هدوء مؤقت أم بداية لانعكاس الاتجاه؟
لا يزال الذهب، هذا المعدن النفيس الذي كان دائمًا ملاذًا آمنًا في أوقات الغموض، يعيش مرحلة من التماسك والهدوء النسبي. فبعد أن خطف الأنظار في بداية العام وحقق مكاسب قوية، يبدو أن بريقه قد خفت قليلًا خلال الأسابيع الماضية. إلا أن المتابع الجيد لحركة أسعار الذهب سيدرك سريعًا أن هذا التباطؤ ليس إلا هدوءًا يسبق العاصفة.
تراجع الزخم في السوق لم يكن نتيجة ضعف في أساسيات الذهب، بل كان نتيجة غياب العوامل المحفزة قصيرة الأجل. ومع ذلك، لا تزال العوامل الهيكلية التي تدعم الطلب على الذهب قوية ومستمرة، مما يُبقي المعدن الثمين في وضعية استعداد لانطلاقة جديدة في أي لحظة.
لماذا تتراجع أسعار الذهب الآن؟
هناك عدة أسباب تفسر لماذا تشهد أسعار الذهب فترة من التماسك وعدم الاتجاه. من أبرز هذه الأسباب هو تحسن شهية المخاطرة لدى المستثمرين، ما قلل من الحاجة إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن. البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة، خصوصًا تلك المتعلقة بالوظائف والإنفاق، جاءت إيجابية إلى حد ما، مما أدى إلى تقليص توقعات الأسواق بشأن خفض أسعار الفائدة في المدى القريب، وهو ما أثقل على الذهب.
المستثمرون ينظرون بحذر نحو تحركات البنك الفيدرالي، حيث أن تباطؤ التضخم النسبي وتحسن بعض مؤشرات الاقتصاد قد يدفع صناع القرار إلى التريث قبل اتخاذ أي خطوة جديدة. هذا التردد يضع سقفًا مؤقتًا على أسعار الذهب ويجعلها تتحرك في نطاق ضيق، بانتظار إشارات أكثر وضوحًا من البيانات الاقتصادية القادمة.
ما الذي قد يغير قواعد اللعبة بالنسبة للذهب؟
العين الآن على التقارير الاقتصادية القادمة، وعلى رأسها تقارير الوظائف والأجور والبطالة. أي تدهور في هذه الأرقام – مثل انخفاض عدد الوظائف الجديدة أو ارتفاع معدل البطالة – قد يغير قواعد اللعبة تمامًا ويُعيد إشعال الطلب على الذهب بقوة، خاصة إذا أدى ذلك إلى ترجيح خفض الفائدة في المستقبل القريب.
إلى جانب ذلك، هناك عوامل طويلة الأجل تدعم استمرار الاتجاه الصاعد لـ أسعار الذهب، مثل استمرار البنوك المركزية حول العالم في شراء الذهب كجزء من تنويع احتياطاتها، إلى جانب تراجع أسعار الفائدة الحقيقية عالميًا، مما يزيد من جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد التضخم وفقدان القوة الشرائية للعملات.
الذهب من منظور فني واستثماري
من الناحية الفنية، تشير التحركات الأخيرة إلى أن الذهب يتحرك ضمن نطاق محدد، مما قد يعني أنه في طور التجميع قبل تحرك كبير. اختراق مستوى المقاومة الحالي قد يكون إشارة على بداية موجة صعود جديدة، في حين أن أي هبوط إلى مستويات دعم قوية قد يوفر فرص شراء مغرية للمستثمرين الذين يثقون بقوة الذهب على المدى المتوسط والطويل.
كما أن المستثمرين والمضاربين على حد سواء يجب أن يراقبوا تقلبات الدولار الأمريكي، حيث أن العلاقة العكسية بين أسعار الذهب والدولار تظل عاملاً مؤثرًا. ضعف الدولار عادة ما يدعم ارتفاع الذهب، والعكس صحيح.
ما الذي يجب أن يراقبه المتداولون الآن؟
التقارير الاقتصادية الأمريكية، خاصة بيانات الوظائف والبطالة
تحركات مؤشر الدولار الأمريكي
التصريحات الصادرة عن البنوك المركزية العالمية
أي مؤشرات على تزايد الطلب من قبل البنوك المركزية وصناديق الاستثمار
يجب على المتداولين التعامل مع الوضع الحالي بحذر وتخطيط، وعدم الانخداع بالهدوء السائد. الذهب قد يبدو راكدًا، لكنه غالبًا ما يفاجئ الجميع بانفجار في الأسعار عندما تتراكم الظروف المناسبة.