اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، ليكون الإسلام منهجًا متكاملًا يحكم حياة المسلمين وفق كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، اجتهد العلماء في فهم نصوص الوحي، واستنباط الأحكام الشرعية، فظهر علم أصول الفقه ليضع القواعد المنهجية التي تضبط عملية الاجتهاد والاستنباط.
وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.
الحلقة التاسعة..
من هو الإمام الشافعي؟
هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وُلد عام 150 هـ، في العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة، ونشأ في مكة حيث حفظ القرآن صغيرًا، ثم تنقل بين مكة والمدينة واليمن والعراق ومصر، طلبًا للعلم، وفقًا لما ورد في "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي.
تتلمذ على يد كبار العلماء، وكان من أبرزهم الإمام مالك، كما تأثر بمناهج أهل الحديث وأهل الرأي، مما ساعده في وضع منهج متوازن بين النصوص الشرعية والاجتهاد العقلي، وتوفي عام 204 هـ في مصر، وفقًا لما ذكره ابن خلكان في "وفيات الأعيان".
ما مميزات كتاب الرسالة؟
يعد "الرسالة" أول كتاب مستقل في علم أصول الفقه، حيث وضع فيه الإمام الشافعي القواعد المنهجية التي تضبط استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة، وفقًا لما ورد في "إرشاد الفحول" للشوكاني.
ومن أهم ما يميز الكتاب:
1- تقعيد علم أصول الفقه: قبل "الرسالة"، كانت قواعد الاجتهاد متناثرة في كتب الفقهاء، فجاء الشافعي وجمعها في كتاب واحد، كما ذكر ابن خلدون في "المقدمة".
2- التأكيد على حجية السنة: دافع الإمام الشافعي عن مكانة الحديث النبوي في التشريع، وردّ على من كانوا يكتفون بالقرآن وحده في الاستدلال، وفقًا لما جاء في "البحر المحيط" للزركشي.
3- وضع ضوابط الاجتهاد: ناقش الإمام الشافعي أساليب الاستدلال، مثل القياس، والإجماع، والاستصحاب، والاستحسان، وأوضح كيفية استخدامها، وفقًا لما ورد في "البرهان في أصول الفقه" للجويني.
ما أهم القضايا التي ناقشها الشافعي في الرسالة؟
حجية الكتاب والسنة: شدد على أن السنة مكملة للقرآن ومفسرة له، فلا يمكن فهم الأحكام الشرعية دون الرجوع إلى الحديث، كما ورد في "مناقب الشافعي" للبيهقي.
الاجتهاد والقياس: بيّن الشافعي أن القياس لا يعني التلاعب بالنصوص، بل هو أداة لفهم الأحكام الشرعية في المسائل التي لم يرد فيها نص صريح، وفقًا لما ذكره الغزالي في "المستصفى".
رفض الرأي المجرد: انتقد الشافعي اعتماد بعض الفقهاء على العقل وحده دون الاستناد إلى نصوص الشرع، معتبرًا أن الفقه لا بد أن يستند إلى الدليل الشرعي، كما جاء في "شرح الكوكب المنير" لابن النجار.
اقتباس من الكتاب
يقول الإمام الشافعي في "الرسالة": "كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب، ففيما سنه سنة لازمة، أخذ بها، وله على الأمة الفرض بأن يطيعوه، وحكم الله في ذلك حكم واجب، لا يُعذر أحد بتركه".
وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية..
اقرأ أيضا
المكتبة الإسلامية ( 8 ).. مسند الإمام أحمد بن حنبل أضخم موسوعة حديثية في الإسلام