إهانة أم فخر؟| «مشخصاتى».. لقب عمره 150 عاما يشعل الوسط الفنى - بوابة الشروق
الإثنين 25 أغسطس 2025 4:00 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

إهانة أم فخر؟| «مشخصاتى».. لقب عمره 150 عاما يشعل الوسط الفنى

إيناس عبدالله:
نشر في: السبت 23 أغسطس 2025 - 8:00 م | آخر تحديث: السبت 23 أغسطس 2025 - 8:00 م

• رانيا ياسين: المجتمع نضج وأدرك قيمة ما نقدمه.. ومحمد العدل: ليست سبة بل جوهر المهنة
• طارق الشناوى: آن الآوان لاستعادة وقار الكلمة.. واستخدمتها فى وصف حسن حسنى
• محمود قاسم: يوسف وهبى حارب هذا المسمى.. ومن يرى نفسه «مشخصاتى» فليترك نقابة الممثلين

كلمة قديمة لكنها لا تزال حاضرة بقوة.. «مشخصاتى»، اللقب الذى ظهر فى مصر قبل نحو 150 عامًا مع بدايات المسرح، يعود اليوم إلى قلب الجدل داخل الوسط الفنى. البعض يراه وصفًا أصيلًا يعكس قدرة الفنان على التشخيص والتقمص، والبعض الآخر يعتبره سبة ارتبطت بماضى المهنة حين كانت محتقرة اجتماعيًا. وبين الفخر والرفض، تصاعدت أزمة جديدة بعدما تم تحويل الفنانة بدرية طلبة للتحقيق إثر انفعالها على من وصفها بهذا اللقب، لتعود الكلمة إلى واجهة السجال الفنى والإعلامى.

ظهر اللقب مع نشأة المسرح المصرى فى أواخر القرن التاسع عشر. الممثل كان يطلق عليه «مشخصاتى»، لأنه يشخص الأدوار على خشبة المسرح. ومع ذلك، لم تكن مهنة الفن وقتها تحظى بالاحترام الاجتماعى، فارتبط اللفظ بنظرة دونية وصلت لحد رفض شهادة الممثل أمام المحاكم حتى خمسينيات القرن الماضى. ومع مرور الزمن، ومع جهود الرواد أمثال يوسف وهبى، بدأ استبدال كلمة «مشخصاتى» بـ«ممثل» أو «فنان»، لتأكيد القيمة الثقافية والإنسانية للمهنة.

بدرية طلبة.. أزمة أعادت اللقب للواجهة

القصة تفجرت مؤخرًا بعدما دخلت الفنانة بدرية طلبة فى مشادة كلامية وردت بعنف على من وصفها بـ«مشخصاتية». ردها أثار انتقادات واسعة، ودفع نقابة المهن التمثيلية برئاسة الدكتور أشرف زكى إلى تحويلها للتحقيق بقرار جماعى. هنا عاد اللقب التاريخى ليشعل النقاش من جديد بين الجمهور والفنانين الذين استخدموا حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعى، والمناسبات المختلفة للدفاع عن لقب «مشخصاتى»، منهم الفنانة رانيا محمود ياسين فكانت واحدة من الفنانين التى أبدت غضبها ممن يستخدم الكلمة كإهانة، وكتبت عبر حساباتها: هذه الكلمة تعيدنا سنوات طويلة للوراء، فقديما كان يتم رفض شهادة «المشخصاتى» فى المحاكم، لكن اليوم مع نضوج المجتمع وزيادة الوعى بقيمة الفن ودوره فى صنع وجدان المجتمع، فهذه البلد تم بناؤها ثقافيًا، وكم من المرات ضحك الجمهور وبكى بسبب المشخصاتية، وكم من المرات تم التصفيق لأداءهم وتألقهم، فجميعنا نفتخر أننا مشخصاتية.

وعبر المنتج محمد العدل عن دهشته من غضب بعض الفنانين بسبب اللقب، وقال: «تخيلوا ممثلا قيل له إنت مشخصاتى فاعتبرها إهانة! الممثل مشخصاتى والتشخيص هو جوهر التمثيل. سامى العدل كان دائمًا يقول أنا «مشخصاتى»، ولم يكن يرى فيها أى سبة، ومن يراها هكذا فهو لا يدرك معناها».

وحرص الفنان صبرى فواز على إعلان موقفه بوضوح فى أكثر من مناسبة منها ندوته التى أقيمت ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية السينمائى حينما قال: «شغلتى مشخصاتى»، معتبرًا الكلمة تعبيرًا صادقًا عن طبيعة عمل الممثل وتشريفًا للمهنة.

أما الفنان محمد التاجى فقدم رؤية مختلفة، حينما قال: «المشخصاتى أشرف من كلمة ممثل. كلمة ممثل أحيانا تقال بمعنى الكذب، لكن المشخصاتى يعيش الدور ويتقمص الشخصية إلى أن يوصلها للناس. وعليه فأنا أميل وأنا أقدم نفسى للناس أننى مشخصاتى ولست ممثلًا».

واعتبر الفنان سامح الصريطى أن التشخيص هبة من الله، وقال عبر حسابه: «أنا مشخصاتى وأعتز بالموهبة التى منحنى الله إياها، وأجسد بها القيم الأخلاقية، وأعبر بها عن معاناة الناس وأحلامهم، ومن يسىء لهذه الموهبة فأنما يسىء لنفسه».

«النقاد بين الفخر والرفض»

وانقسمت آراء النقاد حول هذه المشكلة ففى الوقت الذى دافع فيه الناقد طارق الشناوى عن الكلمة، قائلًا: «كلمة مشخصاتى أنا نفسى أطلقتها فى كتاب عن الفنان حسن حسنى بمناسبة تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى».

وتساءل: هل هناك أكبر من قيمة حسن حسنى، وهل حينما أطلقت عليه لقب مشخصاتى لم أكن مدركًا أبعاد الكلمة، المشخصاتى كلمة تحمل ظلال إيجابية، وأنا أحب حسن حسنى فهو صاحب قيمة ورجل متنوع، وهذه الكلمة تعنى هذا، وتشير إلى أن صاحبها قادر على التنوع وتقمص عشرات الشخصيات، كون الكلمة انتهكت فى الماضى، وأن المحكمة فى وقت من الأوقات لم تكن تأخذ برأى القرداتى والمشخصاتى والأراجوز، وكون البعض يطعن فى الكلمة، فعلينا أن نعيد لها وقارها وجمالها، وقيمتها، المشخصاتى هو توصيف عظيم للفنان المؤدى الذى يذوب فى روح الشخصية، ولدينا عشرات من المشخصاتية الكبرى، واحدًا منهم حسن حسنى الذى تشرفت وأن أطلقت عليه هذا اللقب.

وقال: «وإذا كان فنانون غير مدركون لمعنى وقيمة الكلمة، فهم من يتحملون تبعيات هذا الخطأ، فالعيب والقصور عندهم وليس عند الكلمة».

وأشار: «التمثيل نفسه كان ك فن لم يقابل فى المجتمع بترحاب فى بداية ظهوره، وكانت هناك أسر ترفض ارتباط بناتها بمن يعملون بالوسط الفنى، وعبدالحليم حافظ رغم كل نجوميته تم رفضه لأنه «مغنواتى»، وفن الأداء عمومًا كان ينظر إليه بنظرة دونية، فهى مسألة لها علاقة بمرحلة زمنية حينما كان لا يحظى الفن باهتمام، وكذلك الصحافة لم تكن لها الحفاوة والتقدير الكامل من المجتمع. لكن الوضع الأن تغير بشكل كبير.

أما الناقد والمؤرخ محمود قاسم فقد رفض المصطلح بشدة، وقال: «الكلمة تستخدم فى المجتمع بين عامة الناس للتحقير من الفنان، وهذا أمر ليس بجديد إذا وضعنا فى الاعتبار أن الفن نفسه بدأ بالشوارع والميادين من خلال الأراجوز وصندوق الدنيا وهكذا، وكانت كلمة مشخصاتى مرادف لكلمة «بهلوان» أو شحاذ من وجهة نظر الأتراك، الذين كانوا يحكمون البلد فى هذا الوقت، فمن يجيد الترفيه على البك أو الباشا، كان يمنحه «سرة من المال»، وظهر هذا فى أكثر من فيلم منهم فيلم «أضواء المدينة» بطولة أحمد مظهر وشادية.

وتابع: «ونجد أن نفس سمعة هذا اللقب فى مصر انتشرت فى الدول العربية، وللعلم فالفنان الكبير يوسف وهبى حارب وجاهد طوال عمره حتى يستبدل كلمة مشخصاتى بـ«ممثل»، وتم انشاء النقابات الفنية للدفاع عن أصحاب هذه المهنة، وتم اطلاق اسم «نقابة المهن التمثيلية»، وليست التشخصية، التى اتأسست سنة 1943، وكان أول نقيب لها زكى طليمات، الذى بذل ومعه عدد من رواد الفن جهودًا كبيرة لتغيير الصورة الذهنية لمن يمتهن مهنة الممثل، فكيف نستعيد الآن ذكرى كلمة ذات سمعة سيئة، مثل «المشخصاتى».

وقالها صراحة: «ومن يرى نفسه «مشخصاتى»، عليه أن ينتمى إلى نقابة أخرى غير نقابة الممثلين، لأنه ببساطة أسقط عن نفسه كل القيم الجيدة، وحاول أن يستعيد كلمة كافح كبار الفنانين ومن أسسوا الفن فى مصر بالمسرح والسينما أن يحاربوها ويرسخوا فكرة أن الفن مهنة، مثل أى مهنة شريفة، ولها دور كبير فى بناء أى مجتمع يسعى للنهضة والتطور، والفنان ليس شحاذًا بل صاحب رسالة وقيمة ومكانة فى مجتمعه».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك