بعد دخولها العاصمة السورية دمشق، وإسقاطها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تمكنت قوات المعارضة السورية من اقتحام سجن "صيدنايا" وتحرير المعتقلين منه.
ويعد "صيدنايا" أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، وواحد من أكثر الأماكن سرية في العالم، والذي أُطلق عليه "المسلخ البشري" بسبب التعذيب والحرمان والازدحام داخله، ولُقب أيضا بـ"السجن الأحمر" نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها.
في عام 2019، رصد كتاب "سجن صيدنايا خلال الثورة السورية: شهادات"، الذي أطلقته "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، تفاصيل مروعة عن الحياة داخل السجن سيئ السمعة، على لسان 14 شخصاً نجوا من الموت وتجرعوا أشد أنواع التعذيب والترهيب.
وروى الكتاب يوميات المعتقلين وما يتعرضون له من حرمان بسبب سياسات التجويع، وانقطاع المياه، والوضع الطبي المتردي، والعقوبات التي يتعرضون لها، وعمليات الإعدام، إضافة إلى أسلوب التحقيق الوحشي.
ووثق الكتاب لحظات مقتل معتقلين داخل السجن، والوسائل التي يعتمدها السجانون بعد ذلك لترهيب البقية بأجساد الأموات، وفقًا لشهادة أحد المعتقلين، وكيف أجبرهم السجانون على قتل زملائهم الأضعف مقابل الإبقاء على حياتهم، وتقديم بعض الطعام الإضافي لهم.
-الشهادة الثانية.. الحرمان من الطعام والشراب
نقل الكتاب عن أحد المسجونين قوله: "اسمي طه البكور من مواليد 1982 في مدينة كفريتا التابعة لحماة، أحمل شهادة في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق، وبدأت خدمتي العسكرية الإلزامية في 2010، فخضعت لدورة في مدرسة الشرطة العسكرية بالقابون بدمشق، ثم فرزت إلى فرع الشرطة العسكرية باللاذقية".
وتابع، "منذ أيام الثورة المصرية أخذت اللجنة الأمنية للاذقية تجتمع في مقر الشرطة العسكرية بالشيخ ضاهر، مقابل مبنى المحافظة الجديد الذي لم يكتمل، وبدأت الثورة السورية وأخذت تمتد إلى المدن المختلفة، فخرجت أولى مظاهرات اللاذقية في 25 مارس 2011، ومنذ ذلك الوقت وضعونا في مواجهتها، وكنا نستخدم سيارات حكومية مختلفة للتنقل کسيارات مديرية الزراعة مثلاً، وبملابس مدنية".
وأضاف، "في اليوم التالي، السبت 26 مارس، قام بعض المتظاهرين بالمرور أمام فرعنا وأخذوا يهتفون، فأطلق عناصر الفرع النار عليهم فقتلوا 6 وأصيب آخرون، وكانت هناك أوامر شكلية بعدم إطلاق النار إلا بإذن، ولذلك جاءت لجنة من دمشق للتحقيق، ففبرك عناصر الفرع قصة بزرع عدة مقاذيف في جذوع شجر النخيل الموجود داخل سور الفرع مقابلاً للشارع، وزعموا أن المتظاهرين بدأوا بإطلاق هذه النيران مما اضطر العناصر للرد عليهم دفاعاً عن النفس، بالإضافة إلى شهادة كاذبة أدلى بها أحد العناصر عن عثوره على بعض الفوارغ في الكازية مقابل الفرع، حيث كان المتظاهرون".
وأردف طه، "بعد مدة أنشئ حاجز مشترك بين الشرطة العسكرية والقوات الخاصة في ساحة أوغاريت وسط اللاذقية، كنت أحد الذين يداومون في هذا الحاجز وأخذنا نتواصل مع صف ضباط من القوات الخاصة، وكان الحديث يدور عن الانتهاكات التي يقوم بها رجال الأمن والشبيحة في اللاذقية بشكل مستمر".
وتابع، "بعد مدة اتفقنا على الامتناع عن إطلاق النار على المدنيين، وفي حال إجبارنا على ذلك كنا نفكر بعصيان الأوامر أو بالفرار، وكشفت المخابرات مخططنا واعتقلوا جماعة القوات الخاصة ثم اعتقلنا من فرعنا كنا 11 صف ضابط بين مجندين ومتطوعين، 4 من القوات الخاصة والباقي من الشرطة العسكرية، 70% منا جامعيون".
وقال طه: "اعتقلني فرع الأمن العسكري في اللاذقية في 31 مارس، وتم التحقيق معنا ثم حولونا في 22 يونيو إلى الفرع 291 في دمشق، وفي 4 يوليو إلى فرع التحقيق 248 الذي قضينا فيه 15 يوماً، وفي 19 يوليو حولونا إلى سجن الشرطة العسكرية بالقابون لليلة وفي اليوم التالي حولونا إلى سجن صيدنايا".
وعن السجن قال طه: "عندما وصلنا إلى صيدنايا تعرضنا لدولاب الاستقبال المعروف، ثم وضعونا في المبنى الأبيض لنصف شهر تقريباً، ثم نقلونا إلى منفردات المبنى الأحمر. وبعد المنفردات حولونا إلى المهاجع كل 3 أشخاص في مهجع كانت أعداد المعتقلين لصالح قضايا تتعلق بالثورة قليلة وقتها، ربما كان عدد العسكريين ثلاثين والمدنيين ستين".
وأضاف، "ولأن عددنا قليل كان باستطاعة سجان واحد أن يدخل علينا فيضرب جميع من في المهجع، وفي بعض الأيام كانوا يدخلون 4 مرات لضربنا، تستطيع أن تسجل ما شئت من أنواع التعذيب، فقد تعرضنا لها جميعاً، لكن أصعبها برأيي كان الحرمان من الطعام والشراب لفترات طويلة".