بدأ عرض فيلم "ضي.. سيرة أهل الضي" في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر، من بطولة أسيل عمران، وإسلام مبارك، وحنين سعيد والطفل بدر محمد، والكثير من ضيوف الشرف، تأليف هيثم دبور وإخراج كريم الشناوي.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية الطفل ضي (بدر محمد)، وهو نوبي ألبينو (مصاب بمرض المهق)، يواجه التمييز والتنمر بسبب اختلافه، ولكنه يمتلك صوتًا ذهبيًا وحلمًا كبيرًا، ينطلق مع أسرته ومُدرسته في رحلة محفوفة بالمخاطر من أسوان إلى القاهرة، للالتحاق ببرنامج للمواهب الغنائية، لكن تواجههم كثير من الصعاب التي تزيد من مشقة السفر.
والألبينو هو حالة وراثية تتسبب في نقص أو غياب كلي لصبغة الميلانين في الجلد والشعر والعينين، هذا النقص في الصبغة يؤدي إلى شحوب الجلد والشعر، وزيادة قابلية الجلد لحروق الشمس، كما يرتبط المهق غالبًا بمشاكل بصرية مثل رُهاب الضوء والرَّأرَأة (حركة العين اللاإرادية).
ينتمي فيلم ضي إلى ما يسمى بـ "أفلام الطريق"، وفي "A Road Map for the Road Movie" يتحدث نيل آرشر عن road movie باعتبارها ممارسة سينمائية عالمية، يُستخدم فيها مفهوم الرحلة (والسيارة) ليس فقط كخلفية مادية للأحداث بل كوسيلة للتعبير عن الهوية، الحركة، الاختلاف الثقافي، وطرح أسئلة حول الذات والصراع الداخلي، والتحول، أكثر من الرحلات المادية والجغرافية الفعلية.
يحقق فيلم ضي سمة أساسية من سمات أفلام الطريق وهي استكشاف الذات والعلاقات، حيث تتسم العلاقة بين ضي وشقيقته ووالدته بالتوتر، وهذه الرحلة تساهم بشكل أساسي في إثبات مكانة وأهمية كل طرف للآخر، عبر عدة مشاهد تعكس المحبة الكامنة تحت غطاء السيطرة التي تمارسها الأم على الابن، وغطاء الغيرة الذي تشعر به الشقيقة نحو شقيقها.
بينما يبتعد الفيلم عن سمات أخرى لهذا النوع مثل السرد غير الخطي للأحداث وتداخل الزمان والمكان، وهي أمور لا يمكن وصف غيابها بأنها أضرت بسرد الفيلم، لأن العمل لم يكن في حاجة لتوظيفها.
بل اهتم صناع العمل بشكل أساسي بالصورة، منذ اللحظات الأولى وحتى النهاية، صنع مدير التصوير عبد السلام موسى كادرات سينمائية جمالية في المقام الأول، اتسمت بتناسق الألوان وجمال التكوينات البصرية، ولكن الصورة ليست كل شيء، يجب أن تكون الصورة معبّرة عن شيء ما في الأحداث وتساهم فيها مساهمة فاعلة، ليست مجرد توظيف جمالي فقط، وذلك هو الفخ الذي وقع فيه الفيلم، حيث خلق صورة جمالية شديدة العذوبة والجمال، لكنها ليست مُوظفة دراميًا بدرجة كافية.
ويرجع ذلك إلى نقطة ضعف أساسية في فيلم ضي، وهي السيناريو، أحد أركان بناء العمل الدرامي، لأن سيناريو الفيلم يتسم بالاضطراب، وخلق الأزمات المُفتعلة غير المنطقية، من أجل وضع الأبطال في مأزق، لا لشيء سوى خلق أزمات تزيد من إثارة القصة، بينما تبتعد المواقف كثيرًا عن المنطق والهدف الأساسي وهو تطوير الحدث، على سبيل المثال وليس الحصر، اختيار السفر بالسيارة على الرغم من أن المنطق يقود الأم للتفكير في السفر بالقطار، للحفاظ على صحة ابنها الذي من المفترض ألا يتعرض للشمس كثيرًا، كما أن السفر من أسوان للقاهرة بالسيارة ليس أمرًا سهلًا مطلقًا ليكون الاختيار الأول، ومن الأمثلة الأخرى على الخيارات غير المنطقية للسيناريو، انتظار الأم لصندل نقل البضائع في الأقصر، وهذه الأم التي لم تخرج من قريتها منذ سنوات، من أين لها معرفة توقيت ومكان مرور الصندل، كما أن الصندل من المفترض أن تكون رحلته 6 أيام (وفق ما ذُكر على لسان أحد الشخصيات) فكيف له أن يصل قبل موعد المسابقة، في يوم فقط من الأقصر للقاهرة، وذلك يُحيلنا إلى أن الصدف الساذجة لن تخلق فيلم طريق جيد.
بالإضافة إلى اهتمام السيناريو بزرع تفاصيل على لسان الأبطال غير مفيدة دراميًا، مثل معلومة غياب الأب، والتي تتكرر أكثر من مرة في النصف الأول من الفيلم، ولم يُذكر سبب هذا الغياب أو كيف حدث، ولم تكن المعلومة مؤثرة بأي شكل على مسار أحداث الرحلة.
من نقاط الضعف الأخرى في الفيلم الإفراط في الاستعانة بضيوف الشرف، توظيف ضيف الشرف يجب ألا يخرج عن النطاق الكلي الذي يهدف لتطوير الحدث الدرامي أو يكون وجود هذا الضيف له معنى، على سبيل المثال وليس الحصر في فيلم "كلمة شرف" كان الأبطال الرئيسيون فريد شوقي وأحمد مظهر، من المفترض أن يشعر كل منهما بالخوف والقلق مع حضور المُفتش إلى السجن، لذلك كان اختيار رشدي أباظة الأنسب، بينما الشخصيات في فيلم ضي من أجل إضافة وجوه لا غير للمشهد، على سبيل المثال ظهور أمينة خليل في مشهد الاستوديو، ليس له أي معنى فهي لم تنطق بأي كلمة، وتعبيراتها لا تؤدي إلى شيء، والمشهد برمته الهدف منه الكوميديا النابعة من حديث شخصية محمد ممدوح، لذلك يمكن تبديل أمينة بأي ممثلة أخرى.
لكن يمكن للحالة السينمائية التي يخلقها الفيلم، المبنية على التعاطف بشكل أساسي، وعناصرها الصورة والموسيقى المؤثرة، أن تجعل المُشاهد يتغاضى عن نقاط الضعف، مسحورًا بفعل صوت الناي المُستجدي للمشاعر في أغلب الوقت، مما يضع المُشاهد تحت وطأة الانغماس مع شخصية الطفل شعوريًا.