أسعد عبد رب النبي.. هكذا قال دياب الإنسان لـ دياب الفنان - بوابة الشروق
الإثنين 17 مارس 2025 10:05 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أسعد عبد رب النبي.. هكذا قال دياب الإنسان لـ دياب الفنان

كريم البكري
نشر في: الإثنين 17 مارس 2025 - 4:52 م | آخر تحديث: الإثنين 17 مارس 2025 - 4:52 م

منذ الحلقات الأولى لمسلسل "قلبي ومفتاحه"، نجح "دياب" في جذب الانتباه بشخصية "أسعد" ذات الدور الجريء والمؤثر؛ كان جريئًا بسبب تكرار أداء "دياب" لشخصية الشرير، أو ما يُعبَّر عنه فنيًا بالـVillain، وما قد يترتب على ذلك من قولبة فنية، وكان مؤثرًا – رغم ذلك – بفضل الإتقان الدقيق من المؤلفين تامر محسن ومها الوزير في رسم الشخصية، والاهتمام بتلك التفاصيل الخفية التي تجعل "أسعد" قابلًا للتصديق بعيدًا عن المبالغة.

- رسم الشخصية.. المعادلة الصعبة

تُعد مرحلة رسم الشخصيات من أهم المراحل الأساسية التي تضمن نجاح السيناريو وجاذبيته، ويجدر وصفها بالعمود الفقري الذي يحرّك الأحداث ويخلق التفاعل مع الجمهور؛ وتكمن أهميتها في قدرتها على تحقيق التفاعل العاطفي بين المشاهدين والشخصيات من خلال عمقها وإنسانيتها، فضلًا عن دورها المحوري في تحريك الحبكة بشكل منطقي ومؤثر.
ورغم ذلك، تواجه هذه المرحلة عدة صعوبات، أبرزها الحفاظ على واقعية الشخصيات ومصداقيتها دون الوقوع في فخ المثالية المفرطة أو المبالغة في العيوب، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق توازن نفسي يضمن تطور الشخصية بشكل طبيعي مع تقدم الأحداث.

- أسعد عبدرب النبي.. ما وراء الشرير

قدّمت شخصية "أسعد" الـVillain  في صبغة مميزة وواقعية، من خلال خلفية رجل أعمال يعمل في تجارة العملة من خلف ستار "معرض أجهزة كهربائية"؛ وهي شخصية مليئة بالنهم نظرًا لخلفيته الأسرية؛ كونه ابن "الأسطى عبدالنبي الشيّال"، الذي كان عاملًا في المعرض ذاته يومًا ما، وغيّر اسمه إلى "عبد رب النبي" هربًا من الشِرك بالله.
ومن ثم عشق "أسعد" الامتلاك؛ امتلك المعرض والعملة والعمال والشارع والمنطقة، وتملك طليقته وأخته ووالدته، وظن نفسه قادرًا على امتلاك كل شيء؛ ومن هنا تبلورت الدوافع والأهداف، والتي توّجها أداء "دياب" كممثل برع في تجسيد التفاصيل الشكلية والنفسية، وتوظيف العيوب والمميزات بشكل متوازن ليظل الكيان الدرامي نابضًا بالحياة ومؤثرًا في وجدان المتلقين.

رسم شخصية "أسعد" جاء تمردًا على النمط التقليدي للشرير المعتاد، فلم يكن غارقًا في الظلام ينثر الأذى حيثما حلّ، ولم يتأرجح بين قسوة الشر وتقوى الخير في تذبذب مبتذل، بل جاء إنسانًا حقيقيًّا، يحمل في جوفه مزيجًا معقدًا من التناقضات البشرية.
لقد اجتمعت في "أسعد" رغبة التملك التي لم تطفئ جذوة الحب المتقدة داخله، وتآلفت شهوانيته مع براءة الطفل العاطفي الذي يمكن استدراجه في لحظة ضعف، وكان يسعى للتسلط ويفرض كلمته كحقيقة مطلقة لا تقبل النقاش، ومع ذلك لم يتغلب جبروته على شعور الذنب الذي اجتاحه حين تورّط في قتل من هاجمه.
"أسعد" لم يكن شريرًا تقليديًّا ولا بطلًا مثاليًّا، بل كيانًا دراميًّا يحمل في ثناياه ملامح إنسانية متناقضة؛ ما جعل شخصية "أسعد عبد رب النبي" تبرز كدور مميز في المسلسل.

 


- دياب.. صاحب بصمة من "غمازات" حتى "قلبي ومفتاحه"

كل ما سبق كان تمهيدًا ضروريًا لما هو آت؛ فمرحلة رسم الشخصية التي تمت بنجاح وكانت بمثابة العمود الفقري للجسد الدرامي، تحتاج إلى القلب النابض، والوجه المُعبر، والمشاعر الإنسانية الواضحة، ولغة الجسد المميزة، والانفعالات الصادقة، وهذا دور الممثل الذي أتقنه محمد دياب.

"دياب" ابن الأحياء الشعبية، فنان كُتب له التميز منذ ظهر في بداية الألفينيات بأغنية شعبية بعنوان "غمازات"، والتي لاقت رواجًا كبيرًا إثر الصوت الشعبي المبهج المميز لدياب؛ وما قيل عنها: "حاجة كده من ريحة حكيم". وللأسف غاب "دياب" عن المشهد كثيرًا ولم تغب "غمازات"، وكأن القدر يمهد الطريق لنجم سيصعد بقوة، ويعود مجددًا مُغنيًا وممثلًا.

منذ الحلقة الأولى لمسلسل "قلبي ومفتاحه"، أدركت تميز "دياب" في تجسيد الشخصية، وتمنيت أن يحافظ على الإيقاع دون أن يفلت منه أو يقع في فخ المبالغة أو عدم الاتساق.. وبالفعل حلقة تلو الأخرى ازداد التميز ومن ثم ازداد الإعجاب، حتى أصبحت شغوفًا بمشاهد "أسعد عبد رب النبي".

- فتّش عن التفاصيل

لم تكن تفاصيل شخصية "أسعد" لتكتمل على هذا النحو البديع لولا أداء دياب الفذ.. المكتب ذو المقعد المهيب وطريقة الأكل التي امتلأت بالنهم والهواتف المحمولة المتعددة في يده مع المفتاح والمسبحة، كلها عناصر عكست شخصيته الشهوانية الطامعة، مع ارتباكه الداخلي بين عالم القوة والنفوذ والخوف من العقاب الإلهي.

لقد أبدع "دياب" في تجسيد تفاصيل دقيقة أضفت على شخصية "أسعد" لمسات فنية صادقة، حيث تألقت نظرات عينيه بتحدّ وجبروت تارة، وبكاء وانكسار تارة أخرى، بينما تنوعت ملامح وجهه بين الشهوة والمعاكسة حينًا، والازدراء والاحتقار حينًا آخر، ليبقى الغضب والانفعال سمة غالبية المشاهد، كأنما هو بركان ينتظر الانفجار.

لكن ذلك الانفعال المتأجج انهار فجأة على صخرة الصدمة المروعة حين رأى طليقته في أحضان زوجها الجديد، ليتفجر الأداء ببراعة مدهشة، حيث يتجسد الغضب الطامح للقتل باندفاع أعمى، ثم ينهار "أسعد" باكيًا، ساقطًا على الأرض في لحظة ضعف إنسانية تكشف هشاشته الداخلية.

ومع ذلك، لا يلبث أن يعود مجددًا، غارقًا في أفكاره الشيطانية، محاولًا ترتيب أوراق الانتقام على نار هادئة، لتنتصر في النهاية طبيعة الشخصية النهمة المتملكة على ما تبقى من بذور البراءة والرومانسية المدفونة في أعماقه.

 



- محمد دياب.. عن الفنان "اللي جايبها من تحت"

لم أستطع فصل الأداء الرائع الذي قدمه "دياب" عن نشأته وأصوله وجذوره وسماته الشخصية. هو ابن المناطق الشعبية، ويمكن وصفه بأنه "جايبها من تحت". ظهر دياب في عدة لقاءات تلفزيونية يتحدث دون تكلّف أو تصنّع عن مراهقته وشبابه، وترزّقه من لعب كرة القدم على المراهنات، إلى أن لعبت الصدفة دورها ودفعته للغناء في أحد الأفراح الشعبية مقابل 45 جنيهًا، حصل منها على 20 جنيهًا مقدمًا. وكان أول ما تبادر إلى ذهنه هو الأكل، فاشترى "فرخة مشوية ولتر حاجة ساقعة" ليكافئ نفسه ويحتفل بـ"هذا الرزق غير المحسوب".

لم يخجل دياب، خلال لقائه مع الفنانة إسعاد يونس، من الحديث عن عدم امتلاكه "قميص وبنطلون حرير وجزمّة لمّيع" حتى يصبح مثل مطربي الأفراح الشعبية، حيث يُعدّ ذلك الزي الرسمي لأي مغنٍّ، وإلا فلن يملأ أعين الحضور أو يحصل على تقديرهم المادي المتمثل في "النقطة والتحية". تحدث "دياب" مبتسمًا ومتحمسًا وهو يتذكر أيام شبابه، وأسهب في التفاصيل قائلًا: "مكنش عندي غير قميص وبنطلون المدرسة، وقميص تاني بخرج بيه، وجاكت في الشتاء. شحتت بنطلون حرير من واحد صاحبي.. وجالي اليوم ده تحية خاصة 80 جنيه كانوا بالنسبة لي ثروة، وبعدها جالي 6 أفراح".

 



- باشا مصر.. إفيه مسلسل كلبش

استرسل "دياب" في عدة لقاءات تلفزيونية في الحديث عن نشأته البسيطة، بطريقة ساخرة مليئة بالضحك والرضا والتفاصيل الإنسانية المؤثرة، وكان دائمًا "ابن أصول" في حديثه. فعندما سُئل عن إفيه "باشا مصر" الذي أطلقه على أمير كرارة في الجزء الأول من مسلسل كلبش، أوضح بحرص شديد أن هذا الإفيه ليس من بنات أفكاره، بل يعود إلى أحد أصدقائه - واسمه شريف -. وظل دياب يكرر أن "باشا مصر" ليست كلمته، وأنه استأذن صاحبها قبل استخدامها في أحداث المسلسل. ورغم بساطة هذه الإشارة، فإنها تنم عن شخص "ابن أصول" يدرك بسليقته ضرورة إعطاء الرصيد لأصحابه المستحقين.

 

مما لا شك فيه أن نشأة "دياب" أسهمت في صقل موهبته التمثيلية، فالتجارب الحياتية المتنوعة ومشاهدة أنماط مختلفة من البشر كلها عوامل تُمكِّن الفنان من استحضار تفاصيل دقيقة عند أداء الأدوار.
إن الفنان الذي نشأ وسط البسطاء وتعايش مع قصصهم وأوجاعهم يصبح أكثر قدرة على تجسيد الشخصيات المعقدة بحسٍّ صادق يلامس أعماق المتلقي. وهذا ما ظهر جليًا في أداء دياب لشخصية "أسعد"، حيث انعكست خبراته الحياتية ومعايشته للبيئة الشعبية على أدائه الواقعي المُتقن. فقد جاءت نظراته حقيقية، وانفعالاته عفوية دون تصنّع، وكأن الشخصية وُلِدَت من رحم الواقع، لا من صفحات السيناريو.

قدرة دياب على التماهي مع الدور أكدت أن دياب الإنسان استطاع خدمة دياب الفنان؛ فثقافته الناجمة عن اندماجه مع تفاصيل الأناس العاديين أهلّته للتميز في هذا النمط من الأدوار، لأنه من الناس، فاستطاع تجسيد الناس، ووصل إلى الناس أيضًا؛ أي أنه فهم لغتهم، وحمل في داخله مزيجًا من تناقضاتهم، فكانت النتيجة أنه استطاع محاكاة الواقع بأمانة تترك أثرًا في وجدان الجمهور.

كل التحية والتقدير للفنان محمد دياب، الذي بات أمام مسؤولية كبيرة في الحفاظ على بصمته، والخروج من شخصية الـVillain، وتطوير قدراته التمثيلية أكثر فأكثر.

الجمهور اليوم يطالب دياب بالحفاظ على التوازن بين الانتشار الفني وعدم الوقوع في فخ التكرار، ليظل محافظًا على روح الصدق والإنسانية التي اكتسبها من نشأته البسيطة واحتكاكه بالطبقات الشعبية؛ فالتحدي يكمن في استثمار تلك الخبرات الحياتية، والبحث عن أدوار تمنحه فرصة لإظهار جانب جديد من موهبته دون أن يفقد تميزه أو يتخلى عن جوهره الفني.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك