اصطيادها بشكل منهجي للحصول على مكانتها التذكارية وأنيابها الأكبر.
ويدعو كوبف وزملاؤه إلى "الحفاظ على طول العمر"، ويقول المؤلفون للأبحاث: "تلعب الحيوانات المسنة دورًا حيويًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي، وبالتالي تتطلب توجيهات سياسية مخصصة، ودوافع سياسية وإدارة حذرة".