يعتقد الصينيون أن حكيمًا عاش قبل الميلاد بـ2000 عام جرّب أعشابًا كثيرة لاكتشاف فوائدها، فتسمم من تلك الأعشاب وكاد أن يموت حتى ذاق بالصدفة عشبة الشاي في الماء المغلي، فعالجته، لتستمر الأسطورة وثقافة الشاي في الصين، قبل أن يتحول المشروب الدافئ لكنز حقيقي في القرن الـ17، حين جذب اهتمام البريطانيين وجعل الصين من أغنى الدول. ولكن الحلم لم يستمر طويلًا، حين أشعل الشاي حروب الأفيون التي دمّرت موارد الصين.
وتسرد جريدة الشروق حكاية عن الوجه الدموي لمشروب الشاي، حين تحوّل إلى لعنة على الصين، بلده الأصلي. وقد وردت معلومات عن تلك الوقائع في كتب "حرب الأفيون بين إمبراطورية فاسدة وإمبراطورية مدمنة"، و"الوليمة المتحركة"، و"عشر عصور من عولمة الطعام"، و"التاريخ العالمي للشاي".
-العلاج الملكي
اهتم الصينيون عبر تاريخهم بتجربة جميع الأعشاب بحثًا عن فوائد طبية لها، وكان الشاي من أهم ابتكارات حكماء الصين، ليدخل قصور أسرة هان الإمبراطورية كشراب ساخن خاص بأغراض العلاج، واستمر محصورًا في مناطق جنوب الصين حيث تتم زراعته، ولم يشهد الانتشار الواسع حتى قدوم أسرة تانج في وقت لاحق.
-بديل الخمور وعملة رسمية
شهد الشاي رحلة صعوده خلال العصور الوسطى في ظل حكم أسرة تانج، حيث تخطى موطنه الصيني الجنوبي ليجتاح الصين وجيرانها كاليابان وكوريا وفيتنام، وليصبح شراب الكهنة الرسمي، نظرًا لامتناعهم عن شرب الخمور، وما يوفره الشاي من بديل صحي لتحسين المزاج.
وكان الشاي وقتها مختلفًا عن الشاي المعاصر، حيث كانت تُخلط أعشاب الشاي مع البصل والزنجبيل لإعداد وصفة مغلية بلمسات صينية.
لم يقتصر شرب الشاي على الملوك والكهنة، لينتشر بين مختلف طبقات الشعب الصيني لدرجة جعلته بديلًا للعملات النقدية، وبلغ نشاط استخدام الشاي كنقود درجة فرض قانون بإحدى المقاطعات الصينية يجعل الشاي هو وسيلة تلقي الضرائب الرسمية، وصنع الصينيون قوالب مضغوطة من الشاي تسهّل تخزينه وتبادله كثمن للبضائع والمعاملات اليومية.
-الشاي والغزو الصيني الناعم
تصاعدت الأطماع الأوروبية في بسط السيطرة التجارية على دول آسيا، لتتصدر شركات بريطانيا وهولندا والبرتغال المشهد، مدعومة بالقوة العسكرية، ولكن فيما يتعلق بالشاي، فإن سفينة هولندية جلبته لأوروبا ليتم افتتاح أول مقهى للشاي عام 1658 في فرنسا، لينتشر سريعًا حتى وصل بريطانيا، التي اهتمت به وأدمنه شعبها لدرجة استيراد نحو 6000 طن شاي صيني سنويًا.
-إدمان الشاي يدمر أوروبا
بدأت تجارة الشاي كنشاط مفيد لبريطانيا، التي تجني ضرائب من مستورديه وتصدره لمستعمراتها في أمريكا، ولكن بدأت مشكلة اقتصادية بالصعود، حيث تشترط الصين بيع الشاي مقابل الفضة، لانعدام أي رغبة صينية في البضائع البريطانية والأوروبية، تسبب ذلك الوضع في أزمة نقص فضة في كامل أوروبا، ليتدهور الوضع بالنسبة لبريطانيا، خاصة حين استقلت الولايات المتحدة الأمريكية عنها، لتحرمها من الفضة، وفي المقابل تصاعد المخزون الصيني من المعدن الثمين، لتتفوق على دول أوروبا من حيث الثراء.
يُذكر أن أوروبا لم تكن تستورد الشاي فقط من الصين، إذ هيمنت بضائع صينية أخرى، وهي برادات وفناجين السيراميك المستخدمة في طبخ الشاي، وكان الحرير هو المنتج الصيني البعيد عن هيمنة المشروب الساخن المتسبّب بأزمة اقتصادية في أوروبا.
-صراع الأفيون والشاي
وجدت بريطانيا فرصة لمعاقبة الصين وابتزازها بسلاح الإدمان، حيث روّجت بريطانيا للأفيون بين تجار الصين، وكانت بريطانيا تملك الكثير من المخدر الخطير في مزارعها الهندية، ليشترط التجار البريطانيون في هذه المرة الفضة مقابل الأفيون.
ولم يحتفظ البريطانيون بجميع الفضة، بل يشترون بها الشاي، لتوفر بريطانيا شايًا أرخص وفضة أكثر، ولم تتكلف سوى الأفيون، ولكن الصين تكبّدت خسائر اجتماعية وصحية فادحة، وليس خسارة الفضة وحدها، إذ تحوّل تعاطي الأفيون لإدمان، وتصاعدت حالات الوفاة والجريمة، لتبدأ الحكومة الصينية في منع الأفيون، ولكن ذلك لم يوقف التهريب، حيث استغل البريطانيون ضعف البحرية الصينية، لتتم عمليات التهريب في البحر، ويستمر معها تدفق المخدر الخطير.
-طبول الحرب
قرّر الإمبراطور الصيني داوجوانج، سادس أباطرة أسرة شينج، وضع حد لوباء الأفيون الذي اجتاح المجتمع الصيني واستنزف أمواله التي حققها من تجارة الشاي، ليصدر الأمر بإعدام تجار الأفيون ومصادرة البضائع.
ورغم تلقي التجار البريطانيين خبر حظر الأفيون، إلا أنهم استمروا بالتجارة، حتى حاصرتهم البحرية الصينية وأجبرتهم على تسليم بضائع الأفيون التي تم إعدامها في الحال.
قبل مسئول التجار البريطانيين أن يتم تسليم البضائع دون قتال، ولكن ذلك التسليم استفادت منه بريطانيا كمبرر لغزو الصين، وذلك حين طالبت من الإمبراطورية الصينية تعويض التجار البريطانيين بثمن الأفيون الذي تم إعدامه. ومقابل رفض صيني، أبحرت 56 سفينة بريطانية عام 1840 لغرض الاشتباك، ونجح التفوق البحري للسفن البريطانية في تكبيد بكين هزيمة فادحة، وإجبارها على توقيع تعهد يسمح بدخول الأفيون للصين، وبيع أعداد من الصينيين كعبيد للتجار البريطانيين، وذلك بجانب دفع تعويضات إجبارية على الأفيون الذي تم إتلافه بموجب قانون صيني.