منذ ما يقارب العامين، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث؛ حربٌ مفتوحة وحصارٌ خانق حول الحياة اليومية إلى سباق مرير مع الجوع والموت.
فمنذ 7 أكتوبر 2023، حصدت آلة الحرب الإسرائيلية أرواح ما يقارب ربع مليون إنسان بين شهيد وجريح، أي ما يعادل عُشر سكان القطاع، فيما ضاعف الحصار المستمر من مأساتهم بحرمانهم من الغذاء والدواء والوقود، ليدخل عشرات الآلاف في دوامة الجوع القاتل.
ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد ضحايا المجاعة إلى 271 شهيدًا بينهم 112 طفلًا، في مشهد يُعيد إلى الأذهان صور المجاعات الكبرى في التاريخ الحديث.
ومع إنكار سلطات الاحتلال لهذه الحقائق عبر بياناتها الرسمية، جاء بيان الأمم المتحدة الأخير ليضع النقاط على الحروف: المجاعة باتت واقعًا معلنًا في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من نصف مليون إنسان في المرحلة الخامسة، وهي أخطر درجات انعدام الأمن الغذائي، مع توقع امتدادها خلال أسابيع إلى دير البلح وخان يونس.
فما الذي تعنيه هذه المراحل الخمس؟ وكيف ينتقل مجتمعٌ كامل من الأمن الغذائي إلى هاوية الجوع والموت؟
- مراحل انعدام الأمن الغذائي
يُعرف المعيار العالمي الذي يقيس انعدام الأمن الغذائي، أو ما يُعرف بـ "مقياس ريختر للجوع"، باسم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، ويتدرج من الأمن الغذائي إلى الجوع عبر خمس مراحل رئيسية:
* المرحلة الأولى: لا توجد مشكلة
1- لا توجد أزمة أمن غذائي حاد، إذ تتوفر للأشخاص احتياجاتهم الأساسية من غذاء وملبس ومسكن وتعليم ورعاية صحية.
2- لا حاجة لاتخاذ إجراءات استثنائية للحصول على الغذاء مثل تقليل الوجبات أو بيع الممتلكات أو تشغيل الأطفال.
3- أقل من 5% من السكان يعانون من سوء التغذية.
4- يتمتع الناس بدخل ثابت مع كمية كافية ومتنوعة من الطعام.
5- يحصل الفرد على أكثر من 2100 سعرة حرارية يوميًا، وهو الحد الأدنى اللازم للبقاء بصحة جيدة.
* المرحلة الثانية: انعدام الأمن الغذائي الحاد (الضغط)
1- يحصل الفرد بالكاد على 2100 سعرة حرارية يوميًا.
2- يمتلك الأشخاص دخلًا يسمح لهم بشراء بعض الأساسيات غير الغذائية مثل الصابون والملابس والوقود دون اللجوء لخيارات قاسية.
3- الدخل غير منتظم (موسمي أو مؤقت).
4- صعوبة في توفير الاحتياجات الأساسية: الغذاء، الصحة، السكن، التعليم.
5- يلجأ البعض إلى تقليل نفقات الملابس أو التعليم أو تغيير نوعية الطعام.
6- 5-10% من السكان يعانون من سوء التغذية الحاد، وهي حالة تسبب وفيات مرتفعة خاصة بين الأطفال.
* المرحلة الثالثة: انعدام الأمن الغذائي الحاد (الأزمة)
1- لا تحصل الأسر على ما يكفيها من الغذاء، ويزداد سوء التغذية الحاد بين 10-15% من السكان.
2- بعض الأسر تبيع أصولها الأساسية (الأدوات الزراعية، مصاريف الصحة والتعليم) لتأمين الطعام.
3- الطعام محدود للغاية، والحصول عليه يتطلب جهدًا كبيرًا أو مخاطر مميتة كما يحدث في غزة عند انتظار المساعدات.
4- انخفاض شديد في الدخل، وعدم وجود مصدر ثابت للكسب.
5- وفقًا للأمم المتحدة، يعيش 396 ألف شخص (20% من سكان القطاع) في هذه المرحلة.
* المرحلة الرابعة: انعدام الأمن الغذائي الحاد (الطارئ)
1- الأسر لا تحصل على غذاء كافٍ مع ارتفاع سوء التغذية الحاد إلى 15-30% من السكان.
2- تزايد الوفيات بشكل ملحوظ.
3- بعض الأسر تبيع ما تبقى من ممتلكاتها أو ماشيتها لتأمين الغذاء.
4- فقدان مصادر الدخل الدائمة أو المؤقتة، والتي يصعب استعادتها لاحقًا.
5- النظام الغذائي محدود جدًا ويفتقر للتنوع (غياب اللحوم والألبان والدهون).
6- يحصل الفرد على أقل من 2100 سعرة حرارية يوميًا.
7- وفق البيان الأممي، نحو 1.07 مليون شخص (54% من سكان غزة) يقعون في هذه المرحلة.
* المرحلة الخامسة: الكارثة أو المجاعة
1- الأسوأ على الإطلاق، حيث يفقد الأفراد القدرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء والماء والدواء والوقود.
2- تظهر مظاهر الجوع الشديد على الأطفال الهزلى الذين تلتقط صورهم عدسات الأخبار.
3- يموت ما لا يقل عن شخصين من كل 10 آلاف يوميًا بسبب الجوع أو الأمراض المرتبطة به.
4- أكثر من نصف مليون شخص في غزة يعيشون اليوم هذه الكارثة الإنسانية، وفق الأمم المتحدة.