أثار اغتيال المراسل الصحفي الفلسطيني أنس الشريف بغارة إسرائيلية موجة غضب في العالم العربي لمدى بشاعة الجريمة الإسرائيلية، ضمن سلسلة الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين.
وأعادت تلك الحادثة للكثيرين ذكرى تضحيات وبطولات الصحفي الشاب الذي نقل الصورة من أشد مناطق قطاع غزة تعرضًا للتجويع والإبادة، حيث عكف على مدار عامين يغطي الأحداث في شمال قطاع غزة، وقد كانت التغطية الإعلامية نادرة من الشمال جراء الحصار الإسرائيلي، وشدة الهجمات على المدنيين؛ ليختم استشهاد أنس الشريف مسيرة حافلة – رغم قصرها – بالنضال الصحفي لإيصال الحقيقة وفضح أكاذيب الاحتلال الإسرائيلي.
وتسرد جريدة "الشروق"، أهم المحطات في المسيرة الصحفية للمراسل أنس الشريف في عمله لتغطية أهم تطورات القضية الفلسطينية من قطاع غزة، بداية من مسيرات العودة وحتى أحداث المجاعة في شمال قطاع غزة، ضمن حرب الإبادة الجماعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا للجنة الدولية لحماية الصحفيين، وموقع "دروب سايت نيوز"، ومجلة "فلسطين هذا الأسبوع".
* النشأة وبداية صحفية على خط النار
ولد أنس الشريف بمخيم جباليا عام 1996، وتلقى تعليمه المدرسي بمدارس هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين، قبل أن يلتحق بجامعة الأقصى ويتخرج في تخصص الإذاعة والتلفزيون عام 2018، خلال فترة ملتهبة مع انتشار التظاهرات الفلسطينية والقمع الإسرائيلي لها عند حدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة.
وشارك أنس الشريف، في عام تخرجه بتغطية أحداث مسيرة العودة عام 2018 أثناء عمله مع شبكة الشمال الإخبارية، حينها تلقى شظية في بطنه أصابته بجروح، ولكن تغطيته الإعلامية خلال تلك المرحلة جعلته يتلقى جائزة أفضل صحفي شاب على مستوى فلسطين؛ ليواصل تغطيته للأحداث عند التحاقه بقناة الجزيرة كمراسل صحفي.
* الشريف صوت الشمال المعزول عن العالم
كان المراسل أنس الشريف، حاضرًا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وكانت تغطيته مختصة بمناطق شمال القطاع التي شهدت بدايات الاجتياح الإسرائيلي، ثم تعرضت المنطقة لاحقًا للعزل عن العالم وسط تمادٍ لجيش الاحتلال في مختلف الجرائم ضد أهالي الشمال.
كما كان الشريف، من الأصوات القليلة التي نقلت الصورة من الشمال، حيث كان من بين 30 صحفيًا متبقيًا بالمنطقة المعزولة، يغطي أحداث المجاعة واستهداف متلقي المساعدات وتفجير قوات الاحتلال لبيوت المدنيين، وتهجيرهم عن مساكنهم.
* الاستمرار رغم التهديدات وقتل الأهل
تلقى الشريف، تهديدات إسرائيلية منذ نوفمبر 2023، في بدايات الاجتياح تطالبه بمغادرة الشمال والتوقف عن التغطية – بحسب تصريحات الشريف – وقد تضمنت التهديدات تحذيره من كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمكان تواجده، ومن ثم وصل الأمر لقصف منزله في جباليا؛ ما أسفر عن استشهاد والده الذي منعه المرض عن مغادرة المنزل، إذ أكد في تعليق على استشهاد والده أنه عازم على الاستمرار في التغطية.
* تهم الإرهاب والاغتيال المعنوي
عمل جيش الاحتلال على استهداف الشريف، بحرب إعلامية عن طريق المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي اتهم الشريف بدعم الإرهاب في أغسطس 2024، جراء تغطيته لمجزرة مدرسة التابعين.
فيما استنكرت ممثلة الأمم المتحدة لحرية الرأي آيرين خان، تلك التهديدات، وحذرت لجنة حماية الصحفيين من استخدام تلك الحرب الإعلامية تمهيدًا لاغتيال الشريف بحجة الإرهاب.
وتجددت الحرب الإعلامية بواسطة أدرعي نهاية يوليو الماضي، في تفاعل إسرائيلي مع تصوير الشريف لأحد مشاهد المجاعة بالقطاع، ليصف أدرعي لحظات بكاء الشريف بأنها "دموع التماسيح".
وانتهت الحرب الإعلامية باغتيال الشريف، ليكون خامس صحفي يتم قتله بعد تهم إسرائيلية بالإرهاب، وفق لجنة حماية الصحفيين.
* مدافع عن زملاء المهنة
كان الشريف حاضرًا باستمرار في أعقاب اغتيال الصحفيين الفلسطينيين، حيث قاد مظاهرة لدى اغتيال الصحفي إسماعيل الغول، ندد خلالها بانتهاج الاحتلال للاغتيالات لقمع الصحفيين.
كما اشتهر مقطع للشريف إبان إعلان وقف إطلاق النار، ذكر خلاله تضحيات زملائه الصحفيين، مذكرًا بدورهم في إيصال الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال.
* اعترف جيش الاحتلال باغتياله
عجزت مناشدات لجنة حماية الصحفيين وممثلة الأمم المتحدة لحرية الرأي وتنديدات قناة الجزيرة بالتهديدات، عن ثني جيش الاحتلال عن مواصلة خطته التي مارسها مع عدد من الصحفيين الفلسطينيين خلال حرب الإبادة، إذ إنه خلال أسبوعين من مزاعم متحدث جيش الاحتلال باللغة العربية أفيخاي أدرعي حول اتهام أنس الشريف بالإرهاب، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا بطائرة مسيرة على خيمة الصحفيين أمام مستشفى الشفاء بقطاع غزة، أسفر عن استشهاد أنس الشريف مع الصحفي محمد قريقع، و3 مصورين صحفيين.
وأعلن جيش الاحتلال، في بيان رسمي، اغتياله لأنس الشريف بالضربة، مدعيًا أن الشريف كان إرهابيًا ينتحل الوظيفة الصحفية – حسب البيان –ليصبح أنس الشريف الشهيد رقم 238 على قائمة شهداء الصحافة بقطاع غزة خلال قمع جيش الاحتلال للتغطية الصحفية لحرب الإبادة.