توفي اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025، الروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر ناهز 88 عامًا، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد نُقل على أثره إلى أحد مستشفيات القاهرة، حيث وافته المنية بعد ساعات من دخوله.
امتاز الأدب الروائي عند صنع الله إبراهيم بقدرته على المزج بين السرد الأدبي والتوثيق التاريخي، ليقدم للقراء تجربة متكاملة تجمع بين الحياة اليومية للأفراد والوقائع السياسية والاجتماعية الكبرى. ففي رواياته لا يُقدم التاريخ كخلفية جامدة، بل يُحكى من خلال تفاصيل حياة أبطاله، حيث تصبح الشخصيات شاهدة على الأحداث، وتجربة الإنسان الفردية وسيلة لرصد الواقع العام، ما يمنح الرواية طابعًا وثائقيًا يجمع بين الأدب والطابع التوثيقي.
رواية "ذات"
في رواية "ذات"، يستعرض إبراهيم حياة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى، نموذجًا لما عاشته نساء جيل كامل، حيث تتتبع الرواية حياة ذات منذ ولادتها في يوم ثورة 1952، مرورًا بشبابها ودراستها غير المكتملة، وزواجها من عبد المجيد، وأمومتها، وعملها لدعم الأسرة. من خلال يومياتها يسلط الضوء على التحديات الاجتماعية التي تواجه المرأة، مثل الختان والزواج و"الدخلة"، والعبء المنزلي، والسعي لإيجاد وقت لنفسها وأحلامها في تجديد المنزل، وصولًا لهمومها عند الكبر واهتمامها بتزويج بناتها وقلقها على الصغرى بسبب ميولها السياسية.
تتواكب تجربة ذات مع الأحداث الكبرى في مصر، بدءًا من ثورة يوليو، مرورًا بعهد جمال عبد الناصر وحرب أكتوبر، ثم كامب ديفيد، ووصولًا إلى عهد مبارك، وانتهاء بثورة يناير، ليصبح القراء أمام سجل اجتماعي وسياسي كامل يظهر كيف تؤثر التحولات الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية على الأسرة المصرية اليومية. ويعتمد إبراهيم على دمج الأخبار ضمن السرد، خاصة مع كون ذات عاملة في أرشيف ماسبيرو، ليضع القارئ في جو الإعلام والمجتمع المصري آنذاك.
رواية "وردة"
تناول إبراهيم في هذه الرواية حياة "وردة"، وهي امرأة عمانية ثائرة وناشطة شاركت في ثورة ظفار خلال ستينيات القرن العشرين، وتواجه صعوبات كبيرة في مجتمع محافظ، لكنها تختار الانخراط في النضال السياسي مدفوعة بحب الوطن ورفض الخيانة والاستغلال. ترصد الرواية معاناتها اليومية والصعوبات التي واجهتها كامرأة، وكيف أصبحت رمزًا للحرية والمقاومة.
اعتمد إبراهيم في هذه الرواية على أسلوب وثائقي، بدمج السرد الروائي مع الوثائق والمراسلات الحقيقية، ما يضفي على الرواية واقعية عالية ويقرب القارئ من الأحداث، كما برع الكاتب في تصوير عمان بكل تفاصيلها: المدن، الأعراق، الفلكلور، والبيئة الاجتماعية والسياسية، لتصبح الرواية شهادة حية على دور المرأة في الثورة الوطنية.
رواية "بيروت بيروت"
في رواية "بيروت بيروت"، يروي إبراهيم رحلة الراوي من القاهرة إلى بيروت في نوفمبر 1981، حيث تكشف الأحداث اليومية للمدينة بعد الحرب الأهلية اللبنانية عن آثار الصراع، من المباني المدمرة، وحوادث التفجير، والرصاص الذي يقطع الليل، إلى تأثير ذلك على المجتمع والصحافة.
ومن خلال شخصيات مثل وديع مسيحة، صديق الراوي وزميله القديم، وانطوانيت فاخوري، المخرجة المارونية، يقدم إبراهيم صورة معقدة للبنان بعد الحرب، موضحًا التناقضات بين السياسة والمجتمع، وحياة الفلسطينيين اللاجئين مثل وليد الناجي من مذبحة تل الزعتر، الذي يعبر عن تجربته عبر الرسم والخرائط. توثق الرواية الحياة اليومية والسياسية في بيروت عام 1980، لتصبح بذلك شهادة أدبية على الحرب الأهلية وأثرها على المدينة وأفرادها.