يتعين على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التركيز على ثمانية أمور من أجل تعزيز موقفه في المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحفاظ على سيادة أوكرانيا، خلال القمة المقررة يوم الجمعة في آلاسكا، وذلك حسبما يرى المحللان بيتر راف الزميل البارز ومدير مركز أوروبا وأوراسيا في معهد هدسون، وجان كاساب أوغلو الزميل البارز غير المقيم في معهد هدسون للأبحاث ومقره واشنطن.
وقال راف وكاساب أوغلو في تحليل نشرته مجلة ناشونال انترست الأمريكية إن بوتين حاول خلال اجتماعه الأسبوع الماضي مع المبعوث الخاص للولايات المتحدة ستيف ويتكوف تفادي العقوبات الأمريكية الوشيكة باقتراح مسار للمضي قدما في أوكرانيا. وتردد أن بوتين وافق، مقابل انسحاب أوكرانيا من منطقة دونيتسك، على وقف الحرب على طول خطوط المواجهة. واعتبر الرئيس دونالد ترامب عرض بوتين جديرا بالاهتمام بما يكفي للموافقة على طلب الرئيس الروسي المستمر منذ فترة طويلة لعقد قمة رئاسية.
وكشف ترامب يوم الجمعة: "سنستعيد بعضا منها (الأراضي)، وسنبدل بعضها. سيكون هناك تبادل للأراضي لمصلحة الجانبين". ولم يتضح بعد بالضبط ما الذي قد ينطوي عليه هذا. ولكن بعد اجتماعه مع نظرائه الأوروبيين خلال عطلة نهاية الأسبوع، كرر نائب الرئيس جيه دي فانس، تقييمه السابق بأن موسكو "تطلب الكثير" بمطالبتها بالسيادة على مناطق لم تتمكن من الاستيلاء عليها بعد في ساحة المعركة، وبدا وكأنه يقلل من إمكانية انسحاب أوكرانيا تماما من دونيتسك. وبدلا من ذلك، وضع فانس توقعات بأن السيطرة على الأراضي ستحدد عند "خط التماس الحالي"، وبما يتماشى مع "تسوية تفاوضية يمكن للأوكرانيين والروس قبولها ".
وفي ظل إصرار بوتين على فرض إرادته على أوكرانيا - وهو إصرار كرره هذا الشهر – كان من الحكمة أن يتجنب الرئيس ترامب السماح لروسيا بوضع جدول أعمال المحادثات الرئاسية المقبلة. وفي الأيام المقبلة، ينبغي على إدارة ترامب النظر في استكمال بياناتها الحالية بعدة مقترحات مضادة.
ويرى راف وكاساب أوغلو أن الأمر الأول من الثمانية أمور التي ينبغي أن يقوم بها الرئيس ترامب فيما يتعلق بالقمة، هو دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لزيارة ألاسكا، وهي خطوة تردد أنه فكر فيها. وبعد أشهر من الدبلوماسية المكوكية في بداية ولاية ترامب، شجعت الولايات المتحدة روسيا وأوكرانيا على عقد سلسلة من المحادثات الثنائية، والتي بدأت في مايو. ومن المنطقي أن يترتب على هذا الجهد عقد مفاوضات بين بوتين وزيلينسكي، بتسهيل من ترامب. كما أن هذه الخطوة ستهدئ الأعصاب في كييف وتقلل من احتمالات نشوب خلاف بين الولايات المتحدة وأوكرانيا مع تطور المحادثات في ألاسكا.
الأمر الثاني، سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تعترف بأهمية التضاريس العسكرية في أي مناقشات حول تبادل الأراضي. على سبيل المثال، يعد المعقلان العسكريان بوكروفسك وكراماتورسك في منطقة دونيتسك مهمين للوضع العسكري العام لأوكرانيا. وتعد المدينتان من الركائز الأساسية للبنية الدفاعية التي تحمي المناطق المركزية الوسطى في أوكرانيا. ولن تنسحب أوكرانيا من هذه المواقع طواعية إلا إذا تلقت ضمانات أمنية صارمة من الغرب، ترقى إلى مستوى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ثالثا، يتعين على الولايات المتحدة أن توضح للكرملين أنه رغم أنها ستقبل سيطرة روسيا الفعلية على أجزاء من أوكرانيا، لكنها لن تقدم لموسكو اعترافا قانونيا بتلك المناطق. وللوهلة الأولى، قد يبدو هذا تمييزا بسيطا. ولكن كما أوضحت كييف خلال مناقشات سابقة حول وضع شبه جزيرة القرم، ستقاتل أوكرانيا بشراسة ضد أي تبادل للأراضي يمكن تفسيره على أنه يقنن الخسارة الدائمة لبلداتها أو مدنها. بالإضافة إلى أن الاعتراف الأمريكي الرسمي بالسيطرة الروسية على أراض أوكرانية، ربما يشجع بوتين على محاولة الاستيلاء على أراض أخرى في دول سوفيتية سابقة أخرى، بعضها الآن عضو في حلف الناتو.
رابعا، ينبغي أن يتضمن أي وقف لإطلاق النار ضمانات للمرور الآمن للمدنيين الأوكرانيين، نظرا لأن التقارير الواردة من مناطق أوكرانيا المحتلة مرعبة، وتذكر بالتفصيل عمليات إعدام واسعة النطاق وتعذيب للمدنيين واختطاف للأطفال. وفي بعض المناطق، شاركت وحدات الطائرات المسيرة الروسية فيما تم وصفه بـ"رحلات صيد بشرية" تقوم خلالها باستهداف مدنيين أوكرانيين. وبموجب شروط أي وقف لإطلاق النار، ينبغي أن يتم منح الأوكرانيين الذين يعيشون تحت الاحتلال فرصة للعبور إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا.
وقال راف وكاساب أوغلو إن الأمر الخامس، هو أنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تكتفي برفض أي قيود يسعى بوتين إلى فرضها على القوات المسلحة الأوكرانية، ولكن عليها أن تدعم أيضا إعادة تشكيل تلك القوات بشكل فعال. إن القوات المسلحة الأوكرانية هي الضمانة الأمنية الوحيدة لدى أوكرانيا، وبالتالي، فإن أي تقييد لحجمها ونطاقها سيكون، بالنسبة لكييف، بمثابة انتحار. وللحفاظ على السلام بعد وقف إطلاق النار، ستحتاج أوكرانيا إلى أن تكون أشبه بقنفذ: دفاعي بطبيعته، ولكن شرس في حال تعرضه للهجوم، ومؤلم عند ابتلاعه. ولتحقيق هذا التحول، ستحتاج كييف إلى حرية الشراء من أسواق الأسلحة الغربية، على الأرجح بتمويل أوروبي، للحصول على ذخائر مثل صواريخ تاوروس وطائرات يوروفايتر تايفون المقاتلة.
سادسا، كجزء من أي وقف لإطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل فرض قيود على حجم ونطاق القوات الروسية في الأراضي المحتلة حديثا أو حولها. وبعد ثلاث سنوات من الحرب، أصبح الاقتصاد والمجتمع الروسيان شديدي التسليح. وسيحتاج الغرب إلى نظام إنذار مبكر لرصد أي محاولات روسية لاستئناف الأعمال العدائية. وبالمثل، ينبغي على الولايات المتحدة أن تصر على عودة القوات الكورية الشمالية الموجودة في روسيا، والتي يتردد أن عددها يصل إلى عشرات الآلاف، إلى بلادها.
سابعا، يتعين على الولايات المتحدة أن تدعم الجهود الأوروبية لنشر قوة طمأنة في أوكرانيا. وقد يعتمد نطاق هذه القوة على استعداد روسيا لسحب قواتها من الأراضي المحتلة حديثا. وعلى الرغم من أن خط التماس في أوكرانيا يمتد لمئات الكيلومترات، تتركز محاور الهجوم المحتملة على طول عدة مناطق رئيسية. وإذا فكرت روسيا يوما في انتهاك وقف إطلاق النار، فإن قوة الطمأنة التي تضم قوات بريطانية أو فرنسية تتمركز بالقرب من القطاعات الحيوية قد توقف روسيا. وحتى الآن، لا تزال رغبة أوروبا في تشكيل قوة طمأنة فعالة تعد رغبة محدودة، إلا أن المناقشات المقبلة في ألاسكا قد تنعش هذه الجهود.
ثامنا، ينبغي على الولايات المتحدة توظيف أدواتها الاقتصادية في خدمة الدبلوماسية القسرية. من الواضح أن بوتين يخشى تشديد العقوبات الأمريكية، وهو ما قد يفاقم المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها روسيا بالفعل. ويجب على ترامب أن يوضح لبوتين في ألاسكا أن ثمن الانسحاب من المناقشات أو انتهاك اتفاق يتم التوصل إليه بوساطة أمريكية في المستقبل سيعني حربا اقتصادية على نطاق لم يشهده بعد. وعلاوة على ذلك، إذا قررت الولايات المتحدة عرض تخفيف العقوبات على بوتين كجزء من تسوية، فيجب أن يكون هذا التخفيف تدريجيا وفي حد أدنى خلال فترة اختبار.
واختتم راف وكاساب أوغلو تحليلهما بالقول إنه بينما يستعد بوتين للاجتماعات في ألاسكا، يتقدم الجيش الروسي عبر الخطوط الأوكرانية الرئيسية في الجزء الشرقي من البلاد. إن التناقض الصارخ بين عرض الكرملين المعلن لوقف إطلاق النار، وسعي الجيش الروسي للسيطرة على المزيد من الأراضي، يثير تساؤلات حول دوافع بوتين الحقيقية. سيصل بوتين إلى آلاسكا محملا بمجموعة من النقاط التي تهدف إلى إضعاف موقف أوكرانيا، وضمان مرونته، وتجنب العقوبات الأمريكية. إن تبني الرئيس ترامب لمبادئ توجيهية خاصة به قبل القمة سيساعده على تعزيز موقفه التفاوضي ويهيئ الظروف لنجاح الاجتماع.