تمكنت لبنان من الخروج من نفق الفراغ الرئاسي الذي دام لما يزيد على عامين، الخميس، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، إذ جمع 99 صوتًا من أصل 128 في الجولة الثانية، بعد أن حالت دون فوزه أغلبية الثلثين من أصوات المقترعين من أعضاء مجلس النواب التي تطلبها الجولة الأولى.
وقال الرئيس عون، في أعقاب أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان: "عهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا، وليسمع العالم كله، اليوم تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان"، مضيفًا: "سأكون الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات".
وغادر عون مبنى البرلمان متجهًا إلى قصر بعبدا الرئاسي اللبناني، الذي ظلت أبوابه ونوافذه موصدة منذ مغادرة الرئيس السابق ميشال عون له في نهاية أكتوبر عام 2022. وأقيمت مراسم رسمية لاستقبال الرئيس الجديد لدى وصوله إلى القصر، حيث استعرض حرس الشرف، وعُزفت الموسيقى العسكرية ترحيبًا به.
المحاصصة الطائفية والرئاسات الثلاث
ينفرد لبنان بنظام حكم مختلف عن غيره من بلدان المنطقة العربية؛ حيث تشكل ملامحه المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب السيادية، لا سيما ما يُعرف بالرئاسات الثلاث (الجمهورية، الحكومة، البرلمان). فقد أقر العرف السياسي في لبنان أن يكون الرئيس مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الحكومة مسلمًا سنيًا، بينما يتولى البرلمان مسلم شيعي.
ومن ذلك، يوجد في لبنان 3 مقرات للحكم: أولها قصر بعبدا الذي يسكنه رئيس الجمهورية، وقصر عين التينة المخصص لإقامة رئيس البرلمان، وعلى بعد خطوات منه يقع السراي الكبير مقر رئاسة الحكومة.
قصر بعبدا.. شاهد على التحولات في تاريخ السياسة اللبنانية
بدأ قصر بعبدا مسيرته الرسمية كمقر للرئاسة اللبنانية عام 1969، عندما نُقلت دوائر الرئاسة إليه. دشن الرئيس شارل حلو القصر بحفل استقبال لرؤساء البعثات الدبلوماسية بمناسبة العام الجديد. وفي عام 1970، شهد القصر أول مراسم تسليم وتسلم للرئاسة بين شارل حلو وخلفه سليمان فرنجية.
خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من 1975 إلى 1990، كان قصر بعبدا في قلب الأحداث. تعرض القصر لقصف مكثف عام 1976، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه. استحدث الرئيس إلياس سركيس ملجأ تحت القصر لحماية العاملين فيه.
مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988، دخل لبنان في أزمة سياسية منعت انتخاب رئيس جديد. عيّن الجميل قائد الجيش حينها، العماد ميشال عون، رئيسًا للحكومة الانتقالية. لم يتمكن الرئيس المنتخب رينيه معوض من تولي مهامه في القصر بسبب اغتياله بعد 17 يومًا من انتخابه عام 1989.
وبعد اغتيال الرئيس رينيه معوض، انتُخب إلياس الهراوي رئيسًا للجمهورية، وأقام في مقر مؤقت بمنطقة الرملة البيضاء في بيروت، إلى أن اكتملت أعمال ترميم قصر بعبدا عام 1993. وشهدت عملية الترميم إضافة أقسام جديدة، مثل المسبح وملعب التنس المغلق، بينما تولت السيدة الأولى منى الهراوي تحسين الديكور الداخلي، الذي تميز بألوان ذهبية ونبيذية.
عاد الفراغ الرئاسي ليسكن القصر مجددًا بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007. ومع توقيع "اتفاق الدوحة" بين الفرقاء اللبنانيين، استؤنفت الحياة الرئاسية في القصر مع انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية في 25 مايو 2008.
السراي الكبير
ويمتد تاريخ مبنى السراي الكبير مقر الحكومة اللبنانية إلى العهد العثماني. ففي عام 1831، تمركزت حامية من الجيش المصري في مدينة بيروت، واختارت الهضبة الواقعة خارج سور المدينة من الجهة الغربية كموقع لإقامة ثكناتها العسكرية. اختار إبراهيم باشا هذه الهضبة لأسباب استراتيجية، حيث تقع على ربوة مرتفعة تطل على سوق المنجدين (ما يُعرف اليوم بشارع المصارف) في قلب بيروت، بالقرب من طلعة الأميركان وبوابة "يعقوب"، وذلك وفقًا للموقع الرسمي لمجلس الوزراء اللبناني.
عند إعلان ولاية بيروت، التي امتدت حدودها من اللاذقية شمالًا إلى نابلس جنوبًا، أصبحت "القشلة" المقر الرسمي للوالي العثماني. تحول اسم "القشلة" تدريجيًا إلى "سراي الولاية"، قبل أن يُطلق عليها اسم "السراي الكبير" لتمييزها عن "السراي الصغير".
كان الشيخ بشارة الخوري، أول رئيس للجمهورية في لبنان في عهد الاستقلال، أول من اتخذ السراي الكبير مقرًا له قبل أن ينتقل إلى قصر القنطاري في وسط بيروت. وخلال الحرب اللبنانية عام 1976، تعرض المبنى لأضرار بالغة.
استفاق السراي الكبير من غفوته القسرية عام 1998 بجهود رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري. كانت الخطة تهدف ليس فقط إلى ترميم المبنى من الناحية الفنية، بل إلى تحويله إلى نموذج معماري يجمع بين الوظائف الإدارية الحديثة والطابع التاريخي والتراثي المميز.
عين التينة
ويأتي أحدث القصور في خريطة مواقع الحكم اللبنانية قصر عين التينة، الذي يسكنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يشغل المنصب منذ ما يزيد على ثلاثين عامًا.
والجدير ذكره أن المهندس المعماري نبيل فوزي عازار هو الذي صمم قصر عين التينة، مقر إقامة رئيس مجلس النواب اللبناني، وأشرف عليه اعتبارًا من عام 1992 وحتى عام 1995 حين أنهى أعماله.