أكثر من مليون نازح يقطنون حوالى 73 مدرسة فى القضارف.. وسكان الولاية استضافوا عددًا كبيرًا فى إطار «الدمج المجتمعى»
عائشة سليمان: لا نملك بطانيات نغطى بها أجسادنا عند النوم.. ونستخدم «الشوالات» بديلاً
أبشر بابكر: نعيش فى معسكر حاج حسن الدينى فى العراء بين الأمراض المتفشية.. ونناشد المنظمات بتوفير المشمعات
مفوض العون الإنسانى بالقضارف لـ«الشروق»: المجتمع الدولى مهتم أكثر بأوكرانيا وغزة والحرب فى السودان منسية
مدير عام وزارة الصحة بالقضارف لـ«الشروق»: قمنا بحصر أعداد النازحين داخل المدارس وخارجها وسلمنا لهم كروت العلاج بالمجان
فى الساعات الأخيرة لرحلة «الشروق» داخل ولاية كسلا، كانت الكواليس درامية للغاية، حيث أغلق المواطنون الطرق الرئيسية بالولاية احتجاحا على وفاة شاب داخل أحد مبانى الأجهزة السيادية السودانية، سبتمبر الماضى، فلم أستطع الخروج من مقر إقامتى، وانتظرت لليوم التالى على أمل هدوء الأوضاع ولكنها تطورت إلى حد ما، وخلال ساعات الانتظار علمت أن الشوارع مغلقة بسبب غضب المواطنين، وكان هناك توتر شديد بينهم وبين الأجهزة الأمنية المعنية بتأمين الولاية، ومن ثم أغلقت المحال التجارية وفى عصر اليوم سمعت أصوات الرصاص فى الشارع المجاور للفندق الذى كنت أقيم به! فقررت الخروج والسفر إلى ولاية القضارف بأسرع وقت قبل تطور الأحداث أكثر من ذلك، ومرت تلك الساعات بين التوتر والأمل فى الخروج الآمن ووضع خطط بديلة مع فريق العمل السودانى الذين يعرفون المداخل والمخارج بالولاية جيدا. وقبل شروق شمس اليوم التالى كنت فى السيارة متجهة إلى القضارف والتى تبعد عن كسلا بحوالى 220 كيلو آى أكثر من ثلاث ساعات.
تختلف ولاية القضارف عن كسلا بأنها تتحمل عبئا كبيرا من النازحين واللاجئين لا سيما أنها تتحاذى مع الحدود الإثيوبية، ورغم طبيعة سكان المدينة الهادئة إلا أن الولاية كانت تشهد توترا أمنيا نظرا لمصادفة جرت علمت بها بعد وصولى بساعات، حيث قامت السلطات السودانية بإغلاق معبر القلابات الحدودى مع إثيوبيا بعد سيطرة جماعة «الفانو» بإقليم أمهرة على الجانب الإثيوبى من المعبر، آنذاك، وتوقفت على إثر ذلك أنشطة التجارة الحدودية بين السودان وإثيوبيا بجانب توقف إجراءات السفر والجوازات.
وتشتهر الولاية بالزراعة فهى تعد من أكثر المناطق خصوبة فى السودان، وتكتظ الأسواق بالموز والبرتقال وغيرها من أشهى أنواع الفواكه ورغم ذلك تبدو أن حركة الشراء قليلة رغم اكتظاظ المدينة بالسكان من أهل المدينة والنازحين واللاجئين ولكن لا يتوافر للكثيرين من هؤلاء مصادر دخل، هذا بجانب أن الحظر هناك يبدأ من الساعة السادسة مساء، ومع بلوغ عقارب الساعة إلى الخامسة تجد جميع المواطنين يتسابقون على إنجاز مهامهم أو قيادة سياراتهم للعودة إلى المنزل فى مشهد يُشبه تسابق الصائمين على اللحاق بموعد الإفطار فى شهر رمضان المعظم!
أوضاع أكثر صعوبة بمعسكرات النازحين فى القضارف
أما أوضاع معسكرات النازحين فى القضارف أكثر صعوبة من معسكرات النازحين فى كسلا، نظرا للأعداد الضخمة التى استقرت هناك، ولتعدد رحلات النزوح للمواطنين من ولاية لآخرى وصولاً إليها، فأحوالهم بائسة للغاية.
أمضيت ما يقرب من 8 أيام بين معسكرات النزوح المكتظة بالنازحين الفارين من ويلات الحرب، من أطفال ونساء ورجال قهرتهم ظروف الحرب، والذين ينتظرون قوافل الإغاثة تارة أو انتهاء الحرب ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
عدد سكان الولاية يبلغ حوالى مليون مواطن، بينما يقطن النازحين حوالى 73 مدرسة داخل الولاية وتقدر أعدادهم بأكثر من مليون نازح، أما فى الـ 12 محلية خارج القضارف فتم استيعاب أعداد كبيرة من النازحين من قبل أقاربهم حيث تم استضافتهم فى منازلهم، وحدث ما يسمى بالدمج والكفالة المجتمعية، مما زاد العبء على المجتمعات المضيفة لا سيما فى ظل ارتفاع الأسعار وزيادة معدل التضخم بعد الحرب.
وفى القضارف، قمت بزيارة عدة معسكرات وهم «معسكر الميناء البرى، معسكر المعهد الدينى، ومعسكر الحورى».
إحصاءات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية
فى الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضى، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية على حساباته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعى، أنه منذ 24 يونيو 2024 نزح ما يقدر بنحو 136 ألف شخص من مواقع مختلفة فى جميع أنحاء ولاية سنار (جنوب شرق السودان) فى أعقاب الاشتباكات المسلحة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، وذلك وفقًا لتقارير مصفوفة المنظمة الدولية للهجرة لتتبع النزوح.
وكانت محليات سنار وسنجة والدندر تستضيف بالفعل حوالى 286 ألف نازح قبل التصعيد الأخير فى الاشتباكات، معظمهم قد نزحوا بالفعل من ولايتى الخرطوم أو الجزيرة، ولذلك فإن النازحين من سنار قد يتعرضون للنزوح للمرة الثانية أو الثالثة ــ حسب احصاءات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.
ويوضح البيان أنه فى 2 يوليو الماضى، أفادت التقارير بوقوع اشتباكات فى مدن سنجة والدندر وسنار، كما أفادت الفرق الميدانية التابعة للمنظمة الدولية للهجرة عن زيادة النزوح من هذه المدن، وكذلك من محليتى أبو حجار والسوكى المجاورتين بسبب المخاوف الأمنية، ولجأ الأشخاص من محليات سنار وسنجة والدندر والسوكى إلى محليات الرهد ومدينة القضارف بولاية القضارف، وكذلك ولايات كسلا والبحر الأحمر ونهر النيل.
مآسى السودانيين خلال رحلة النزوح
فى معسكر الميناء البرى، الذى يزدحم بالنازحين ويضم أعدادا ضخمة، عند الوصول إلى أبوابه من الخارج ستجد النساء قد علقن ملابسهن وملابس ذويهن البسيطة على أسواره التى لم تكتمل فى انتظار أن يجففها الهواء، فيما ترتص سيدات آخريات على الأرض يمسكن بأوانى قديمة ومستهكلة للغاية ليغسلن ملابسهن أو أوانيهن، أما الأطفال هائمون فى طرقات المعسكر بين ضاحك وعبوس فى مشهد لا يتناسب مع براءتهم وسنهم الصغير.
ويقطن فى الهيكل الخرسانى الذى لم يكتمل بعد داخل المعسكر، الآلاف من النازحين بجوار بعضهم البعض دون توافر أبسط مقومات المعيشة من وسادات أو مفارش تحميهم من برد الليل، ودون توافر أدنى درجات الخصوصية الأسرية، حتى الطعام والمياه ينتظرون أن تأتى إليهم، بعد أن فقدوا كل شىء خلال رحلة النزوح والهروب من بطش ميليشيا الدعم السريع.
ابنتى الكبيرة وعمرها 6 سنوات مريضة بالغدة فى الأحبال الصوتية، كنت أشترى لها الدواء بانتظام حتى تستطيع الحديث، ولكن منذ أن تركنا منزلنا فى ولاية سنار بعد دخول الدعم السريع للولاية، فقدنا كل ما نملكه لم أستطع شراء الدواء لها، حتى فقدت النطق، هكذا قالت السيدة آمنة التوم وهى فى العقد الثالث من عمرها ولكن من شدة الهموم على ملامحها تبدو وكأنها امرأة فى العقد السادس.
وتضيف آمنة لـ «الشروق» نحن أسرة صغيرة نتكون من 4 أفراد، وكان زوجى يعمل موظف بوزارة الصحة وفقد وظيفته مع اندلاع الحرب وتوقفت الرواتب، وفقدنا مصدر الدخل الوحيد لنا ولم نجد سبيل سوى المعيشة فى المعسكر.
أما السيدة عائشة سليمان التى تبلغ من العمر 55 عاما فقالت: «لا نملك بطانيات ولا أى شىء نغطى به أجسادنا عند النوم، وأعيش هنا منذ 3 شهور أنا وأسرتى متكئين على الشوالات التى نستخدمها بديلا للأغطية عند النوم، ولا أملك حتى حق شراء دواء مرض ضغط الدم، ونأكل فى الصباح والمساء وجبة عدس فقط».
وتستكمل عائشة حديثها لـ«الشروق» لتقول: انظرى إلى جسدى الهزيل، فنحن أسرة مكونة من 5 أفراد ومعنا هذا الطفل الصغير نجل ابنتى لا نستطيع أن نطعمه حلوى مثل بقية الأطفال الذين فى نفس عمره.
وفى معسكر معهد حاج حسن الدينى، والذى يأوى النازحين من الخرطوم والجزيرة وسنار، يعيش النازحون فى حال يرثى لها من العشوائية، حيث استقبلنى أحد سكانه مجرد الوصول إليه، وهو مدرس بالمرحلة الثانوية يدعى أبشر بابكر، ليقول: «نحن نعانى من المطر والشمس، الناس تعيش فى العراء والبرد بين الأمراض المتفشية مثل أمراض العيون وقلة الدواء، وانتشار أمراض الكوليرا والملاريا والالتهابات وإسهالات مائية كثيرة وقلة الوزن».
ويضيف أبشر لـ«الشروق»: «نناشد المنظمات بتوفير المشمعات وأن تأوى المواطنين فى معسكرات آخرى، لأن هذا المعسكر مساحته ضيقه لا يستطيع تحمل كل هذه الأعداد الضخمة، وهناك معاناة فى توفر الحمامات، ونحن هنا نتوسل إلى الله لايقاف هذه الحرب الشنيعة، فقد أرهقنا هذا النزوح».
السيدة فوزية عبداللطيف البالغة من العمر 55 عاما، جاءت نحوى مسرعة لتتحدث عن زوجها البالغ من العمر 75 عاما، وقالت وهى تُشير بيدها نحو إحدى الخيام: «زوجى كان يعمل مدرسا وتخرجت على يديه أجيال عديدة، وهو الآن يرقد مريضا فى معسكر نزوح، فهل هذا الحال يرضى السودان؟!» ثم غادرت دون إضافة.
وعلى مقربة من السيدة فوزية، جاءت السيدة نسيمة حسن من نازحى مدينة السوكى ومعها ابنها البالغ من العمر 18 عاما ويبدو عليهما الإرهاق الشديد لا سيما الشاب الذى يخرج من جسده سلك القسطرة البولية، لتقول لـ«الشروق» ابنى مريض بالفشل الكلوى ويحتاج إلى غسيل كلوى كل فترة زمنية محددة، وليس لدينا مصدر دخل، وأتمنى أن يتوافر له سرير وبطانيه يرتاح عليه جسده الذى أنهكه المرض، ووزارة الصحة لم تقدم لنا دعم لا سيما أنه يحتاج إلى عملية زرع كلى، حسب ما أوضح الفحص الطبى الذى أجراه خلال الفترة الماضية، على نفقة عدد من الخيريين.
وعلى بعد أكثر من ساعة من وسط المدينة بمسافة 40 كيلومترا، يقع معسكر الحورى بمنطقة الشجيرات، الذى يأوى أكثر من 10 آلاف شخص، وهو الذى تختلف صورته العامة عن بقية المعسكرات، ولكن حال سكانه لا يختلف كثيرا عن حال النازحين بشكل عام، وقد تحولت نعمة كثافة الخضرة المحيطة بالمعسكر إلى نقمة، حيث تمتلئ الحشائش بالمياه الراكدة ومن ثم تُعد بيئة خصبة لانتشار الأمراض بين النازحين.
فى مدخل المعسكر، ارتصت السيدات أمام إحدى الخيام فى طابور للحصول على بعض المساعدات المقدمة من احدى المنظمات والتى تتمثل فى توزيع الفوط الصحية لهن.
ومع وصول السيارة إلى وسط المعسكر، التف المواطنين حولها فى تكرار لمشهد اعتقادهم بأن هذه زيارة من منظمة أجنبية، ولكن بدأوا فى تلاوة شكواهم إلى ورواية معانتهم خلال رحلات النزوح أو داخل المعسكر.
«المياه المتوافرة بالمعسكر مالحة، أما المياه الصالحة للشرب فتشتريها بأموالك فقط، حيث بلغ جركن المياه 1000 جنيه سودانى (ما يعادل نصف دولار) ونحن كأسرة مكونة من 6 أفراد نحتاج إلى 4 جراكن مياه على الأقل يوميا، وكل أسبوع نأخذ 2 جركن فقط، كانت هى كلمات السيدة راندا حسن من نازحين مدينة السوكى.
وقالت راندا لـ«الشروق» إن «السكن الخارجى غالى للغاية فقد وصل إلى مليون و300 ألف (ما يعادل 520 دولارا) وليس لدينا مصدر دخل حتى نستطيع تحمل هذا المبلغ شهريا بجانب مصاريف الحياة اليومية، فاضطررنا للجوء للمعيشة فى المعسكر، ولم نحصل على أغطية كافية لنا والأطفال يفترشون الأرض عند النوم حتى ولدى الذى يبلغ من العمر عامين ونصف، ومنذ وصولنا قمت بقتل ثلاثة عقارب بنفسى، وخلال فترة الخريف والمطر الأولاد غرقوا فى المياه التى تملأ الأرض مما أثر على صحتهم بالأمراض والإسهالات وغيرها».
وتستكمل راندا حديثها: «نزحنا هاربين من الدعم السريع سائرين على أقدامنا أكثر من 9 أيام، ومعى أطفالى ووالدتى الكبيرة فى العمر، وأخى الذى يعانى من كسر وابنته التى تعانى من مرض الأنيميا، والميليشيا واجهتنا قبل الخروج وقاموا بسرقة كل ما نملكه من مال وذهب تحت تهديد السلاح، ثم طردونا من المنزل».
أما السيدة انصاف مدنى التى جاءت مسرعة وغاضبة، فاقتحمت الحشود من المواطنين الملتفة حولي، قالت: «هذا المعسكر غير صالح للسكن، فليس به مؤهلات المعيشة من صرف صحى، توافر حمامات، ومياه صالحة للشرب وغيرها، أنا جئت للقضارف منذ شهور ولم أستطع الاستحمام جيدا حتى الآن!».
وتضيف انصاف وهى تصرخ لـ«الشروق»: أنا من نازحى الخرطوم، تكررت رحلة نزوحى عدة مرات حتى وصلت القضارف، فقدت زوجى وابنى خلال هذا النزوح، وليس هناك مصداقية فى توزيع الخيام والمستلزمات داخل المعسكر».
ثم صمتت قليلا وأجهشت بالبكاء، وهى: «هناك من حول المعسكر إلى مملكة وهناك من يتسلط فى توزيع المواد علينا، أنا كنت معلمة فى جامعة أم درمان الإسلامية، يصل بى الحال لهذا الوضع من جشع وطمع ونحن فى أسوء حال؟! أنا بحب السودان ولا أريد تركه».
أما مناهل عبدالله من نازحى ولاية سنار، وقفت تتحدث إلى «الشروق» وهى تحمل ابنها الرضيع الذى لم يكمل عامه الأول على كتفيها، وقالت: «هربت أنا وطفلى وأخى الصغير الذى يبلغ من العمر 10 سنوات من الدعم السريع بمجرد اقتحامهم لمنزلنا بحثا عن أبى وزوجى حيث يعملان فى الجيش، ورغم اختلافى مع زوجى وتركه للمنزل منذ زمن بعيد، فإنهم أصروا على معرفة مكانه وهددونى بقتل طفلى الرضيع بعد أن وضعوا السلاح فى رأسه، ولكن أحد أفراد القوة أجبر زملاءه على ترك الطفل دون قتله، ولكن أمرونا بالخروج من المنزل».
وتضيف: «خلال رحلة النزوح تركت طفلى فى إحدى السيارات مع جيرانى المتجهين إلى القضارف، وتبقى معى أخى الصغير وسرنا على أقدامنا ساعات وساعات حتى وجدنا سيارة تنقلنا وخلال الطريق شاهدنا جنديا بالجيش السودانى تقوم الميليشيا بسلخ جسده وهو معلق بشجرة، كما أوقفوا السيارة وقتلوا منها 6 أشخاص أمام أعيننا، ثم هربنا وقطعنا الطريق من قرية لقرية على أقدامنا مرة أخرى، ومنذ هذا اليوم وأخى أصبح يعانى من صدمة نفسية أثرت على اتزان عقله، بعد معاناة وصلت للقضارف وبدأت رحلة البحث عن طفلى حتى وجدته مع جيرانى فى معسكر الميناء البرى، بعدها تم نقلنا إلى هذا المعسكر».
الخدمات الحكومية المقدمة للنازحين
يقول عبدالكفيل العدنانى مفوض العون الإنسانى بولاية القضارف، إن هناك أسبابا عديدة زادت من شكاوى النازحين، فأعدادهم كبيرة ورغم ذلك علينا إكرامهم ومعاملتهم بصورة إنسانية تليق بهم، ومسألة اختيار المراكز لا تكون عشوائية، فنحن نشرف على اختيار المراكز بأسباب منطقية أبرزها بأن لا يكون المعسكر بعيد عن الناس وقريب من المجتمع ويتوفر به مرافق صحية ومياه وغيرها من الخدمات.
وأضاف العدنانى لـ «الشروق» أن هناك تعاونا مع المنظمات الأجنبية العاملة فى المجال الإنسانى، منها بعض المنظمات المتخصصة فى المياه والمبانى وتوفير دورات مياه داخل المعسكرات، كما قمنا بالتنسيق مع المنظمات التى بدورها تحركت ببرامج محددة ولكن التمويل القادم للسودان قليل مقارنة بالوضع الراهن، كنا متوقعين دخول من 3 لـ 4 مليارات دولار لكن ما وصل حوالى 33 % فقط من هذا الرقم المتوقع، فالمجتمع الدولى مهتم أكثر بالحرب فى أوكرانيا وغزة أما الحرب فى السودان فمنسية.
وأكد العدنانى أنه تم إنشاء ثلاثة معسكرات فى القضارف، ونعمل على ترحيل النازحين من المعسكرات المؤقتة إلى تلك المعسكرات، مشيرا إلى أن الأعداد الرسمية للنازحين بها أزمة لاسيما أن الحصر متعثر لعدة أسباب أبرزها غياب الكادر المؤهل وصعوبة الإنترنت ولذلك نلجأ إلى منظمة الهجرة الدولية للحصول على أرقام.
وأشار إلى أن المساعدات الإنسانية تصل للنازحين من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وجمعية الصداقة التركية، ومنظمة الهجرة الدولية، بجانب برنامج الأغذية العالمى، كما تم تدشين أكثر من مرة سلات غذائية وتوزيع مواد إغاثية، ولكن ما يتم توزيعه لا يكفى الأعداد الكبيرة بالمعسكرات.
من جانبه، قال الدكتور أحمد الأمين مدير عام وزارة الصحة بولاية القضارف، إن الوزارة قامت بحصر أعداد النازحين داخل المدارس وخارجها فى المنازل التى استضافتهم وسلمنا لهم كروت للعلاج بالمجان.
وأضاف الأمين لـ«الشروق» أنه تمت مضاعفة الطاقة الاستيعابية فى أقسام مستشفى القضارف التعليمى، ففى قسم غسيل الكلى زادت الطاقة الاستيعابية من 180 لـ 600 مريض، كما ضاعفنا الطاقة الاستيعابية لمرضى السرطان لـ100 %».
وتابع: «قمنا بزيادة عدد الأطباء لأكثر من 50% فى 41 مستشفى بالولاية بجانب 375 وحدة صحية و225 مركزا صحيا، وكل هذه الخدمات هدفها النازحين».
واستدرك قائلا: «ولكن لدينا أزمة فى أدوية علاج السرطان لأن أسعارها باهظة الثمن، هذا بجانب أن عمليات القلب المفتوح تجرى فقط فى مدينتى مروى شمال البلاد، ومدينة بورتسودان (شرق)، وهذان المركزان يبعدان مسافة طويلة عن الولاية ويُعد ذلك ارهاقًا شديدا على المريض، ومن ثم نحتاج إلى دعم فى تلك القطاعات.
خريطة انتشار النازحين فى الولايات
ولا يقتصر تواجد النازحين فى مدن شرق السودان فقط التى قامت «الشروق» بزيارتها، حيث إن بقية الولايات الآمنة بالسودان فى شمال ووسط وغرب البلاد تستضيف أعداد كبيرة من النازحين، حيث يقطنون مدن الولاية الشمالية فى «دنقلا، حلفا، أبوحمد»، ومدن ولاية نهر النيل «عطبرة، بربر، الدامر، وشندى»، وكذلك فى ولاية النيل الأبيض وعدد من مدن إقليم دارفور غرب السودان.
وقد كشفت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، مؤخرا، عن تجاوز أعداد الفارين من النزاع فى السودان حاجز 14.5 مليون نازح ولاجئ، وأوضحت المنظمة فى تقريرها أن التقديرات تشير إلى أن إجمالى عدد النازحين داخليًا بلغ 11,359,005 فرد، فيما عبر 3,234,903 شخص الحدود إلى البلدان المجاورة، وأن النازحين داخليًا يقيمون فى 9,470 موقعًا موزعين على 184 محلية فى جميع ولايات السودان الـ 18.
ورغم كل هذه الصعاب والمآسى لا يزال السودانيون يتمسكون بالأمل فى العودة إلى منازلهم ووقف الحرب والعودة إلى حياتهم الطبيعية مرة أخرى.