قال الدكتور أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، إن مصر على أعتاب نقلة نوعية حقيقية بمشروع محطة الضبعة النووية. وأوضح أن حلم إنتاج الطاقة النووية في مصر بدأ برغبة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964 بإنشاء محطة نووية بقدرة 150 ميجاوات بمنطقة برج العرب، لكن المشروع تعثر بسبب حرب 1967.
جاء ذلك خلال حوار الوكيل مع الإعلامي أحمد العصار في برنامج «حوار عن قرب» المذاع على قناة «TEN» الفضائية.
وتابع «الوكيل» كانت المحاولة الثانية بعد نصر أكتوبر بعام واحد وتحديدا عام 1974 في عهد الزعيم الراحل أنور السادات بمناقصة محدودة بين شركات أمريكية بإنشاء محطة بقدرة 1650 ميجا وات بمنطقة سيدي كرير، ولكن المشروع تعطل بسبب بعض الشروط التي لم تقبلها الدولة المصرية حينها.
وبعدها حاول الرئيس الراحل مبارك تنفيذ المشروع عام 1983 ولكن كان لحادث انفجار المفاعل النووي الروسي «تشرنوبل» أثر كبير وأثار المخاوف من تنفيذ المشروع . وعام 2007 أصدر الرئيس مبارك قرارا بتبني برنامج نووي لإنشاء عدد من المحطات ولكن جاءت ثورة يناير وما تبعها فتعطل المشروع أيضا.
الخطوة الأهم
وتابع: ثم كانت الخطوة الأهم في عهد الرئيس السيسي عام 2014 عندما تبنى مشروع الضبعة النووية كأحد مشروعين قوميين تبناهما ويعد الرئيس السيسي هو الباعث الحقيقي للبرنامج النووي ومنذ هذا التوقيت بدأت خطوات متسارعة نحو إنشاء محطة الضبعة النووية الأولى التي تتكون من أربع وحدات من الجيل السادس المتقدم كل منهم يولد 1200 ميجاوات بإجمالي 4800
ونحلم بمضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات قبل عام 2050 ونستطيع ذلك بإنشاء 4 وحدات أخرى في الجهة الشرقية من موقع محطة الضبعة كما تتسع الجهة الغربية لعدد من المفاعلات النووية الصغيرة.
مزايا الطاقة النووية
وعن التوجه العالمي للطاقة النووية ومميزاتها أوضح «الوكيل» أن الطاقة النووية تتميز بعدد من الخصائص الرائعة لا توجد في غيرها من مصادر الطاقة ومنها: أنها طاقة نظيفة تم الاعتراف بها في الاتحاد الأوروبي عام 2022 بأنها طاقة خضراء.
كما أنها لا تقتصر على توفير الكهرباء فقط بل ستغير من وجه الصناعة في أي بلد تستخدمها بإدخال صناعات جديدة وتطور أخرى قائمة كما أنها ترتقي بمعايير الجودة، وتسمو بحياة الإنسان وتؤدي إلى خلق فرص عمل.
وأوضح «الوكيل» أن لمشاريع اللطاقة النووية أبعادًا سياسية إذ تؤكد قوة الدولة التي تستخدمها لأنه لا يمكن لأي دولة مهتزة سياسيًا أن تبدأ في عمل هذا المشروع العملاق، الذي يستغرق عشر سنوات حتى الوصول لمعدلات الإنتاج الكاملة منه وهي مضطربة.
مراحل المشروع النووي
وأوضح «الوكيل» أن المشروع النووي يتكون من ثلاث مراحل رئيسة وهي :المرحلة التحضيرية "ماقبل البناء" وتستغرق من عامين ونصف إلى 4 أعوام ويتم فيها إعداد الوثائق اللازمة ومنها ملف الأمان الذي يتكون من 100 ألف صفحة، وأذون الإنشاء.
وتبدا المرحلة الثانية بتشييد المباني وتركيب المعدات وتدريب الأفراد على أعمال التشغيل والصيانة، وتستغرق خمسة أعوام ونصف وتنتهي بالحصول على إذن إجراء الاختبارات اللازمة ما قبل التشغيل.
وبعدها تكون المرحلة الثالثة التي تستغرق عامًا، وفيها يتم التشغيل والربط على الشبكة، وأشار إلى أن مصر حاليا في المرحلة الثانية ومن المتوقع أن يتم تشغيل الوحدة الأولى في الربع الأخير من عام 2028 وتشغيل الوحدة الأخيرة في الربع الأول من عام 2030 وفي الربع الثاني من نفس العام ستدخل المحطة الخدمة بشكل كامل.
التكلفة والعائد من المشروع
وعن التكلفة والعائد من مشروع الضبعة النووي قال «الوكيل» إن دراسات الجدوى التي تم إجراؤها على هذا المشروع العملاق مبشرة جدا، إذ يتميز سعر الكيلو وات من الطاقة النووية بالثبات في سعر وعدم تأثره بعوامل أخرى مثل بعض مصادر الطاقة الأخرى التي تعاني من تقلب الأسعار.
كما تتميز المحطة النووية بالعمر الافتراضي الطويل الذي قد يصل إلى 100 عام بما يقلل من تكاليف الإنشاء الأولية المرتفعة، كما أن سعر التكلفة الجارية تكون قليلة، وهو ما يساعد على استقرار سعر الطاقة الكهربائية في الدولة، والمحطة النووي توفر 7 مليار متر غاز سنويا.
وأوضح أن القرض الممنوح لإنشاء محطة الضبعة سيسدد خلال 35 عامًا منها 13 عاما فترة سماح، وقال إنه بعد دخول المحطة للعمل بشكل كامل سيخصص من مبيعات الطاقة النووية نسبة 10% من الإيرادات لسداد مديونتها لوزارة المالية.
تشغيل المحطة وصيانتها
وعن مشغلي المحطة ومن يقومون بأعمال الصيانة ومدى مساهمة العمالة الأجنبية، أكد «الوكيل» أن هذه الأعمال تتم على أيدي مصريين، كما أن المطور مستقبلا سيكون مصريا وهناك عقد للتشغيل والصيانة مبرم مع الجانب الروسي يتم بمقتضاه دعم الجانب المصري فنيا لمدة 10 سنوات.
وأوضح أن وجود برنامج نووي نشط يساعد على المزيد من البحث العلمي في الجامعات، وداخل هيئة المحطات النووية.
المدرسة الفنية لتكنولوجيا الطاقة النووية
وعن مواد وكيفية الالتحاق بالمدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا النووية بالضبعة، قال «الوكيل» إنها الرافد الأساسي لجميع العاملين بالمشروع النووي، وهذه المدرسة تقبل الطلبة الحاصلين على الشهادة الإعدادية، ومدة الدراسة بها خمس سنوات والدراسة فيها باللغتين: الإنجليزية الروسية وتم إعداد مناهجها من خلال الهيئات النووية، ونساهم بـ 4 مدرسين لتدريس المواد الخاصة بالمدرسة للارتقاء بكفاءة الخريجيين.
وبعد تخرج الطالب يلتحق مباشرة بالعمل بالمشروع وتم إلحاق خريجي ثلاث دفعات تخرجت بالفعل وحاليا يوجد ما يزيد عن 200 تقني يعملون بالفعل في المشروع من الخريجين، وبعضهم يتلقى تدريبا في روسيا الاتحادية.
احتياطات الأمان النووي
وعن الاحتياطات ومدى الأمان في مشروع الضبعة النووي أكد «الوكيل» أنه عند البدء في المشروع تم التعاقد على التكنولوجيا الأحدث عالميًا في معدلات الأمان وتأمين المخاطر، وتم اعتماد تكنولوجيا من الجيل الثالث المتطور التي تحقق أعلى معدلات الحماية.
وأوضح أن مفاعل الضبعة له وعاء مزدوج الجدران يستطيع تحمل اصطدام طائرة ثقيلة يصل وزنها 400 طن وتسير بسرعة 150 متر/ ثانية ومحملة بالوقود، ويستطيع تحمل تسونامي حتى 14 متر وتحمل عجلة زلزالية وتحمل موجات انفجارية حتى 30 كيلو باسكال / الثانية وأعاصير أكثر من 310 كم / ساعة، ومزود بأنطمة أمان لا تعتمد على وجود طاقة بل على الظواهر الطبيعية مثل الجاذبية الأرضية والسريان الطبيعي للسوائل، وغيرها من وسائل الحماية.
التعاون من وكالة الطاقة الذرية
وأوضح "الوكيل" أن مصر من الدول المؤسسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية 1957 وهناك تعاون مع الوكالة مستمر، من خلال خطط عمل متكاملة، كل خطة تغطي عامين، ويتم دعم البرنامج النووي المصري، وتمت مراجعة البنية التحتية للمشروع النووي المصري عام 2019 واستمرت مهمة الوكالة فيها 11 يومًا، وانتهت المراجعة بأن الدولة المصرية جاهزة لاستقبال أول مفاعل نووي.
مخاطر النفايات النووية
وعن تأمين مخاطر النفايات النووية قال «الوكيل»:
لدينا خبرات متراكمة في هذا الملف من خلال تشغيل المفاعل البحثي الأول والثاني، وهيئة الطاقة الذرية هي المنوطة بالتعامل مع المخلفات والنفايات النووية ولها سابقة خبرة كبيرة في هذا المجال، وعام 2017 .تم إقرار استراتيجية للتعامل مع المخلفات الإشعاعية والوقود النووي المستهلك والنفايات بطريقة آمنة تماما.
التوعية بأهمية المشروع النووي
وقال «الوكيل» إن الشعب االمصري ينظر إلى المشروع النووي كحلم تأخرنا في تنفيذه و«أنا ألاحظ التشجيع المجتمعي في مكان نتواجد فيه لمناقشة أي أمر يخص المشروع وهناك تفاؤل كبير ورغبة من الجميع في مشاهدة هذا الحلم حقيقية واقعة، وأوضح أن التشجيع المجتمعي كان لافتا.
وأشار إلى أنه توجد استراتيجية إعلامية للتفاعل مع شرائح المجتمع، ولكل شريحة ما يناسبها لإبراز أهمية المشروع «كما نملك موقعا إليكترونيا خاص بالاستفسارات الكاملة عن المشروع ومجلة بإصدار ربع سنوي.
ويتم توزيعها على المهتمين من أصحاب الرأي والفكر وتوزيع بعض الأعداد على الجامعات والمعاهد والمدارس ولدينا صفحة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بالإضافة إلى إقامة عدد من الندوات والدعوة لزيارة الشباب لموقع المشروع لإيضاح البرنامج النووي والإجابة على كافة الأسئلة المتعلقة به.