في الوقت الذي كانت فيه أصوات الانفجارات والدمار تتصدر المشهد في غزة، جاءت تقارير الأمم المتحدة لتكشف عن مأساة أخرى لا تقل فتكًا: الجوع. فقد أعلنت المنظمة الدولية، أمس الجمعة، بشكل رسمي دخول القطاع في مرحلة المجاعة، حيث يعيش أكثر من نصف مليون إنسان في ظروف وصفت بـ"الكارثية"، يتجرعون الجوع الحاد وتزداد بينهم الوفيات التي كان من الممكن تفاديها لو وصلت المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، دقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ناقوس الخطر معلنة أن 320 ألف طفل تحت سن الخامسة باتوا مهددين بسوء التغذية الحاد، في مؤشر ينذر بتهديد وجودي لجيل كامل قد يحمل آثارًا بدنية ونفسية طويلة الأمد.
- أزمة نفسية خانقة بين أطفال غزة النازحين
أكدت منظمة اليونيسف أن الشهر الماضي شهد أعلى حصيلة لوفاة الأطفال في قطاع غزة بسبب سوء التغذية، حيث توفي 24 طفلًا، أي ما يعادل 85% من إجمالي وفيات الأطفال المسجلة منذ بداية العام.
وفي السياق ذاته، أوضحت دانيالا غروس من مكتب المتحدث باسم الأمم المتحدة أن الاضطرابات النفسية تنتشر على نطاق واسع بين الأطفال الذين تعرضوا للنزوح المتكرر، مشيرةً إلى أن إمدادات الدعم النفسي وحماية الأطفال في غزة تكاد تكون معدومة، إذ لم تدخل أي مساعدات مخصصة لهذا الغرض منذ مارس الماضي.
وأشارت البيانات إلى أن شهر يوليو وحده شهد تصنيف أكثر من 12 ألف طفل مصابين بسوء التغذية الحاد، وهو أعلى رقم شهري على الإطلاق، بينما يعاني نحو ربعهم من النوع الأشد فتكًا.
كما تضاعف 3 مرات عدد الأطفال المتوقع معاناتهم من سوء التغذية الحاد بحلول منتصف 2026، خاصةً مع ولادة طفل من كل 5 بوزن منخفض أو ولادة مبكرة.
- آثار جوع الأطفال على المدى الطويل
ووفقًا لتقرير حديث نشرته وكالة "رويترز" استند إلى نتائج عدة دراسات علمية تناولت أزمات غذائية سابقة، فإن آثار سوء التغذية لا تقتصر على الوفاة أو المرض الفوري، بل تمتد لتترك بصمات دائمة على النمو البدني والذهني، أبرزها:
* العجز المعرفي والبدني
الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد غالبًا لا يتمكنون من بلوغ كامل إمكاناتهم العقلية أو البدنية، إذ يؤثر نقص العناصر الغذائية الأساسية بشكل مباشر على نموهم الجسدي والذهني، ويؤدي إلى التشتت وضعف الانتباه مما يعيق تحصيلهم العلمي وتطورهم الطبيعي حتى بعد سنوات من التعافي.
* زيادة مخاطر الأمراض المزمنة لاحقًا
أشار التقرير إلى أن نقص التغذية في الطفولة، وحتى في الرحم، يرتبط بارتفاع احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني. كما توصلت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين المجاعات وزيادة السمنة والفصام في مراحل متأخرة من العمر.
* ضعف المناعة وزيادة الوفاة المبكرة
نظرًا لضعف مناعة الأطفال مقارنة بالبالغين، فهم أكثر عرضة للوفاة بسبب الأمراض المعدية أو الهزال. وتُعد حالات الهزال الحاد طارئة، وإذا لم تُعالج سريعًا فقد تُضعف قدرة الطفل على مقاومة الأمراض وتؤدي إلى وفاته في سن مبكرة.
* التقزم وتأثيراته الممتدة
يؤدي سوء التغذية المزمن إلى التقزم، وهو ما ينعكس في قصر القامة وضعف القدرات البدنية والعقلية. وفي كثير من الحالات يكون الأثر غير قابل للعلاج حتى مع تحسن التغذية لاحقًا.
- نقص المغذيات الدقيقة (الجوع الخفي).
- نقص اليود قد يسبب تلفًا دائمًا في الدماغ.
- نقص فيتامين (أ) قد يؤدي إلى العمى.
- نقص الحديد يؤثر على نمو الدماغ وقد يُحدث ضررًا لا رجعة فيه إذا لم يُعالج مبكرًا.
* أثر المجاعة داخل الرحم
الأطفال المولودون لأمهات عانين من الجوع أثناء الحمل أكثر عرضة للإصابة بأمراض مثل السكري والسمنة. كما أن سوء التغذية في الحمل قد يُغيّر من نمو الدماغ والأعضاء الحيوية. وتوصلت بعض الدراسات إلى أن التعرض للمجاعة في الأشهر الأولى من الحمل يضاعف خطر الإصابة بالسكري.
* مشكلات في النمو العضلي والقدرات الجسدية
الناجون من سوء التغذية يُظهرون بعد سنوات علامات ضعف في القوة العضلية مثل ضعف قوة القبضة، وحتى مع العلاج تبقى هناك فجوات واضحة مقارنة بأقرانهم الأصحاء.